العدد 3985
الخميس 12 سبتمبر 2019
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
خطورة الفقاعة في الحب والسياسة والاقتصاد (35)
الخميس 12 سبتمبر 2019

كل شيء تبالغ فيه سيتحول إلى فقاعة ذات يوم تنفجر في وجهك. قلبك إذا انتفخ بوهم الحب سيتحول ذات يوم إلى فقاعة ستنفجر، وأنت ستبقى كما يقول المتنبي (كريشة في مهب الريح ساقطة.. لا تستقر على حال من القلقِ). وإذا لم تقم بإنتاجية مستمرة في الطاقة وحب الحياة ولم تعتمد كوكتيل الحياة ستجد نفسك كاقتصاد الأرجنتين، مثقل بالديون لكن في ذكريات، وشاحب بلا روح، ويلعب بحياتك الآخرون كما هم سياسيو البرازيل. ستظل تعاني تداعياتها من ارتفاع أسعار أوجاعك، وتضخم فؤادك، وبطالة حادة في مشاعرك، وهبوط في عملة حبك، فلا أحد يريد يشتري هذه العملة؛ لأن حبك سيصبح رخيصا مجرد ورق لا قيمة له. الحب كما الاقتصاد أن لم تنتبه لرفع نموه بشكل صحيح ستظل تعاني. إذا وجدت نفسك تشتاق للحبيب بشكل مبالغ فيه، فهذا يعني أنك تعاني من اضطراب سيكولوجي. إذا كنت دائما تذهب لمحرقة ذكرياتك في الحب، لتذرف دموعك مع آخر دخان يخرج من بين رماد الذكريات، فهذا يعني أنك تحب تمثيل دور الضحية، وإنك مازلت عشيقا يلبس بزة سجن الحب. المبالغات في الحب تتحول إلى فقاعات، فتنفجر لتتحول إلى أزمات. كذلك في الاقتصاد كلما هرول الإعلام في النفخ، والمؤسسات المالية في شيء بشكل جنوني وهوسي وانتفخت المضاربات تأتي لحظة صارمة لتفجر هذه الفقاعة، لترجع لسعرها الحقيقي بلا رتوش أو وجه مستعار أو وجه شمعي. مشكلتنا نحن البشر هي المضاربات. مضاربة في الحب، فاذا أحببنا فجَرنا في الحب، وإذا كرهنا تفجرنا كرها وحقدا وخبثا، وقليل منا هم الوسطيون. حتى في معرفة بورصة الحب مخفقون لا نعرف متى نبيع وأي سهم في الحب نشتري. ودائما الفقاعة اذا ما تفجرت خلفت وراءها ضحايا بصور مأساوية مختلفة. والغريب أن فقاعة الحب تبدأ بزهرة في تسامر على ضوء القمر، وتنتهي بزهرة تلقى على رخام قلب مهشم كان لحبيب. حتى الوردة هذه المسكينة ندخلها في كذبنا العاطفي، بل حتى في الحروب، فلاننسى حرب الوردتين، وهي حرب أهلية دارت معاركها على مدار ثلاثة عقود (1455م-1485م) حول الأحق بكرسي العرش في إنجلترا.

والغريب أن أول فقاعة مالية في العالم كانت بسبب وردة التوليب (1635-1637) انتشرت وردة التوليب في أوروبا عن طريق هدية من السلطنة العثمانية إلى أمبراطور روما، ومنها انتقلت إلى هولندا في بدايات القرن الـ 17. وكانت فترة العصر الذهبي الهولندي، إذ توافرت سيولة نقدية وزادت ثروات الكثيرين تبعا لتعاظم قوة هولندا الاقتصادية. واعتبرت زهرة التوليب رمزا للطبقة الراقية، وفي “ذروة الهوس”، كانت الزهرة الواحدة تباع بأكثر من 10 أضعاف الدخل السنوي لحرفي ماهر، ما شجع جميع فئات المجتمع على الدخول بأموالهم وحتى بممتلكاتهم للمضاربة بشراء التوليب وبيعها حتى بلغت أسعار براعم التوليب ذروتها، وبالتالي انهيارها في شكل سريع، ما أدى إلى خسارة آلاف الهولنديين أموالهم وممتلكاتهم. باعوا بيوتهم ومحلاتهم وكل ما يمتلكون لاقتناء زهرة قد تموت في أي لحظة. الهوس في كل شي يقود إلى نهاية كارثية. الذكي هو المتوازن، هو من يبتعد عن العشق أو الهوس بأي شيء في الوجود، ومن لا ينتفخ نرجسيا لا بمال أو شهرة أو منصب. الإمام علي “ع” يقول (قيمة كل امرئ ما يحسنه). اليوم الطاووسية الأمريكية في أوجها اقتصاديا، واستطاعت أن تجعل الدولار ملك العملات، واقتصادها أقوى اقتصاد رغم حجم الديون، لكن حتى هذه الأمور غير محصنة. من كان يصدق أن بعد تربع اليابان على المركز الثاني في الاقتصاد العالمي تزيحها الصين؟ ما هذا الرعب الأمريكي من الاقتصاد الصيني؟ لأن الصين تغزو العالم بالاقتصاد، وليس على الطريقة الشرق أوسطية بالمليشيات أو صراخ القنوات أو الشتم الطائفي . أمريكا مدينة للصين، وهذه مفارقة مهمة. وهذا التنين الآسيوي في تمدد وإذا زادت نرجسيته بتوريط القارة الإفريقية بالديون ستكون هناك فقاعة وأزمة. بلد شيوعي ديكتاتوري، لكنه عرف اللعبة، أن القوة ليست بالعضلات، ولا بفقاعات النرجسية، ولكن بالاقتصاد. شهدنا تداعيات فقاعة الانقلابات في أمريكا اللاتينية. فقاعة الشيوعية وتضخم السوفيت. فقاعة الدواعش. فقاعة سوق المناخ في الكويت. فقاعة الرهن العقاري في 2008 بأمريكا .المبالغة في السياسة والانتفاخ الأنوي للزعيم يقوده للسقوط. الرئيس التركي أردوغان بدا بسياسة تصفير المشاكل مع الأعداء، وكان برغماتيا في الاقتصاد، وارتفع مستوى النمو في تركيا، وقل معدل البطالة، واستقطب رؤوس الأموال، وبدأت ترتفع سعر الليرة في قبال الدولار، لكن بعد الربيع العربي دخلت لوثة السلطان العثماني عند أردوغان وانتقل من تصفير الأعداء إلى تصفير الأصدقاء. خسر الرئيس إسطنبول مرتين. التطرف في الزعامة كما كانت الهياج الناصري في الخمسينات، والمبالغة في الحب كما هو قيس بليلى، النرجسية في التمدد كما الاستعمار الإسباني قديما، الهرولة بعقل جمعي جماهيريا في التصفيق لشيء، كلها تتحول إلى فقاعات قد تنفجر أي لحظة تاريخية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية