العدد 3936
الخميس 25 يوليو 2019
banner
الأدب الروسي واختلاط السماء والبحر
الخميس 25 يوليو 2019

كنت ومازلت متعلقا بالأدب الروسي العظيم؛ لأنه يعبر عن خفايا النفس ويعكس الواقع والألم الإنساني والعلاقات البشرية الواسعة باحترافية مذهلة، وللكتاب والأدباء الروس فلسفة جميلة في الحياة، فالكاتب فيدرو ديستوفيسكي يقول في كتابه “مذكرات من العالم السفلي” إن “الحياة حلوة حتى في الحزن، الحياة حلوة كيفما يعيشها الإنسان”، ويقول أنطون تيشخوف “إن سكينة الإنسان ليست خارجه، بل داخله”، ولا أعتقد أن هناك كاتبا ومثقفا لم يقرأ رواية “أنا كارنينا” لتولستوي، فقد أثارت هذه الرواية مناقشات عديدة تناولت محتوى الرواية والمشاكل المطروحة فيها وقضايا الحب والعائلة وغيرها، فمنهم من يعتقد أن “أنا كارنينا” لا تعبر عن روح العصر ولا تتطرق للموضوعات التي تشغل ذهن الفرد الروسي، وقد أكد الكتاب السوفييت المعاصرون أن تولستوي استمد موضوع روايته من خضم الحياة الروسية وعرض ألوانا مختلفة من المشاكل الخاصة والعامة التي يعاني منها الفرد سواء في حياته العائلية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، وبددوا الشكوك حول ما علق في الأذهان من أن الرواية عبارة عن مجرد قصة مغامرات غرامية لامرأة تركت العش العائلي إشباعا لعواطفها المشتعلة ورغباتها الهوجاء وحللوا مأساة “أنا” من جميع وجوهها وجوانبها.

لقد برع الكاتب الروسي دون غيره في نقد المجتمع والحياة واختيار الشكل المناسب لتوصيل المعلومة إلى القارئ، فهو يقدم القصة كالصورة التشكيلية وليس كـ “الحدوته” مثلما يقول نجيب محفوظ، له منهج وأسلوب غني يبهر المتلقي ويقربه من نور الحقيقة.

عندما تقرأ أية رواية للكتاب الروس الكبار “تولستوي، ديستوفيسكي، تشيخوف، غوغول، بوشكين” وغيرهم تشعر أنك تسير على أرض فسيحة تعود عليك بالنفع، لهذا نشط المترجمون في تحويل رواياتهم إلى العربية منذ أمد بعيد، ثم اجتهد البعض وجاء بمشروع “كتب الجيب” للشباب والناشئة، لكن مع الأسف اختلطت السماء مع البحر بسبب دخول المتطفلين حقل الترجمة وتلويث جمالية وروعة الأدب الروسي بغبائهم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية