العدد 3970
الأربعاء 28 أغسطس 2019
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
توقيف الخسارة ربح.. في الحب والسياسة والاقتصاد (31)
الأربعاء 28 أغسطس 2019

يقال في علم الاقتصاد لأي مشروع استثماري إذا كان هناك يأس من نجاحه أو عدم بزوغ نور في الأفق أوقفه، وأغلق مصنعك أو شمِّع شركتك بالشمع الأحمر مادام لا حل وذلك تحت قاعدة: (إيقاف الخسارة هو ربح). إن ذات القاعدة تنسحب على الحياة السياسية والاجتماعية، وفي الحروب وفي العلاقات الغرامية وحتى عالم الأفكار. كي تنقد حياة إنسان ينزف لابد من إيقاف النزيف وإيقاف النزيف ربح. إذا كنت تجد أن العلاقة مع الحبيب أو العيش على ذكرياته، والبكاء على الأطلال غيّر الذاكرة، ووسعها لتخزن أشياء جديدة. إذا كنت تنزف منه يوميا بسبب الاختلاف، والغضب والدراما والتنغيصات ألقِ العلاقة من النافذة وواصل البحث عن علاقة صحية هادئة، فخسرانه ربح. تقول مستغانمي “حذارِ أن تتحرّش بشجرة الذكريات. أن تسقيها في كلّ مناسبة بالحنين والانتظار.. ثمّ تتعجّب ألّا يعطي النسيان وردًا”.

‏لا يطرح النسيان وردًا في الموسم الأوّل. يحتاج إلى فصلين أو 3 قبل أن يزهر. في البدء يهديك شوكه. لا تقلق، سيحين فصل القطاف. فللحبّ روزنامة لا علاقة لها بمنطق الفصول، لتُشفى من حالة عشقيّة، يلزمك رفاة حبّ، لا تمثال حبيب تواصل تلميعه بعد الفراق، مُصرًّا على ذلك البريق الذي انخطفت به يومًا. يلزمك قبر ورخام وشجاعة لدفن من كان أقرب الناس إليك). إذا كنت في السياسة تجد أن طريقتك دائما تقودك إلى خسائر فادحة، ودفع فواتير سياسية باهظة، عليك أن تغير من الأسلوب، وتستبدل الأفكار كما تعاملت اليابان مع أمريكا بعد ضربها بالقنابل النووية، فخسارة (الغطرسة اليابانية) ربح، فقد ربحت العلم والاقتصاد، والآن هي ثالث أكبر اقتصاد عالمي بعد أمريكا والصين. والتي تأتي قبل ألمانيا وكل دول الاتحاد الأوروبي. إصرار الاتحاد السوفيتي على أفكار الشيوعية، وتصدير الثورة البلشفية المراهقية، وأفكار البروليتاريا برومانسية وخلق الصراعات في الدول قاده للانهيار. أوقف أي نزيف في حياتك، ولو كان بعلاقة مع قطة مادام يشكل خطرا على صحتك النفسية أو يسبب أزمة قوية لسعادتك. ابحث عن مصاصي الطاقة في حياتك، وضعهم في جزيرة واهرب منها. لا تكن أداة في صراعات عالمية على حساب مصالح أرضك ووطنك، فكل العالم يحارب بعضه لأجل المال، وإن غلف بالقيم والإنسانية والديمقراطية. كل الدول العظمى تتكلم على أساس أنها طيور الجنة. لا تصدقوها كلهم يبحثون عن مصالحهم. هذه قصة الإنسان والصراع التاريخي كما في كتاب (حيونة الإنسان). حرب روسيا في سوريا لتأمين مواني لها بسبب القهر الجغرافي. كل حروب أمريكا في الخليج لأجل النفط لا لأجل كحل عيون الحب والغرام. وأغلب السفارات هي عبارة عن سوس ينخر في شجرة كل وطن. فالأساس الحفاظ على وطننا والوحدة الوطنية. وجود فرنسا بإفريقيا لأجل توفير احتاجها من معادن هناك. العالم يقاد وفق مصالح، فلا تقدم لأبنائك شهادات وفاة، بل شهادات جامعية. كن ذكيا في السياسة، فان كانت أفكارك تقودك لخسائر غيّرها، فتقليل الخسارة ربح. اقرأ كتاب “كيف تمسك بزمام القوة” لروبرت جرين. ونحن اقتصاديا في الخليج، إن التقليل من خسارة الاعتماد على مصدر النفط إلى التنوع في المصادر ربح. ونحن نخشى من تحقق نظرية (البجعة السوداء) في الاقتصاد، حيث تأتيك ضربة اقتصادية من حيث لا تحتسب. وهي نظرية تشير إلى صعوبة التنبؤ بالأحداث النادرة، وهي لنسيم نقولا وهو باحث في إبستمولوجيا الأحداث الصدفوية. من كان يصدق أن تكون هناك بجعة سوداء تخرج في أستراليا بعد سنين من وجود البجع البيضاء؟ كذلك في الاقتصاد، خصوصا والأزمة الاقتصادية قادمة لا محال، وأنا أعتقد ستأتي من الصين بسبب سرطان القروض فيها، بل العالم كله أصبح مدينا دولا وشركات وأفرادا. أقول: لا تقبل أن تستمر في النزف، وتدفق الدم من الجسد تحت عصبية شعار سياسي أو اقتصادي وحتى مشاعري، وأنت لا تعلم أن هناك لعبة أكبر منك. عندما يتصارع الفيلة يموت العشب. بعد الحرب العالمية الثانية لا يوجد شاب أوروبي واحد مستعد أن يموت أو يخسر مستقبله ومستقبل أولاده لأجل شعار سياسي أو انتخابي وشعاره: (أيها الأغنياء، إن كنتم مؤمنين بشعاراتكم قدموا أبناءكم أولا، ثم بعد ذلك الفقراء، فلن نكون وليمتكم المشتهاة في السلم وفي الحرب). اليوم هناك مؤشرات أزمة اقتصادية قادمة والصراع الأميركي الصيني على أوجه، وهناك أزمة ديون كبرى، وأغلب دول العالم تعاني عجزا وديونا فلكية بما فيها أمريكا والصين وفرنسا... إلخ. وفي النهاية أنت من ستدفع في نهاية المطاف الفاتورة الاقتصادية من صحتك، ومن مالك ومن نفسيتك من الضرائب أو خسران مالك في محافظ استثمارية أو خسران بلدك لمشاريع تسمى اقتصاديا، لكنها في الأغلب ما يسمى في الاقتصاد بمشاريع (الفيلة البيضاء) لقلة أهميتها أو عائدها، أو هناك ما هو أولى منها. فإذن تقليل خسارتك في الحب والاقتصاد والسياسة ربح. لا تراهن على أي شيء في الوجود إلا الله، وتعامل بوسطية مع الأمور. لا تلهث وراء قلب، ولكن أحب بوسطية. ولا تركض وراء مال، ولكن امش له بلا هرولة مبالغة، فتصاب بهبوط حاد في حب سكر الحياة. لا تجعل من المنصب هو مدار حياتك وتنسى أولويات أسرتك وتفقد حياتك الخاصة. سافر، استمتع بشواطئ العالم. نقب في التاريخ عبر متاحفه. العب رياضة يوميا. اقرأ في كل شيء. ابحث عن الحكمة. أعد جدولة الأصدقاء والأمكنة. افتح نافذة عقلك ودع أكسجين التنوير يدخل ويخرج ثاني أكسيد الرجعية. استمتع بكل شيء، ولا تلغ الدين، واجعله كملح خفيف لطبخة الحياة، فالوجود الغيبي له مذاقه. الحبيبة التي تتحول إلى (فامباير) تمتص معنوياتك، ومالك غيرها غير مأسوف عليها. المشروع الاستثماري الذي ينزف أموالك، وتخشى إغلاقه خوفا من قول كلام الناس إنك فشلت، أغلقه قبل أن يجرك إلى الزنزانة، وتتحول ذكرياته إلى جلاد. المنصب الذي يتحول إلى موقع تعاسة، وخنق للسعادة أبدله. الصديق الذي يتحول إلى مصاص طاقة ومركبة بشرية تسبب تلوث وتسمم متعتك في الحياة، ولا يعرفك إلا للمناحة والبكائيات والمناديل غيِّره.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .