+A
A-

بمؤشر الـ 100 ألف برميل.. هل بدأ احتضار النظام الإيراني؟

مع اشتداد العقوبات الأميركية على إيران وانهيار الصادرات النفطية إلى حوالي 100 ألف برميل، يتساءل البعض عن مصير النظام في طهران، الذي يعتمد في الوقت الحالي على إثارة أقصى درجات التوتر لتخفيف الضغوط عليه.

ففي يوليو الماضي، صدرت إيران نحو 100 ألف برميل يوميا من الخام، بحسب بيانات لوكالة رويترز، في وقت قال فيه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أن بلاده أزالت نحو 2.7 مليون برميل يوميا من النفط الإيراني من الأسواق العالمية، في إطار ما يعرف باستراتيجية "تصفير صادرات إيران من النفط".

ويمكن لأزمة احتجاز ناقلة النفط الإيرانية غريس 1 قبالة سواحل جبل طارق، والتي انتهت مؤخرا بالسماح للناقلة بالإبحار، أن ترسم ملمحا لما يعانيه عصب الاقتصاد الإيراني الذي يعتمد على الشحن البحري للحصول على العملات الأجنبية.

ونتيجة للأزمة الشديدة التي امتدت لتوترات في مياه الخليج العربي، حيث أقدمت إيران على إسقاط طائرة أميركية مسيرة، ومهاجمة ناقلات نفط واحتجاز ناقلة بريطانية، بات احتمال نشوب مواجهة عسكرية مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران أمرا لا يمكن استبعاده في أي وقت.

ولم يكن تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن القيام بضربة عسكرية محدودة لإيران، ردا على إسقاط الطائرة المسيرة، مؤشرا على خفض التصعيد. فواشنطن تعرف جيدا أن ورقة العقوبات والضغط على الاقتصاد هي السبيل الوحيد لإجبار طهران على تغيير سياستها أو ربما دفع الشعب إلى القيام بمهمة التغيير دون الحاجة إلى مواجهة عسكرية.

تأثير العقوبات

ويقول مايكل روبن الخبير في مركز أميركان إنتربرايز للأبحاث في مقال له على موقع ناشيونال إنتريست:"يمكننا أن نشهد احتضار النظام الإيراني، فطهران أصبحت في عين العاصفة بشكل مثالي، وقد أضرت العقوبات باقتصادها".

وتشير الخبرة التاريخية الأميركية مع طهران إلى رجاحة سيناريو العقوبات الاقتصادية وسياسة الضغط والتي يمكن أن تأتي بنتائج على اعتبار ما تحقق من إطلاق الرهائن الأميركيين عام 1981 دون تحقيق مطالب النظام الإيراني الكاملة، نتيجة الضغوط وعزلة إيران التي أصبحت أكبر من أن تتحملها، بحسب روبن.

وقد تكرر ذات الموقف عندما وافق مرشد الثورة الإيرانية الخميني على وقف إطلاق النار عام 1988 كما تخلى عن مطالبه بإزاحة صدام حسين من السلطة في العراق، وهو أمر كان قد أقسم في وقت سابق بأنه لن يقبل باستمراره أبدا.

أما الواقعة الثالثة التي تؤكد نجاعة الضغوط الاقتصادية، هي إرغام الرئيس حسن روحاني على التفاوض في ظل إدارة أوباما بعد أن أقر مجلس الشيوخ بالإجماع عقوبات اقتصادية أحادية الجانب.

شيخوخة النظام

وإلى جانب الوضع الاقتصادي السيء والعملة المتدهورة، فإن الهرم السياسي في إيران يعاني من ضعف هيكلي، فلا يستطيع المرشد علي خامنئي مقاومة الزمن، بينما تتحدث التقارير عن وضع صحي غير مستقر، فيما يجهل الإيرانيون من قد يخلفه في قيادة النظام.

ويشير روبن إلى أن آخر مرة عرفت فيها إيران تغييرا في رأس الهرم منذ عام 1989، وحينها كانت هناك شكوكا في انتقال سلس للسلطة، " وعلى الأرجح سيكون الطريق مسدودا أمام تغيير سلمي هذه المرة، وربما نشهد انقلاب عسكري".

وبحسب هاني سليمان، المدير التنفيذي للمركز العربي للبحوث والدراسات، يعاني النظام الإيراني من أزمة على مستوى نوعية "النخبة" الحاكمة، فقد اقترب جيل الثورة الإيرانية من الأفول، وهو ما يهدد اعتبارات الحماسة الثورية والتكوين الأيديولوجي للنخبة، والتي هي عرضة للتراجع والانفتاح في ظل أزمات عميقة وتكريس لفكرة فشل نظام جمهورية الملالي.

ويدعم هذا الطرح، بحسب سليمان، توجه الإدارة الأميركية الحالية بعدم الاكتفاء بفكرة الضغط الاقتصادي فقط، وإنما محاولة الاستثمار في الملفات الحقوقية وأزمات الأقليات والقوميات غير الفارسية وهو ما يمكن البناء عليه لتهديد النظام بشكل أقوى.

الحشد عبر الأزمات

وأمام التحديات الاقتصادية والتململ الشعبي من تدهور الأوضاع طيلة 40 عاما من حكم الملالي، يعرف كل من خامنئي والحرس الثوري إنهما لا يتمتعان بشعبية كبيرة، لذا فإن الطريق الوحيد أمامهما هو مواصلة إثارة الأزمات الخارجية والتي قد تحشد الإيرانيين حول العلم الإيراني.

ويقول روبن إن هذه "هي الديناميكية التي يجب أن تهتم بها إدارة الرئيس ترامب، ومن الواضح أنها كانت السبب الرئيسي في تجنب توجيه ضربة إلى إيران".

"فمن  الضروري مواصلة الضغط دون الانجرار إلى استخدام القوة العسكرية التي من شأنها أن تأتي بنتائج عكسية"، بحسب الباحث الأميركي.

وعلى الرغم من أن التعامل الأميركي مع إيران يستلزم نفسا طويلا، فإن المخاطرة لا تزال قائمة، حيث شهدت مياه الخليج حشودا لقطع الأسطول الأميركي ونشر قاذفات بي 52 وطائرات إف 22 الشبحية، بالإضافة إلى استمرار حرب الناقلات وإعلان طهران عن منظومة صواريخ باور 373 وغيرها من الاستعراضات العسكرية.

ومع عدم وجود نية لأي طرف في خوض حرب مباشرة، فإن المنطقة لا تزال مهددة في أي وقت لـ "حرب محتملة" بحسب سليمان، الذي أشار إلى وضع يشبه "علبة الكبريت"، حيث الأزمة متأرجحة ويمكن تشتعل بشكل كبير إذا اشتعل عود واحد، في ظل مراهنة طهران على العبارات الثورية والخطاب الاستفزازي وسياسة الهروب إلى الأمام و"حافة الهاوية".