العدد 4098
الجمعة 03 يناير 2020
banner
انتهاك إنسانية الإنسان
الجمعة 03 يناير 2020

كنا منذ سنوات نقول إن مفهوم السيادة وسيطرة الدولة على حدودها وسماواتها قد تغير بسبب تكنولوجيا الاتصال الحديثة التي قهرت الحدود وقهرت السيادة وجعلت مفهومها يحتاج إلى إعادة صياغة، لكن في أيامنا هذه لم تعد حدود الدول وسماواتها هي التي تخترق فقط، لكن أصبح الإنسان الفرد نفسه موضوع اختراق وانتهاك لخصوصيته وآدميته بشكل يجعله مثل الروبوت. لا يكاد يمر يوم إلا وتأتينا رسالة أو أكثر على هواتفنا تحذرنا من أن حساباتنا مخترقة وأنه تم أخذ بياناتنا الموجودة على هذه الحسابات لكي تقوم شركات معينة ببيعها لشركات أخرى أو هيئات أو أجهزة معينة من أجل الاستفادة منها فيما يفيد هذه الأجهزة في زاوية من الزوايا، فقد تكون هذه الفائدة اقتصادية أو سياسية أو أمنية.

ونحن حتى هنا لا نلوم إلا أنفسنا، فنحن الذين نقوم بوضع كل أسرارنا وكل تفاصيل حياتنا اليومية وكل الأشياء التي نحبها والتي نكرهها على شبكة الإنترنت من خلال وجودنا على وسائل التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص، لا نلوم إلا أنفسنا طالما أننا نساهم بعلم أو جهل في عملية تدمير خصوصيتنا بأنفسنا. لكن الطامة الكبرى أن يصبح الإنسان مرغما على فقدان خصوصيته وإنسانيته، وإذا لم يفعل سيفقد مصدر رزقه الذي يعيش منه، فقد ابتكرت شركة أميركية نظاما حديثا لمراقبة الموظفين أثناء عملهم وذلك من خلال بطاقة صغيرة تعلق في رقبة كل موظف كجهاز إرسال يقوم بنقل كل حركاته وسكناته منذ دخوله إلى العمل، سواء وهو جالس على مكتبه أو وهو يتواصل مع أي زميل أو زميلة.

وتقول هذه الشركة إنه يتم تجميع المعلومات مع بعض البيانات من على البريد الإلكتروني، ونقوم بتحليلها لتكوين صورة كاملة عن الموظف وسلوكه وكيفية قضائه وقت العمل، وتحتفظ الشركة لنفسها بهذه التفاصيل لتطلع أصحاب العمل فقط على هذه المعلومات، وتقوم الشركة التي تقوم ببيع هذه التكنولوجيا بالترويج لبضاعتها بالقول إنه لا سبيل للانزعاج، فالهدف من ذلك زيادة الإنتاجية، وإن مئات الشركات حول العالم قامت بشراء هذا النظام.

فما الذي بقي من إنسانية الإنسان في ظل هذه التكنولوجيا المرعبة؟ ماذا بقي بعد أن انتهك جسده وعقله وذاكرته وأصبح بمثابة روبوت يقوم بتأدية عمله دون أدنى شعور أو علاقات اجتماعية مع غيره؟.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية