العدد 4002
الأحد 29 سبتمبر 2019
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
وزارة العمل من الرومانسية إلى الواقعية
الأحد 29 سبتمبر 2019

بالأمس خرج علينا سعادة وزير العمل والتنمية الاجتماعية جميل حميدان بـ “مانشيت” شبيه بالكوميديا السوداء، ومفاده أن وزارة العمل “مستعدة لتقديم خبراتها في محاربة البطالة” بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وأنها “على استعداد لتقديم خبراتها وتجاربها الناجحة في مجال محاربة البطالة ودمج المواطنين في سوق العمل، وتعزيز أنظمة الحماية الاجتماعية وإستراتيجيتها في التدريب المهني والفني لتأهيل المواطنين لسوق العمل في القطاع الخاص”، ونقل هذه التجارب لدول الخليج.

أشعر من التصريح أن وزارة العمل إما أنها تعيش في عالم افتراضي غير مسكون بأحد أو أنها تحب تمثيل دور “البطل المنقذ” للبطالة الموجودة في البلدان الأخرى رغم تيقنها أن وزارة العمل ذاتها هي بحاجة إلى سيارة إسعاف لترميم خيمتها بالمضادات، فالوزارة بدأت خيمتها تتهرأ؛ بسبب شمس البطالة التي راحت تثقب جمجمة الوزارة!

لا أعلم ما الذي يجعل سعادة الوزير يعلن القفز سباحة من سفينة الوزارة ومد السترة البلاستيكية لوزارات دول الجوار رغم علمه أن وزارات العمل الخليجية أكثر وضوحا في أرقامها من ذات الوزارة البحرينية.

أقول: إن وزارة العمل تحمل صفات الإثارة والنفخ في بالونات الأخبار و صناعة الأكشنات، بل أحيانا تستفز مشاعر العاطلين بهكذا مانشيتات نارية وساحرة ومؤلمة كألعاب نارية في مهرجان ضخم. فليس غريبًا إذا ما استيقظنا ذات صباح لنجد ارتفاع منسوب رومانسية الوزارة وهوسها بالصحافة ومرض المانشيتات، لنجد تصريحًا جديدا للوزارة، بأنها على استعداد لتقديم خبرتها في مواجهة البطالة لدول الاتحاد الأوروبي!

الغريب، أنه في الوقت الذي وصلت فيه البطالة، حسب تقرير مكتب الإحصاءات الأوروبية “يوروستات” لمنطقة اليورو التي منها ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، إلى 7.8 % في شهر فبراير من العام الحالي، مازالت وزارتنا تقدم القداس، وترش ماء الورد على نسبة 4 %.

ورغم الضغوط التي تقع على الاقتصاد البحريني إما بسبب واقع الاقتصاد العالمي أو لظروفه الخاصة داخليًا، مازال يقول الوزير إن هناك آلافًا يتم توظيفهم سنويا، وإن النسبة تترنح قليلا إلا أنها مازالت في سياق 4 %؟

أقول: رغم ارتفاع مناديل بكاء أعداد العاطلين، وتكدس الخيبات على عتبات الوزارة، وهذا يدل على خلل في خطة الوزارة، إلا أن الوزارة تكابر لتقول: إن الوزارة مستعدة لنقل تجربتها “العظيمة” في محاربتها للبطالة لدول الخليج، وستعيد استنساخها لحلول البطالة فيها! هل نحتاج إلى منظار لرؤية تكدس العاطلين أمام مراكز التوظيف في الوزارة لتجد المفارقة الكبيرة؟ فإذا كانت الوزارة فعلا تمتلك كل هذه “الخبرة”، فليس غريبًا أن تخرج علينا الوزارة لتقول مستقبلًا إنها مستعدة لتقديم خبرتها إلى اليونان، التي وصلت نسبة البطالة فيها إلى المعدل الأعلى (18%)، أو تقدم خبرتها لإسبانيا، التي وصلت نسبة البطالة فيها إلى 13.9 % أو إيطاليا 10.7 %.

فإذا صمتنا على الوزارة سيأخذها هوس التصريح إلى أبعد! وقد تواجه بكوميديا أي عاطل ليقول: أتمنى على الوزارة أن تكون محلية ولا تشغل بالها مستقبلا بألمانيا أو هولندا أو التشيك، فهي أقل من البحرين، ولا تحتاج إلى إرشادات الآن!

سعادة الوزير، إن مثل هذه التصريحات تزيد من وضع الملح على جرح الشهادات الأكاديمية المتكدسة للعاطلين، وبدلًا من ذلك، أتمنى من الوزارة وضع خطة عمل وإستراتيجية لتقليل النسبة.

وفي المفهوم الاقتصادي، كلما زاد النمو في الاقتصاد زادت نسبة فرص العمل، وليس إذا زادت التصريحات، وتغافلنا عن البطالة، واكتفينا بخنق الأرقام، وإخفاء النسبة الحقيقية بيكيبورد طلسنة حشو الأرقام في ورق عنب غموض المصطلحات. فحتى لو قمنا بذلك ستطفو على سطح البحر ذات يوم.

أقول، بمنطق ابستمولوجي، وحب للوطن والعاطلين، لابد من الشفافية، فالاعتراف بالنسبة والمشكلة هو بداية الحل، فهروب الطبيب، وإنكار مرض المريض لا يعنى شفاءه، بل قد يضطره إلى الالتجاء لنقل المريض إلى السرير، وتلك هي مشكلتنا في البطالة.

أقول للوزارة: البطالة ليست بحاجة لا إلى مصباح علاء الدين ولا البساط الطائر، فقط تحتاج منها واقعية وإستراتيجية وسيكون هناك الحل. أقول: نحن كلما دعمنا الإنجازات في البحرين وهي كثر، واعترفنا بأي سلبيات بمنطق علمي مهني سنزيد من قوة البحرين تنمية وجمالًا ومصداقية، تلك هي المفاهيم التي تعلمناها من المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حفظه الله والحكومة الرشيدة، أن نشجع الإيجابيات والإنجازات وأن نعمل على إصلاح أي خلل بمنطق علمي ووطني.

الاعتراف بالأرقام والاعتراف الإيجابي البناء هو من يقود البحرين نحو التطور والتقدم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .