العدد 4061
الأربعاء 27 نوفمبر 2019
banner
وَخْـزَةُ حُب د. زهرة حرم
د. زهرة حرم
أبالسة النقد!
الأربعاء 27 نوفمبر 2019

هناك بشر همّهم الأول، وشغلهم الشاغل؛ تقصي عثراتك، ومواطن ضعفك أو عيوبك! لا يمكن أن يروا فيك جانبًا مشرقًا، كمَن تغشّاهم العمى! فلا يبصرون! أو كمن عطبت ألسنتهم وجمدت؛ فما عادوا يقوون على التعبير عن محاسنك أو نقاط قوتك! لكنهم في ذمك وهجائك مغردون، مُلعلعون؛ كمن اكتشف نقيصة أو جريمة، وتصدى لكشفها، وفضحها؛ إحقاقًا للحقيقة – من وجهة أنظارهم السقيمة – ولفتا للآخرين؛ لكيلا يصيبهم غَبَش مَن ينتقدون!

فإذا سألتهم عن شيء أيًا كان؛ تراهم يجترُّون كل ما هو سلبيّ، ومع بهاراتهم التعبيرية الحارة واللاذعة؛ يجعلونك تكره المضي قُدُما فيما أنت مُقبل عليه؛ فقد قضوا على طاقتك الإيجابية المنطلقة المشرّعة، وكسّروا مجاديفها، وتركوك نادمًا؛ من سؤالهم عنها أولا، ومُحبطًا، لا نية لك سوى التوقف؛ لتستنقذ نفسك من سموم انتقاداتهم المستقبلية ثانيًا!

وَهَبْ أو افترض أنهم اُعجبوا بشيء فيك أو منك؛ تراهم يتجاوزونه إلى أمر آخر لديك؛ يتلذذون بالتقليل من شأنه، ويستمتعون ببثه على مسامع الآخرين! يشعرون ببطولة المحققين الذين تمكنوا دون سواهم من كشفه وتحليله! أما إذا صادف أنهم لم يتجاوزوه؛ عندها كنْ على يقين بأنهم سيقلبون حقيقته، ويشوّهون ملامحه؛ لأن حقدا دفينًا في بقعة ما من صدروهم غير قادرة أو عاجزة عن نفث ذرةٍ من كلام جميل، يرسم ملامح ابتسامة أو رضا على مُحياك، فأهدافهم إيذاؤك، والحط منك، والتسقيط! لا لأنهم أعداؤك، بل لأنهم – باختصار – أعداء أنفسهم! يعيشون غليانًا حاميًا؛ كلما تقدمتْ عليهم، أو شعروا بأنك محط نظر أو إعجاب!

هؤلاء تجدهم في كل مكان، بعضهم يدّعي صداقتك؛ لكنه يرميك بوابل من النقد السام في كل موقف وكلام! وبعضهم الآخر؛ تلتقيه في المحافل العامة؛ ما إنْ تتحدث؛ حتى يتصدى لك؛ كما لو كان ينتظر الإشارة؛ ليباغتك بسهامه! وفي مواقع التواصل الاجتماعي – حدّث ولا حرج – فأبطال الكيبورد الذين يتخفون وراء الأقنعة والأسماء المستعارة – في الغالب – جاهزون على الحدود، وكمَنْ أمِن العقوبة؛ تراه يُعلق بأقذع القول على ما تنشره؛ إنْ مصورًا وإنْ مكتوبًا!

ماذا نقول عن هؤلاء سوى ما قاله الشاعر: كنْ جميلا ترَ الوجود جميلا؛ فإن لم تكن جميل الداخل؛ كيف سترى جمال الآخرين!؟ إنْ كان داخلك العتمة؛ كيف ستبصر ضوءهم؟! إنْ كان نجاح الآخرين يُربك روحك ويُثقلها؛ كيف ستبارك إنجازاتهم؟! إنْ كان كل انتصار لهم إخفاقًا لديك؛ فهذا – لعَمْري – يحتاج إلى وقفات مع النفس؛ ففاقد الشيء لا يعطيه، ولن!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية