+A
A-

مؤتمر الدبلوماسية والثقافة يدشّن أعماله في مسرح البحرين الوطني

انطلقت صباح اليوم الأحد الموافق 20 أكتوبر 2019م أعمال مؤتمر "الدبلوماسية والثقافة" وذلك في مسرح البحرين الوطني بحضور معالي الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة وزير الخارجية، معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار، سعادة الدكتورة الشيخة منيرة بنت خليفة آل خليفة المدير التنفيذي لأكاديمية محمد بن مبارك آل خليفة للدراسات الدبلوماسية، إضافة إلى تواجد عدد من الخبراء في المجال الثقافي والدبلوماسي من البحرين ودول مجلس التعاون والطلبة من الأكاديمية والإعلاميين.

وقالت سعادة الشيخة هلا بنت محمد آل خليفة مدير عام الثقافة والفنون بهيئة البحرين للثقافة والآثار في كلمة الافتتاح إن المؤتمر يشكل فرصة لجمع الشباب وتعريفهم بالثقافة كداعم للعمل الدبلوماسي ووسيلة للتواصل مع العالم، مشيرة إلى أن مملكة البحرين تمتلك من التاريخ الحضاري والمواقع التاريخية المدرجة على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو والحراك الفني والموسيقى ما يساعدها في فتح قنوات الحوار والتعاون مع الحضارات والشعوب الأخرى.

وأوضحت سعادتها أن مؤتمر الدبلوماسية والثقافة يعطي الشباب فرصة للاستماع إلى شخصيات مؤثرة وفاعلة في مجالي الثقافة والدبلوماسية، مؤكدة أن هيئة الثقافة تستثمر هذا اللقاء من أجل تعريف جيل الشباب بقصص النجاح الكثيرة في هذين المجالين الهامين. وأضافت أن المؤتمر سيصدر عنه لاحقاً كتاب يحمل تفاصيل الجلسات ويوثق ما دار فيها من نقاشات غنية وأفكار إبداعية حول الثقافة والدبلوماسية.

ويستمر المؤتمر الذي يقام بالتعاون ما بين وزارة الخارجية، هيئة البحرين للثقافة والآثار وأكاديمية محمد بن مبارك آل خليفة للدراسات الدبلوماسية ليومين، حيث يختتم أعماله يوم غد الاثنين الموافق 21 أكتوبر 2019م. ويطرح المؤتمر عدداً من القضايا المتعلقة بالدبلوماسية والثقافة عبر جلسات تشارك فيها شخصيات مؤثرة من المملكة والمنطقة.

وفي أولى جلساته التي جاءت بعنوان "الثقافة في العلاقات الدولية"، شارك في الحديث كل من معالي الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة وزير الخارجية، معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار والدكتور منير بوشناقي مستشار التراث العالمي بهيئة الثقافة، بينما أدارت الجلسة سعادة الدكتورة الشيخة منيرة بنت خليفة آل خليفة.

وفي افتتاحية الجلسة، قالت سعادة الدكتورة الشيخة منيرة بنت خليفة آل خليفة إن الثقافة والدبلوماسية وجهان لعملة واحدة، مؤكدة أنه من خلال الدبلوماسية يمكن تعزيز مكانة الهوية الوطنية ويمكن صناعة علاقات استراتيجية مع الدول الأخرى اعتماداً على جاذبية الثقافة والمخزون الحضاري.

وفي بداية مداخلته، توجّه معالي الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة بالشكر إلى معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة على تعاونها وحرصها على إقامة مؤتمر الدبلوماسية والثقافة، مؤكداً على دور معاليها في تعزيز مكانة البحرين على المستوى الدولي وعملها في الحفاظ على الإرث التاريخي والحضاري البحريني بشكل خاص والعربي بشكل عام. وأوضح معاليه أن الدبلوماسية حرفة متعددة الأوجه، وتشكّل القوة الناعمة والثقافة جانباً هاماً منها، مشيراً إلى أن الشخصية الدبلوماسية تتطلب معرفة عميقة بالثقافة الوطنية، والتي من خلالها يمكنها تمثيل الوطن بأفضل طريقة ممكنة.

وأضاف أن الإرث الحضاري والتاريخي، وما فيه من قطع أثرية أصيلة، يمكنه العمل كعنصر فاعل في العمل الدبلوماسي وبناء العلاقات ما بين الشعوب والتعريف بما تمتلكه من منجزات إنسانية، مستشهداً بأمثلة كالمسلّات الفرعونية، حجر رشيد وغيرها من القطع التي تتواجد في مدن رئيسية حول العالم، وتعرّف بحضارات بلدانها على الدوام. ونوّه معالي الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة بما تقدّمه البحرين من حراك ثقافي ساهم في الترويج للوجه الحضاري للمملكة، سواءً على مستوى العمل الأهلي أو العمل الرسمي.

من جانبها شكرت معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة معالي الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة على دعمه الدائم للثقافة وتشجيعه المستمر للعمل الثقافي في البحرين، مشيرة إلى أن الثقافة عززت مكانة المملكة على مستوى العالم، فالبحرين استطاعت بفضل دبلوماسيتها الثقافية أن تفوز برئاسة لجنة التراث العالمي مرتين على التوالي وأن تستضيف لجنة التراث العالمي عام 2018م على أرض المنامة، وأن تحظى باعترافات عالمية وأن تفوز مدنها بألقاب عواصم الثقافة والسياحة من منظمات دولية على مدى السنوات الماضية. وأضافت معاليها أن الجهود تتكاتف من كافة الأطراف في المملكة من أجل الترويج للموروث الحضاري البحريني، مؤكدة أن أجمل ما يمكن أن يروى عن الأوطان، هو حضارتها وثقافتها العريقة.

وحول قوة الفعل الثقافي في تعزيز العلاقات ما بين مملكة البحرين ودول العالم، قالت معاليها إن البحرين تمتلك علاقات قوية مع الكثير من بلدان العالم، مشيرة إلى أن المملكة تحتفل بمرور ثلاثين عاماً على العلاقات البحرينية الصينية، وتفتتح في موقع ثقافي هام في الصين مركزاً ثقافياً بحرينياً بالتعاون مع وزارة الخارجية.

بدوره قال الدكتور منير بوشناقي إن مملكة البحرين تمكّنت عبر أدواتها الثقافية أن تحظى باعتراف دولي في شتى المجالات، فالبحرين تستضيف منذ عام 2012م المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي بإشراف من منظمة اليونيسكو.

وأضاف الدكتور بوشناقي أن الثقافة يمكنها أن تكون سبيلاً من أجل تقريب وجهات النظر وتقوية العلاقات ما بين البلدان رغم اختلافاتها، مؤكداً أن المملكة وخلال استضافتها للجنة التراث العالمي تمكّنت من تقريب وجهات النظر ما بين العديد من الدول والتركيز على الجوانب الثقافية والإنسانية عوضاً عن القضايا الشائكة محل الخلافات، وهو ما يعد في صلب العمل الدبلوماسي. كذلك أشار إلى أن الثقافة والدبلوماسية تعدّان من المواضيع التي تركز عليها منظمة الأمم المتحدة، والتي أسست معهد الدبلوماسية الثقافية مؤخراً. كما أكد أن الشباب العاملين في المجال الدبلوماسي عليهم التعرف على الإطار القانوني لمنظمة الأمم المتحدة ومنظمة اليونيسكو، والذي يتمثل في العديد من الاتفاقيات التي تعالج قضايا ثقافية، كاتفاقية التراث العالمي، اتفاقية الحفاظ على التراث أثناء النزاعات المسلحة، اتفاقية حماية التراث المغمور في المياه، اتفاقية محاربة تهريب القطع الإثرية واتفاقية حماية التراث الثقافي غير المادي.

وفي ثاني جلساته، ألقى المؤتمر الضوء على سبل التواصل وأهمية انتقاء الكلمة للتواصل الفعال في الشأن الثقافي من خلال الدبلوماسية، حيث استضافت الجلسة كلّاً من سعادة الشيخة هلا بنت محمد آل خليفة مدير عام الثقافة والفنون بهيئة البحرين للثقافة والآثار، سعادة السفيرة هند مانع العتيبة مدير الاتصال الاستراتيجي بوزارة الخارجية والتعاون الدولي بدولة الإمارات العربية المتحدة وأحمد بن محمد الطويان المدير العام لمركز الاتصال والإعلام الجديد بوزارة الخارجية بالمملكة العربية السعودية، فيما أدار الجلسة الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة مدير إدارة المتاحف بهيئة البحرين للثقافة والآثار.

وفي مداخلتها، أكدت سعادة الشيخة هلا بنت محمد آل خليفة أن الثقافة جزء من المجتمع وأداة قوية في التواصل مع العالم، منوّهة أن المثقف والفنان يجب عليه الاطلاع على الخبرات العالمية في مجاله، حيث أصبح العالم اليوم قرية صغيرة يمكن بسهولة إيجاد سبل التواصل والتعرف على الآخر. وقالت سعادتها إن هيئة البحرين للثقافة والآثار تعمل حالياً على إنجاز مشروع ثقافي هام، هو مشروع نقل المعارف، الذي يقوده عالم الاجتماع العربي الدكتور الطاهر لبيب، حيث عملت معه هيئة الثقافة لترجمة كتب من مكتبات عالمية ولكتّاب ذوي إنتاج غزير في مجالات مختلفة، وذلك إلى اللغة العربية. وأضافت أن الهيئة تلقي الضوء دائماً على الكتاب كوسيلة للتواصل ما بين الشعوب وطريقة لتوثيق الإنتاج الحضاري وتعريف الآخر بالمنجزات الإنسانية. وأشارت كذلك أن الهيئة سخّرت الثقافة من أجل خدمة صورة البحرين على مستوى العالم، فخلال عام 2018م، حين الاحتفاء بالمحرّق عاصمة للثقافة الإسلامية، طرحت البحرين مقترحاً من أجل إقرار الأمم المتحدة يوماً عالمياً للفن الإسلامي.

أما السيد أحمد بن محمد الطويان، فتطرّق إلى دور الملحقيات الثقافية في سفارات الدول العربية حول العالم، مؤكداً أنه لا توجد دبلوماسية من دون ثقافة ولا ترويج ثقافي من دون دبلوماسية. وأشار إلى أن الوطن العربي بحاجة ماسة على ملحقيات ثقافية فعالة تضم المختصين في مجال العمل الثقافي، وذلك لدعم العمل الدبلوماسي العربي. وأضاف أن عمل المؤسسات الدبلوماسية التابعة لوزارات الخارجية لا يقتصر عملها على المهام الاعتيادية، بل الدبلوماسية اليوم أضحت صناعة لا يمكن أن تتحرك من دون أن تتحدث لغة العصر، وهي لغة التكنولوجيا، فنجد الآن الدبلوماسية الرقمية، الدبلوماسية الثقافية والدبلوماسية التعاونية، مشيراً أن السفارة المستقبلية لن تكون سفارة اعتيادية، بل ستكون قادرة على التواصل مع الآخر وتسويق ثقافة بلادها وستحضر في المجتمع الذي تعيش فيه بصورة أكبر.

من جانبها أشارت سعادة السفيرة هند مانع العتبية إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة تحرص على إدماج الثقافة في كافة فعالياتها ومبادراتها العالمية، مشيرة إلى أن حدث إكسبو دبي 2020 سيكون فرصة لإلقاء الضوء على ثقافات العالم، حيث وصل عدد المشاركات فيه إلى 200 مشاركة. وأضافت أن حدث الإكسبو يشكل فرصة للدول لعرض إبداعاتها في كافة المجالات وتم تخصيص ساحة رئيسية في موقع الإكسبو لعرض جميع ثقافات العالم على مدى 173 يوماً، بمعدل 60 فعالية في كل يوم. وأكدت أن الرسالة الرئيسية لإكسبو دبي 2020 تركز على تفاعل الشعوب مع بعضها البعض في تواصل إنساني مميز، فشعار الإكسبو هو: تواصل العقول وصنع المستقبل.

وحول الحركة المتحفية في دولة الإمارات العربية المتحدة، قالت سعادة السفيرة العتيبة، إن متحف اللوفر أبوظبي يمثل اليوم واحداً من أهم المتاحف في الإمارات والوطن العربي، حيث يضم بين أجنحة تعكس التعددية الثقافية العالمية. وأكدت أن المبادرات الثقافية لا تروّج لصورة الأوطان فقط، بل تعكس فكرة تقبّل الآخر والاطلاع على الثقافات المختلفة.

وفي اليوم الثاني للمؤتمر، سيكون الحضور على موعد مع جلستين، الأولى تتناول الجوانب الثقافة المختلفة للقوة الناعمة والسبتل التي تنتهجها الدول في نقل ثقافاتها وتعزيز نفوذها الدولي، بالإضافة إلى محاولة معرفة إلى أي مدى تنجح مختلف استراتيجيات القوى المرتبطة بالجوانب الثقافية، فيما ستناقش الجلسة الثانية الفنون والموسيقى والروابط المتنوعة والمحتملة بينها وبين الدبلوماسية.

ويلقي هذا الحدث الضوء على جوانب هامة من الإرث الثقافي لمملكة البحرين وانعكاساتها الدولية المتمثلة بالقوى الناعمة والدبلوماسية الثقافية البحرينية. كما ويأتي هذا المؤتمر ليؤكد على أهمية تعزيز التعاون ما بين الأكاديمية وهيئة الثقافة. كما وسيتناول المؤتمر على مدى يوميه عدداً من المحاور والموضوعات كالثقافة والعلاقات الدولية، الثقافة والقوة الناعمة، الفنون والموسيقى والدبلوماسية، والدبلوماسية وقوة الكلمة في التواصل. 

من الجدير ذكره أن الثقافة جزء لا يتجزأ من المصالح والهوية الوطنية، وهي التي غالباً ما تعبر عنها الدول من خلال الدبلوماسية، مما يجعل الثقافة والدبلوماسية موضوعين متلازمين في دراسة العلاقات الدولية وتطبيقها، وهو ما يدفع الدول لخلق علاقة وثيقة بين الثقافة والدبلوماسية. كما وشار إلى أن مملكة البحرين تمتلك من الموارد والمقومات الثقافية ما يعزز مكانتها الإقليمية والعالمية في هذا المجال.