العدد 4021
الجمعة 18 أكتوبر 2019
banner
التجربة التونسية
الجمعة 18 أكتوبر 2019

تونس تثبت مجددًا أن تجربتها الأكثر انسجامًا مع واقع المجتمع ومراعاة لمتطلبات كل مرحلة عبر إفراز خليط متنوع غاب عنه أو كاد كل من أعطي الفرصة لإدارة شؤون البلاد ولم يرق إلى طموحات المواطنين، ولم يلب تطلعاتهم في مجابهة مختلف التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد وتقض مضاجع العباد، فكان الرد الشعبي عبر صناديق الاقتراع في استحقاق مهم تمثّل في الانتخابات الرئاسية المبكرة، والانتخابات التشريعية الثانية منذ إقرار دستور 2014.

قال التونسيون كلمتهم وجاءت مخرجات الصناديق على خلاف التوقعات إلى حد كبير؛ فبعد أن فاجأ الجميع بتصدره الجولة الأولى من السباق نحو قصر قرطاج، احتاج المرشح المستقل أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد إلى جولة ثانية ليحسم المعركة الانتخابية الرئاسية لصالحه، متقدمًا عن منافسه رجل الأعمال مرشح حزب قلب تونس نبيل القروي بفارق كبير.

وصل سعيد إلى سدة الرئاسة مدفوعًا بتأييد شعبي كبير، متحررًا من أي انتماء حزبي، ما يمنحه قدرة على الإسهام في تحقيق التقدم المنشود في إطار ما يحدده الدستور من صلاحيات ومهام لمنصبه. نتائج الانتخابات التشريعية أعادت هي الأخرى تشكيل تركيبة مجلس النواب المكوّن من 207 مقاعد، حيث سجلت جميع الأحزاب التي تصدرت المشهد السياسي خلال الخمس سنوات الأخيرة تآكلاً في قواعدها الشعبية، بنسب متفاوتة.

صحيح أن شكل الحكومة الجديدة غير واضح المعالم حتى الآن، في ظل تنوع مكونات البرلمان وعدم تمكن أي حزب من تأمين الأغلبية البرلمانية التي تتيح له تشكيل الحكومة الجديدة بأريحية دون الحاجة إلى الدخول في تحالفات وتفاهمات مع أحزاب أخرى وكتل وربما مستقلين أيضًا،غير أن ذلك يحمل جوانب إيجابية تتعلق بتوازنات ضرورية في هذه المرحلة المهمة لأن أعضاء مجلس النواب تشكيلٌ فسيفسائيٌ من جُل المكونات السياسية والفكرية، ما يجعل أحزاب المقدمة مجبرة على عمل حكومي وتشريعي توافقي جامع نافع بعيدًا عن التفرد بالقرار، يحول دون فرض رؤية أحادية في إدارة شؤون البلاد وسن تشريعاتها ومعالجة اختلالاتها.

التجربة التونسية لم تصل إلى حدّ النضج بعد، لكنها تسلك المسار الصحيح، وقد قطعت شوطًا لا بأس به؛ لكن تبقى ضمانات نجاحها الوعي الشعبي وعدم اليأس، تضاف لهما المشاركة من جميع الفاعلين في الخارطة السياسية التونسية الجديدة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .