العدد 3952
السبت 10 أغسطس 2019
banner
أيهما يسبق الآخر: رعاية الاقتصاد أم التربية؟
السبت 10 أغسطس 2019

تربط الاقتصاد والتربية علاقة قديمة لم تظهر على خارطة رسم السياسات بنفس الوضوح الذي ظهرت عليه في العقود الأربعة الأخيرة، فقلما تجد في خطاب سياسيٍ أوتوجٍه إستراتيجيٍ، أوأجندٍة وطنيٍة ذات خطة متوسطة، أو طويلة الأمد، قد خلت من ربط النمو الاقتصادي بالتربية. ولذلك ظهرت توجهات تربوية عديدة مرتكزة في أساسها الأولي على مبادئ النظريات الاقتصادية الحديثة، منها مفاهيم العائد التربوي على الاقتصاد، والاستثمار في العنصر البشري، والكفاءة والفاعلية.

ومن أبرز المفاهيم التي تؤدي دورا بارزا في صياغة سياسات الدول مفهوم التأثير التبادلي بين الاقتصاد والتربية، حيث إنه في زمن معين كانت التربية ذات التأثير الأكبر على الاقتصاد، وفي أزمنة أخرى يكون العكس. ومن أمثلة ذلك كان المعلم والإدارة المدرسية يقررون الكثير مما يدور في أركان المدرسة وتفاصيل اليوم الدراسي، وسط توقعات بأن خريجي هذه المدارس سيكونون على مستويات عالية من الكفاءة، وسد الاحتياج المحلي من الموارد البشرية الماهرة، إلا أن تزايد الفجوة بين سوق العمل ومهارات الخريجين استدعى مناقشة آليات وأوجه الصرف والإنفاق على التربية، فظهرت مفاهيم المساءلة والجودة والقيمة المضافة، وبدأت عمليات تقليص الصرف والإنفاق على التعليم، واستحداث وظائف رقابية وتطويرية ومتابعة جديدة.

إلا أن المتأمل في أثار مساهمة الفكر الاقتصادي على التربية في مختلف الأنظمة العالمية يجد أن انعكاس الأثر لم يكن متساويًا، حيث لا توجد وصفة واحدة ناجحة لكل النظم.

كما لا يخفى على الجميع أن الدول المتقدمة تخصص من ميزانياتها مبالغ طائلة للتربية والتعليم والبحث العلمي، إلا أنه قد يغيب عن الكثيرين أن الدول الخليجية قد تتفوق أحيانًا كثيرة في مستويات صرفها وإنفاقها على التربية والتعليم على هذه الدول المتقدمة؛ الأمر الذي لا يتسق والمستويات التي يحققها الطلبة الخليجيون في الامتحانات الدولية الخارجية، حيث مازالت نتائج كل الدول الخليجية تقبع تحت خط متوسط الأداء العالمي.

هذه الحقيقة تستدعي إعادة التفكير في توجيه أولويات الصرف على التربية والتعليم والبحث العلمي، وكبداية فإنه لابد من إعادة النظر في آليات تحقيق المساواة الرأسية في النظام التعليمي، حيث يتم إعادة توجيه الدعم لشرائح الطلبة التي لم تبلغ أقصى إمكاناتها، والتي تشمل المتأخرين دراسيًّا، وذوي الهمم، والمتفوقين والمبدعين، فلم يعد تقديم نفس مستوى الصرف لكافة المدارس فاعلا في أثره كما كان في العقود السابقة. كما أن الاستثمار في التكنولوجيا التعليمية لم يعد خيارا في ظل التوجهات الحديثة في اقتصاديات التربية، ولقد تغلغلت آليات التكنولوجيا في طرائق إدارة الصف وإستراتيجيات التعلم والتعليم والإدارة المدرسية، بل في تمهين المعلمين بصور غير تقليدية. ولا نغفل في هذا المجال ضرورة إعادة توجيه الصرف على البحث العلمي المرتبط باحتياجات البلد، لا المرتبط برغبة وتوجهات الباحث، فلابد من رسم سياسة وطنية لأي دولة تحدد فيها الموضوعات ذات الأولوية، والتي لابد أن تكون ناتجة عن الاحتياجات المجتمعية والاقتصادية في الدولة المعينة. كما أن نتائج الطلبة المتراجعة في المدارس الخليجية تحتاج إلى وقفة أكثر حزما لما لها من تداعيات على المجتمع الخليجي من جهة، وعلى الاقتصادات المحلية من جهة أخرى.

وختاما، فإن إعادة النظر في هندسة نظام تعليمي يتيح لإدارات المدارس الإبداع - بصورة أكبر - قد يكون من التوجهات التي تستحق الدراسة، وذلك في إطار محكم يضمن المساءلة عن الأداء العام وتحسين النتائج.

“المتأمل في أثار مساهمة الفكر الاقتصادي على التربية في مختلف الأنظمة العالمية يجد أن انعكاس الأثر لم يكن متساويًا”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية