+A
A-

تحدي النص والعنوان: "اختيار العنوان يكاد يكون موهبة تضاف للكاتب"

تولد بعض النصوص جاهزة ، بعناوينها . وتكتب نصوص أخرى حتى النهاية من دون أن تحظى باسم ، ويظل الكاتب حينا من الزمن بعد انهاءها يتساءل ماذا يسميها   هناك نصوص نشرع في كتابتها دون أن نسأل عن العنوان ، فنتعثر به فجأة بينما نحن منهمكون بالعمل عليها  وهناك عناوين تهبط علينا كالوحي ، ترن كلماتها في أذهاننا ومنها ننطلق بمشروعنا الجديد ، وقد نجد أنفسنا بعد حين من الاستغراق في كتابتها ابتعدنا كثيرا بالمضمون عما أردناه من العنوان ، فنضطر - آسفين - للتضحية به  وقد يحالفنا الحظ ويبقى العنوان الذي بدأنا به ملائما للنص حتى النهاية  أو قد يحالفنا الحظ أكثر ، فتضيء في أذهاننا عناوين أفضل. 

واختيار العنوان ليس بالأمر السهل ، فأنت مشغول بالعنوان طوال وقت انشغالك بكتابة النص : تقيّم صلاحيته ومدى توافقه مع المضمون ، ومدى جاذبيته للجمهور ... تريده موحيا بما في الكتاب من دون أن يكون مباشرا  ومختزلا للنص دون أن يغني عنه . وقريبا من حياة الناس ، من فكرهم وذوقهم ، من دون أن يكون مستهلكا . وقد تحتاجه أحيانا أن يكون صادما دون أن يكون مبتذلا  وإلى جانب كل ذلك ، تريد دائما أن يكون لقراءته ايقاع داخلي مؤثر لأنك تريده عنوانا يجعل كتابك يجد طريقه إلى الناس

ولكن ما أظن أن لا كاتب يريده ، هو أن يتفوق العنوان على النص  ... نعم ، فبالنسبة للقارئ ، العنوان في تنافس دائم مع النص ، ومن المحبط له أن يتبين أن النص أقل جودة مما أوحى به عنوانه  في حين أنه - وعلى النقيض من ذلك - لو قرأ كتابا بعنوان عادي وتفاجئ بنص يبهره ، سيفرح ويشعر بالرضا  وقد يشعر أيضا بالاستفزاز لأن الكتاب قد " ظلمه اسمه " ، ولكنه سيدرك على الفور بأن الأفضل هو أن ينتصر النص على العنوان وليس العكس  فإذا لم يمكننا أن نجعل كليهما في مستوى واحد ، فالنص اذن هو الأهم  أو .. لو أننا أردنا عن قصد أن " نخدع " القارئ بعنوان غير لافت وندخر له مفاجأة في مضمون النص ، حينها سيكون اختيار العنوان البسيط موظفا في سبيل ذلك الهدف.

لذا فاختيار العنوان يكاد يكون موهبة تضاف لموهبة الكاتب ، ينبغي لها أن تخدم هدفه الأساسي من طرح الكتاب ، وينبغي له أن يترك فيها شيئا من لمسته الخاصة وذوقه الشخصي . وقد يجوز اعتبارها موهبة " مستقلة " ، كونها على الأرجح خاضعة لظروف " الالهام " أكثر من الاشتغال ( بعكس كتابة النص الخاضعة أكثر للاشتغال ) فقد يوفق كاتب في اختيار عنوان أحد كتبه ولا يوفق بالقدر ذاته مع كتاب آخر.

هو تحد صعب  والشعور بأن عنوان الكتاب يملك يدا في نجاحه ، أو على الأقل يزيد من فرصة اقبال الناس عليه ، يزيد من حيرة الكاتب وتردده في وضع العنوان  ولكن أسوأ ما قد يحدث .. هو أن يُلهَم الكاتب العنوان الأنسب ، بعد أن يكون الكتاب قد صدر بالفعل.