العدد 4002
الأحد 29 سبتمبر 2019
banner
بعض الحكايا “1” الحرب
الأحد 29 سبتمبر 2019

فجأة.. تحول الحديث عن الحروب والدمار والانتقام وكأنه من أحاديث التسالي والترفيه! حتى أن البعض أصبح يكتب الأشعار تمجيدًا في السلاح والبطولات والمفاخر، وصار الآخر يخطب متحدثًا عن حتمية الحرب وضرورة النزال وملحمة الوطيس، في مجتمعات هي في الأساس منهكة ومرهقة ويحيطها اليأس من كل جانب، ولقمة العيش فيها أصبحت من الصعاب.

وقف ذلك الشاعر ليصدح بما فاضت به شاعريته ليشحذ الهمم ويهيئ الناس “أن هلموا.. هبوا إلى الحرب فليس غير الحرب من سبيل”، فيما كانت الحشود تصفق.. تتمايل يمينًا ويسارًا وكأنها تتراقص على أنغام قصيدة عشق غرامية.. ما إن أنهى الشاعر قصيدته حتى جاءه ذلك الرجل الذي كان بين الحشود واجمًا خائفًا قلقًا مما سمع وقال للشاعر “هل أنت مجنون؟ أهناك من يملأ نفوس الناس بوهم الدمار والحرب والقتال؟ هل تعتقد أنك بهذا الأمر إنما تحسن صنعًا؟ لا والله، فأنت إما مهبولٌ أضاع بوصلة الطريق، وإما أنك جاهل لا تدرك خطورة ما تغرسه في عقول هؤلاء المساكين”.

كان ذلك الشاعر منتفخًا إلى درجة الزهو فقال للرجل “هو زمن البطولات يا هذا.. إنه الوقت الذي نصنع فيه المجد، ونرسم فيه بارقة الأمل وانتظار لحظة الانتصار”.. قاطعه الرجل “البطولات والمجد والانتصار على من؟”.. صمت الشاعر فليس لديه الجواب الذي يقبله العقل فليست الحرب المزعومة سوى بين أهل وإخوة وأقارب.. لكن الرجل همس في أذنه بكلام لم يرق للشاعر “اسمع يا هذا.. تذكر حين تتحدث عن الحرب بأنك وأهلك ومن حولك تعيشون في سلام وأمان الآن.. تغادر منزلك وتعود إليه آمنًا، أما في زمن الحرب، لك أن تتخيل ذلك الدمار الذي سيحل على بيتك وعيالك وأهلك وكل من حولك.. هل فكرت وأنت تمجد الحرب في أن صاروخًا سيأتيك بغتة ليغتال أحلامك وسلامك وأمنك وتفقد الأعزاء؟”.. صمت الشاعر كأنه يتأمل متخيلًا المشهد.. ترى، أي عيش هذا؟ ولماذا اعتقد أن الحرب حينما تشتعل، سيكون هو ومن حوله في مأمن؟

وقبل أن يغادر، همس الرجل في أذنه مرة أخرى “أعلم أنك تدرك كل ذلك الخطر.. لكنها بضع دراهم نظير قصيدتك البائسة كانت تكفي لأن تتحول إلى بوق (غبي) لا يدرك نعمة العيش في أمان وسلام”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية