+A
A-

نقابات السودان.. ثورة داخل ثورة ديسمبر

على مدى عدة شهور وأسابيع، تجوب الشابة قمرية عمر مدن وضواحي في العاصمة السودانية الخرطوم، وهي تنشط في لقاءات مكثفة من أجل تخليص النقابات من قبضة المؤتمر الوطني (حزب الرئيس المخلوع عمر البشير) الذي سيطر لثلاثين سنة ماضية.

وتعد قمرية عمر، وهي معلمة الرسم الهندسي في المدارس الثانوية، واحدة من أبرز قادة "تجمع المهنيين السودانيين"، وهو التجمع النقابي الذي قاد ثورة ديسمبر التي أطاحت بنظام عمر البشير في أبريل/نيسان الماضي، وكانت عضو في فريق "قوى الحرية والتغيير" الذي فاوض المجلس العسكري حتى إنجاز الوثيقة الدستورية الخاصة بالفترة الانتقالية.

جهود لاستعادة النقابات

إلى جانب قمرية التي تنشط الآن في استعادة نقابة المعلمين، هناك المئات من المتحمسين الذين يتحركون بشكل محموم لاستعادة نقابات مثل، الأطباء البيطريين، والصيادلة، والمهندسين الزراعيين، والمحامين، والنقل العام والنقل البري، والصحافيين. وتشير التقارير الإعلامية إلى أنهم قطعوا أشواطا كبيرة في استعادة نقاباتهم.

وعرف السودانيون العمل النقابي منذ وجود المستعمر الإنجليزي، حيث صدر أول قانون للعمل النقابي في 1948.

وربما يضطر قادة العمل النقابي لما بعد الإطاحة بالبشير لبذل جهود مضنية لتحقيق أهدافهم النقابية الثورية، حيث يشير ماجد محمد علي، عضو "اللجنة التمهيدية لاستعادة نقابة الصحافيين" إلى ما وصفه بـ"تشبث عناصر النظام البائد بالنقابات والاتحاد في مؤسسات الدولة والشركات الخاصة"، وقال لـ"العربية.نت" إن العمل النقابي الحالي يتسم بذات سمات الثورة التي أطاحت بنظام البشير.

وكان البشير أصدر أولى مراسيمه بعد نجاح انقلابه في 1989بحل النقابات ومصادرة ممتلكاتها، وعين لجانًا تسييرية للنقابات مكونة من أعوانه. ثم توالت القرارات والقوانين التي احتكرت له واجهات النقابات.

لكن بعد ثلاثين سنة من حكم البشير، كانت أولى قرارات المجلس العسكري الانتقالي تقضي بتجميد نشاط النقابات والاتحادات المهنية التي قامت في عهده، وتكوين لجان تسيير إلى حين انعقاد الجمعيات العمومية الخاصة بكل نقابة.

9 % من العاملين خارج التكوينات النقابية

وتشير المسوحات التي أجريت في العام 2011 إلى أن أكثر من 9%‏ من العاملين هم خارج التكوينات النقابية. ويقول الصيدلاني محمد أنور لـ"العربية.نت" إن استعادة النقابات لن يتم باستبدال عناصر النظام السابق بعناصر ثورية ووطنية فقط، إنما يمتد ليشمل العمل على الجوانب القانونية والمفاهيمية المتعلقة بالعمل النقابي.

وقال أنور إن نقابة الصيادلة تنخرط في حركة قوية بعد 30 سنة من التشويه المتعمد للنقابة والعمل النقابي.

وكانت بعض الكيانات النقابية سلمت، الأحد، مذكرة إلى وزارة العمل تطالب فيها بإلغاء قانوني (2004) (2010) واعتماد قانون (1966) الذي أجيز بعد ثورة أكتوبر 1969، إلى جانب الاستعانة بخبراء من منظمة العمل الدولية لمراجعة مشروعات قوانين النقابات المقترحة، والمصادقة على الاتفاقية رقم (87) لسنة 1948 الخاصة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي.

وتقول قمرية عمر لـ"العربية.نت" إن "ثورة النقابات الحالية" تجد سندها في البند 15 من الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية، حيث يشير البند إلى أهمية "تفكيك دولة التمكين" التي شيدها النظام السابق، وأكدت أن نقابة المعلمين تعمل في عدة مسارات لاستعادة نقابة المعلمين من قبضة عناصر النظام السابق.

هكذا ستختفي نقابات نظام البشير

وقالت إن المسار الأهم يمضي باتجاه إلغاء قانوني (2010) الخاص بنقابة المنشأة، وقانون (2004) الخاص بالاتحادات المهنية، وأضافت: "متى ألغينا هذه القوانين ستكون نقابات نظام عمر البشير قد اختفت تلقائيا".

وقال الخبير النقابي محمد علي خوجلي لـ"العربية.نت" إن تطاول أمد نظام البشير الشمولي نتج عنه وعي نقابي متدن، ما يتطلب عملا مكثفا لإزالة التشويش الذي لازمه، لكنه أكد على رغبة الموظفين والعمال الكبيرة في الانخراط بالنقابات المستقلة التي تحفظ حقوقهم.

وأكدت قمرية أن "تجمع المهنيين السودانيين" يطرح بالتعاون مع عدة جهات مسودات لمشروعات قوانين ستقدم عن طريق وزير العدل إلى مجلس السيادة الانتقالي لاعتمادها قبل بدء انعقاد "المجلس التشريعي الانتقالي" المرجأ لثلاثة أشهر.