العدد 4004
الثلاثاء 01 أكتوبر 2019
banner
الحرب التجارية الأميركية الصينية.. بين انتظار اتفاق وصراع طويل في الآفاق
الثلاثاء 01 أكتوبر 2019

رغم امتدادها لأكثر من عام حتى الآن، ظلت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين مركز الاهتمام على الصعيد الدولي، وبقي العالم يواكب تطورات هذا الصراع التجاري ويترقب مآلاته، ظاهريا، كان يبدو أن هذه الحرب التجارية نشأت بسبب سعي الإدارة الأميركية إلى تقليص العجز التجاري الكبير مع الصين، بالإضافة إلى دفع الصين للقيام بحماية أكبر لحقوق الملكية الفردية، لكن السبب الهيكلي العميق لهذه الحرب يكمن في تحول موازين القوى الاقتصادية على الساحة الدولية، فقد أصبحت الصين أكبر مصدر في العالم منذ سنة 2009 قبل أن تحوز لقب أكبر اقتصاد في العالم لثلاث سنوات متتالية منذ 2014.

لذلك، فإن جوهر الحرب التجارية الأميركية الصينية هو أولاً وقبل كل شيء معركة من أجل نظام التجارة الدولية، وفي النهاية هو نزاع حول النظام الدولي. وبالتالي، فان التساؤل: هل سيخضع النظام الدولي في المستقبل للسيطرة التقليدية للولايات المتحدة كقوة عظمى، أم إلى الصين، كقوة ناشئة جديدة. ومن وجهة النظر هذه، تبدو الحرب التجارية بين البلدين هيكلية لا مفر منها.

وقد لمست الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى التحدي الذي يمثله الصعود المستمر للصين على الساحة الاقتصادية، ما أشعرها بالضغط المستمرعلى معدلات نموها الاقتصادي، فقد انتقل تدريجيا إطار العلاقة بين البلدين من اقتصاد مكمل إلى تنافسي، خصوصا في ما يخص قطاعات الصناعات التكنولوجية ذات القيمة المضافة العالية، ويتجلى هذا الأمر خصوصا من خلال مشروع “صنع في الصين 2025” الذي تنظر إليه الولايات المتحدة على أنه أكبر تهديد لهيمنتها الاقتصادية. وبالإضافة إلى ذلك، أحدثت المواقف والتحركات الصينية تغيرات على صعيد الحوكمة العالمية، حيث أصبحت تعددية الأطراف النمط السائد للتعاون، المعترف به من قبل عدد متزايد من الدول. ويمثل مشروع “طريق الحرير” أبرز علاماته، وهذا ما أضعف بشكل كبير الموقف المهيمن للولايات المتحدة في النظم المختلفة. وعلى المدى القصير، يعتبر الصينيون والأميركيون أكبر ضحايا هذه الحرب التجارية، لكن إذا ما استمرت هذه الحرب وازدادت، فلن يكون تأثيرها مقصورًا على الصين والولايات المتحدة.

فبسبب الحجم الاقتصادي الضخم للبلدين، ستكون هناك آثار مؤكدة لتباطؤ وتيرة الاقتصاد العالمي، لكن ذلك لم يمنع البلدين من التعبيرعن نيتهما التمادي في الصراع إلى أبعد مدى، ففي مواجهة ترامب “الأبيض” صاحب شعار “أميركا أولا”، لا تتوانى الصين بدورها عن تبني إجراءات انتقامية مماثلة، ما يجعل العالم ينقسم إلى قطبين اقتصاديين يتصارعان بإمكانيات هائلة ومتقاربة. فالحرب التجارية هي في النهاية صراع على الزعامة الاقتصادية على العالم، وبالتالي، حتى إن لم تتصاعد وتيرتها في الفترة المقبلة من خلال التوصل إلى اتفاق محتمل، فإن ذلك لن يكون إلا لأسباب مرحلية من بينها قرب الانتخابات الأميركية.

ومن أجل البحث عن أسواق بديلة، من المحتمل أن يدخل البلدان في بناء تحالفات واتفاقيات مع عدد من الدول، وأن يقوما بضغوطات على الشركاء من أجل استمالتهم في الحرب التجارية.

هذه التداعيات قد تؤدي تدريجيا إلى اندلاع حرب باردة جديدة، اقتصادية هذه المرة، ولعلها تكون حربا أشد وقعا من حرب الأفكار الآيديولوجية، قد تغير مراكز القوى الاقتصادية في العالم وتؤثر على النظام الدولي الحالي.

“هل سيخضع النظام الدولي في المستقبل للسيطرة التقليدية للولايات المتحدة كقوة عظمى، أم إلى الصين، كقوة ناشئة جديدة”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية