العدد 4096
الأربعاء 01 يناير 2020
banner
وَخْـزَةُ حُب د. زهرة حرم
د. زهرة حرم
“خلّ ذكاءك ينفعك”!
الأربعاء 01 يناير 2020

تعالوا معي نرجع إلى ذاكرتنا البسيطة حول تعريف الذكاء، والتي تعود إلى فترة طفولتنا في المدارس غالبًا؛ فنحن كنا ننظر إلى المتفوقين دراسيًا؛ بوصفهم أبطال الذكاء، وعباقرة لا قدرة لنا على مجاراتهم! ويعزز هذا المعنى نظرةُ آبائنا نحوهم؛ فعلينا أن “نماشيهم”؛ أي نحرص على صداقتهم، ومجاورتهم، والتمسك بهم! فهُم غنائم هذا الزمان ساقها الله لنا؛ لنتعلم منهم، ونحذوا حذوهم، ونقلّدهم! علّ وعسى أن يصيبونا بعدوى ذكائهم، ويا لها من عدوى!

فإنْ كنتَ واحدًا من الطلاب المتفوقين في المراحل التعليمية الأولى؛ فاعلم أنك – كنتَ حينها - بين أقرانك، بل بين مدرسيك، والمجتمع بأسره؛ عبقري زمانك! ألم ترَ كيف احتفوا بك، وأقاموا لك الاحتفالات، وقلّدوك الأوسمة والشهادات؟ ولو حصل وتدنّت درجاتك العلمية أو انخفضت لأسباب أو لأخرى، وخَرجتَ من قائمة المتفوقين، في المراحل التالية؛ اِعلمْ أن كل هؤلاء سينظرون إليك من زاوية واحدة هي: عدم قدرة عقلك على استيعاب المعلومات الجديدة الأكثر تعقيدا، وأن ذكاءك ليس بالمستوى المطلوب! وسرعان ما تحيدُ الأنظار عنك، وتتوجه الكاميرات لغيرك! هناك خط رفيع بين التفوق الدراسي والذكاء، لا تلتفت إليه الغالبية منا؛ فنحن نفترض أن التفوق يسير في خطٍ مُوازٍ للذكاء، وأنه علامة بارزة لا تقبل التشكيك على ذكاء الشخص؛ فنوّلد الأحكام على الآخرين - ومنهم أبناؤنا - بناءً على هذا التصور! وفي ذلك مغالطة يجب الوقوف عندها وتصحيحها، فلا العلامات النهائية دليل ذكاء، ولا تدنيّ الدرجات برهان تأخر عقلي! التفوق مرهون بصفة (لازمة وضرورية)، ليست هي الذكاء؛ فهو موجود في كل الأحوال بدرجة أو بأخرى، زاد أو قَصُر! التفوق حصيلةٌ أو نتيجةٌ لعاملٍ مهمٍ للغاية هو (الاهتمام)!

يُعلمنا الانتقال بين المراحل التعليمية أو الدراسية، مفهومًا أكثر نُضجًا عن الذكاء، وأنواعه؛ الفطري منه والمكتسب! وعبر السنوات، نتعلم أن الذكاء كامنٌ في استثمار الفرص، والتمسك بها، والتركيز عليها، وتوجيه مزيدٍ من الاهتمام بها، ومن ثم؛ التفوق! ولذلك فالتفوق هو الوجه الآخر للاهتمام، بل (إرادة الاهتمام)؛ فإن كنت مهتمًا بما يكفي؛ فأنت متفوق كما يجب! أما مستوى ذكائك فهذا شأن آخر!

لو قُدّر لنا أن نكشف عن مستويات أو مؤشرات الذكاء لدينا؛ لأصابنا العجب؛ فبعض من يمسح “الأرضيات” ربما أرفع ذكاءً! لكن! ما نفع ذكاءٍ من دون تشغيل! وما نفع عقل ليس لصاحبه الرغبة والإرادة المطلوبة لاستثمار طاقاته؟ تُعلمنا هذه الحياة أن التفوق في الاهتمام، وأن الإهمال عدو الذكاء، والذكيّ الحقيقيّ – اليوم - هو من يهتم!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .