العدد 4063
الجمعة 29 نوفمبر 2019
banner
“جمرة سحرية” مدفون بخورها في أعماقنا
الجمعة 29 نوفمبر 2019

مازلت مغرما بكتابات “ألبير كامو”، وهي حالة منطقية متجانسة كل التجانس بحكم طفولتي وشبابي الذي قضيته مغمورا بكتب “الوجودية” التي كانت تزخر بها مكتبة الوالد رحمه الله، وكان معروفا بتعلقه بالفلسفة الوجودية، بل كان أول من قرأ لسارتر وسيمون دي بوفوار وكولن ويلسون والبير كامو وغيرهم، وقال لي أحد أصدقائه من الأدباء إنهم عرفوا “الوجودية” عن طريق محمد الماجد في حقبة الستينات.

في بعض الأحيان أتصور أن الخصائص التي كان يتحدث عنها “كامو” في كتبه هي نفس خصائص العالم، مجرد مأساة، مهزلة، عدم شعور بالتوازن والاعتدال ومن السهل اكتشاف البريق الخاطف الذي يكشف ناب العدو الكامن فينا، الحياة بطولها وعرضها موت وخيانة وجفاء، يكفي أن يطيش أحد الكواكب القريبة من الأرض عن مداره حتى تتحطم الأرض. قرأت لألبير كامو كثيرا وفي بعض الأوقات شعرت بالعدائية تجاه العالم، وفي نفس الوقت وبنفس الحدة شعرت بالعطف على الإنسان الذي كتب عليه أن يزحف رويدا رويدا كل يوم نحو نهايته وفنائه، فليس هناك إرشاد مجاني للموت وكل بطولات الإنسان تذهب سدى.

يقول ألبير كامو في كتابه الرائع “أسطورة سيزيف” “ولكن ماذا تعني الحياة في مثل هذا الكون؟ لا شيء في الوقت الحاضر، لكنها تعني اللا اكتراث بالنسبة للمستقبل، والرغبة في استنفاد كل ما يعطى، إن الاعتقاد بمعنى الحياة يعني دائما ميزانا من القيم، واختيارا، وهو يعني تفضيلنا، والاعتقاد باللاجدوى، طبقا لتعريفاتنا، يعلم العكس، لكن هذا يستحق أن نبحثه”.

أحيانا قد يجد الإنسان نفسه مضطرا إلى الحديث عن الكون تحت اسم الوجود، لسبب مفهوم أو سبب غامض، وأتصور أن الوجودية التي يرفضها البعض ويعتبرها حالة غريبة في الأدب، هي “جمرة سحرية” مدفون بخورها في أعماقنا، والشاطر من يشم البخور.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .