+A
A-

التايمز: تدفق مهاجرين جدد من تركيا يضغط على جزر اليونان

في هذا الوقت من العام تكون المسارات الصخرية عبر غابات الصنوبر على طول ساحل بحر إيجة التركي هادئة. وفي فترة ما بعد الظهر خلال أيام الأسبوع، يكون معظم من يترددون عليها من أهالي المنطقة ممن يقومون بالتنزه والتريض بصحبة كلابهم.

ولكن، بحسب ما نشرته صحيفة "التايمز" البريطانية، فمع مغادرة السياح من المنتجعات في نهاية الصيف، يصل نوع آخر من الزوار بأعداد متزايدة، مرة أخرى. ففي كل ليلة، على مرمى البصر من المنتجعات الفاخرة والمارينا، حيث ترسو يخوت المشاهير وأبناء الأسر الثرية، تقوم عصابات تهريب المهاجرين عبر الممرات الساحلية، في ضوء القمر، بحشر المهاجرين في قوارب متجهة إلى اليونان، تمامًا كما فعلوا منذ 4 سنوات مضت عندما عبر أكثر من مليون شخص، على أمل طلب اللجوء في أوروبا.

ازدادت حركات العبور منذ الشهر الماضي، بسبب مزيج من العنف المتصاعد في سوريا، وتفاقم انعدام الأمن بالنسبة إلى 3.6 مليون سوري، يعيشون حاليا في تركيا. وما ورد من تقارير أخرى عن قيام السلطات التركية بترحيل السوريين بالقوة مرة أخرى إلى منطقة القتال الحدودية منذ بداية هذا الصيف، وما تم نشره من أنباء عن اعتقال السلطات في إسطنبول وتم إبعادهم لمسافة 500 ميلا إلى المناطق الحدودية.

تهديدات أردوغان

وفي الوقت نفسه، كرر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذا الشهر تهديده بفتح الحدود، والسماح للمهاجرين بالتدفق عبر البحر، ما لم تساعد أوروبا تركيا على إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا، وإعادة بعض اللاجئين إلى هناك.

الحلم الأوروبي

فر قصي (23 عاما)، من دمشق في سوريا عندما تم استدعاؤه للخدمة العسكرية، وأقام في تركيا لمدة 18 شهرا، حيث كان يعمل في المصانع ومحلات الحلاقة. ومنذ شهر، عندما أصبحت القواعد أكثر صرامة بالنسبة للسوريين، يقول قصي: "قررت المغادرة. اتصلت بالمهرب من خلال بعض الأقارب، الموجودين بالفعل في أوروبا. ودفعت 1000 دولار للذهاب إلى اليونان. وربما أطلب اللجوء ولكنني لم أقرر بعد، وذلك لأن هدفي فقط أن أكون في أوروبا".

تغييرات ديموغرافية

وارتبطت الأعداد المتزايدة بظاهرة تحول ديموغرافي؛ ففي حين أن المهاجرين، الذين غالباً ما يشار إليهم في خطاب الزعماء الشعبويين، هم من الشباب بأغلبية ساحقة، فإن أكثر من نصف هؤلاء المهاجرين الذين يصلون إلى اليونان هم من النساء والأطفال.

40 ألف لاجئ

لقد عبر ما يقرب من 40000 شخص من تركيا إلى الجزر اليونانية هذا العام، منهم 2239 في الأسبوع الأول من شهر أيلول/سبتمبر وحده، وتزامنت هذه الموجة الجديدة مع اللحظة التي ردد فيها أردوغان تهديداته. ولا تزال الأرقام قريبة من تلك التي كانت موجودة في ذروة أزمة عام 2015. ولكن، للمرة الأولى منذ أن وقعت بروكسل اتفاقاً بتسليم أنقرة 6 مليارات يورو لوقف تدفق قوارب المهربين في عام 2016، أصبحت الجزر مجددا نقطة دخول المهربين الرئيسية إلى أوربا.

خفر السواحل التركي!

وكانت صفقة عام 2016 قد خفضت عدد العابرين إلى أوروبا، ولكن مع تصعيد تركيا للدوريات البرية والساحلية، قام المهربون بتكييف أوضاعهم بأن اعتمدوا مرة أخرى على قوة الأعداد الهائلة للتغلب على خفر السواحل، وذلك بإرسال العديد من القوارب في نفس الوقت من نقاط انطلاق محددة، حيث ينتقلون حاليا بين المواقع والطرق.

كما يتم في أغلب الأوقات إرسال القوارب عبر مسارات دائرية، ومخادعة، حول الجزر لتهبط في الأماكن الأكثر عزلة، حيث تبقى السلطات التركية متخلفة في حركتها. ولا يُسمح للمهاجرين باستخدام هواتفهم أثناء الرحلة، بما يضمن عدم تسرب لقطات مثيرة من القوارب المكتظة.

أنشطة التهريب

لا يتم ممارسة مثل هذه الأنشطة علانية في المدن السياحية التركية، حيث لا يعرف السكان المحليون أي أخبار عنها إلا عند إحضار المهربين المقبوض عليهم إلى المحكمة، أو عندما تطفو جثث الغارقين قرب الشواطئ. وفي الأسبوع الماضي، عثر على جثة امرأة سورية في شاطئ جامبيت، وهو منتجع شهير يقع على مشارف مدينة بودروم السياحية.

وقال أنيل تابيل، محامٍ عمل في بودروم، ويترافع في قضايا المهربين أمام المحاكم: "يبدو أن الصناعة أصبحت الآن أكثر بساطة، حيث يدفع المهاجرون للمهربين بشكل مباشر، ولا يستخدمون وسطاء".

وأضاف: "يقوم شخص واحد، أو اثنان كحد أقصى، بإحضار مجموعة من 20 إلى 30 مهاجرًا من خارج المنطقة، ويتكدسون عادة في الجزء الخلفي من شاحنة، ثم يتم نقلهم إلى الموقع المحدد، ويطلب منهم الانتظار لحين لحظة انطلاق الزوارق ويراعون أقل عدد ممكن من الأشخاص المشاركين وأقل القليل من الاتصالات".

تكدس اللاجئين في الجزر اليونانية

تم جلب قصي إلى بودروم من إسطنبول برفقة 40 شخصا آخرين، جميعهم من الفلسطينيين والسوريين، ونزلوا في إحدى نقاط التهريب على طول الجانب الجنوبي من شبه جزيرة بودروم، قريبا من جزيرة كوس اليونانية، التي تقع على بعد عدة كيلومترات، وهي إحدى البؤر التي تركزت فيها أزمة 2015، حيث وفدت إليها عشرات من قوارب تقل مهاجرين يوميا، لدرجة أن ممشى التنزه فيها تحول إلى معسكر مؤقت.

وعلى الرغم من أن الجزر الأخرى تشهد أعدادا أكبر من الوافدين، إلا أن كوس شهدت أكبر زيادة، حيث بلغت نسبة الزيادة 70 % مقارنة بالأسبوع الماضي. وارتفعت أعداد الموجة الجديدة من المهاجرين بدرجة كبيرة إلى معسكر أقيم في كوس، بموجب اتفاق عام 2016، للتعاطي مع طلبات اللجوء في الجزيرة بدلاً من نقل المهاجرين إلى البر الرئيسي.

ومنذ إتمام ذلك الاتفاق، كان عدد سكان الجزيرة يصل إلى حوالي 800 نسمة، أي ما يقرب من طاقتها القصوى. وارتفع عدد الوافدين الجدد هذا الأسبوع فقط إلى 2626. ولذلك عندما قصي إلى جزيرة كوس، أبلغه المختصون بعدم وجود مكان له، مما اضطره إلى المبيت في العراء.

تركيا لا تحترم الاتفاقيات

وقال ثيودوسيس نيكيتاراس، رئيس بلدية كوس: "إن تركيا، بتوقيعها على هذا الاتفاق، التزمت بمنع تدفقات الهجرة" إلى الاتحاد الأوربي، ولكن من الواضح الآن أن الجانب التركي لم يحترم الاتفاقية من جانبه".

وأضاف: "لقد تعاملت كوس مع هذه القضية منذ عام 2014 بروح من حسن الضيافة، والتضامن ولكن لا يمكن التسامح مع الظروف الحالية".