العدد 4101
الإثنين 06 يناير 2020
banner
المثقف العربي ومعادلة الاضطراب الفكري (1)
الإثنين 06 يناير 2020

لم تكُن مُعادَلة الاضطراب الفكري واضحة أمام المثقّف العربي، ولا هي مُتناثِرة بين عناصر المجالات الحياتيّة، إلا بعد سقوط القبعة من على رأس جعبة الأفكار وامتدادها الاجتماعي.

يقف مثقّف أمّة الضّاد أمام واقعٍ ضبابيّ، وأمام حِقَب مضت بعناوين كثيرة حُملت على سفينةٍ تلاطمها الأمواج، بغضّ النّظر عن المكان الذي ترسو فيه؛ إلّا أنّ سخونة الأجواء السياسيّة عصفت بشراعها، ليصبح المثقّف أسير واقعه وماضيه، باحثاً عن معادلة نقد الذّات والواقع والتاريخ. حالة الجمود التي وصلت إليها طبقة المثقّفين العرب أرخَت بظلالها على الشارع العربي جرّاء التغنّي بتجارب الحراك العالَمي وعلى رأسه الثورة الفرنسية.

الفصام الثقافي الذي وصل إليه العديد من أفراد تلك الطبقة أدّى إلى ازدواجية الرؤية تجاه الثورات العالمية، قياساً، وأضاف إلى الشارع حالة مُبهَمة ضبابية عَصفت بالفكر العربي إلى الهاوية؛ لأنّ من طبيعة التشكّل الاجتماعي، أنّ لكلّ مجتمع خصائصه وثقافته المحدّدة، فالعِلم يمكن الحصول عليه من أيّ مكان، أمّا الثقافة فلها خصوصيات، وأهل مكّة أدرى بشعابها.

الثورة الفرنسية لها ظروفها وثقافتها المجتمعيّة، والحراك العربي له ظروفه وثقافته، والمقاربة بين الحالتَين سذاجة كبيرة واستهانة بالعقول، ويجب معرفة أنّ الغرب عندما كان يتحرّر، كان يُصدِّر مشكلاته إلى خارج حدوده الإقليمية، بعكس الحالة العربية، التي أصبحت تستورد كلّ مشكلات الدّول المحيطة والعالمية، لدرجة أنّها تحوّلت من قضية راسخة إلى مسألة تنتظر الحلول كافّة.

التجارب التي عَصفَت بالمثقّف العربي كثيرة ومتنوّعة، فـ “مثقّف” اليسار والاشتراكية والشيوعية ينادي بشعارات هُزمت في موطنها الأصلي، فتلك التجارب بعيدة كلّ البعد عن ثقافة التجربة العربية، سلوكاً، وتوجّهاً ومضموناً.

والمثقّف الإسلامي يتبنى شعارات يُختلف عليها بين الراديكالية والسلفية والدعوية، حتى مَن يُنادون بالتجربة الأردوغانية، ينبذون شعار القومية في بلدانهم، مع العلم أنّ الجمهورية التركية بُنيت على أساس هذا الشعار ومازالت متمسكة به حتّى الآن.

أمّا مثقف القومية العربية، فيقرأ الواقع العربي وفقاً للفصل بين متطلّبات القومية، ويحاول بناء تاريخ فوق التاريخ، مُتجاهِلاً التاريخ المشترك، وتجاربه التي توجز الكثير من مستقبل مُبهَم يتطلّع إليه.

كذلك المثقّف الليبرالي، يتبنّى أفكاراً مُستنسَخة عن المجتمعات الغربية، التي لا تتواءم حتّى الآن وثقافة المنطقة العربية، ناهيك بالمثقّف الديمقراطي، الذي يعتقد أنّ الديمقراطية عصا سحرية تُلائِم المجتمعات كافّة والقائمة طويلة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية