العدد 4103
الأربعاء 08 يناير 2020
banner
وَخْـزَةُ حُب د. زهرة حرم
د. زهرة حرم
من الفضول... إلى الفضيحة!
الأربعاء 08 يناير 2020

لا عجب أن الإنسان كائن فضولي بطبعه؛ يقرأ، يسافر، يتحرك – في المجمل – للبحث عن الجديد، واللافت؛ مما يعود عليه بمنفعة أو معرفة أو خبرة، لذلك؛ فالفضول المعتدل صفة محمودة، بل مطلوبة؛ إذا ما أراد هذا الإنسان أن يمارس دوره الحقيقي؛ كفرد في مجتمع، يؤثر ويتأثر في الوقت نفسه! ولو لم يكن هذا الفضول موجودا لدينا؛ لتوقفت تفاعلاتنا وأنشطتنا مع الآخرين، ولأصابنا الفتور، وانطأفت (مُحركات بحثنا)، وضعُفت دافعيتنا تجاه الأشياء والأشخاص.

بهذا المعنى يكون الفضول هو المثير الشرطي، والمحفِّز الطبيعي لسلوكياتنا، وممارساتنا، وتحركاتنا، غير أن أهمية وجوده لا تعني (تفـلُّته) من عقاله، يحتاج هذا الفضول إلى عملية ضبط بسيطة، تمنعه من تجاوز حدوده؛ لكيلا يتحول إلى تلصص أو مراقبة للآخرين؛ لا يتعارض مع حرياتهم فقط، بل مع حرية المتلصص ذاته؛ إذْ يُقيد مصالحه ويُعطِّل أعماله؛ في سبيل ألاّ يَغيب عنه تفصيلٌ واحد من حياة هؤلاء الذين قتلوه فضولًا، وشغلوه عن نفسه.

يبقى المراقبون الفضوليون أهون حالا من أصحاب الفضائح – موضوع مقالنا – الذين يتأبطهم الشيطان أينما حلّوا؛ مِن الذين لا ينفكُّون يقضون حياتهم في تقفَّي عيوب الآخرين، ورصدها، ثم نشرها، وتوزيعها! مِمن يشعرون بانتصار المحارب؛ حين يكشفون سرًا؛ تترتب عليه نتائج كارثية في المجتمع، مثل تشويه السمعة، والطرد، والنفي، والنبذ، والخسارة، والإفلاس... ولاسيما حين يتعلق الأمر بشخصية مشهورة أو جهة معروفة! فما قصتهم؟ ولماذا يميلون نحو فضح المستور؟

لاشك أنهم ينتمون – من وجهة نظري وشاركوني آراءكم - إلى فئتين: الأولى فئة الفضوليين السلبيين؛ من الذين لا تهمهم الفضائل والمحاسن والمآثر، بل العكس تمامًا؛ فهم ينبشون المساوئ والمثالب، ثم يشيعونها؛ ليحققوا لأنفسهم السقيمة إحساس الاكتمال، والتفوق على المفضوح، خصوصًا إِنْ كانَ صاحبَ صِيت ورفعة بين الناس؛ أيَا كان مجاله. هذه الفئة تعاني من عُقد نقص كامنة، تعمل على إشباع نفسها بإشاعة الفضائح وإيذاء الآخرين، والتنغيص عليهم!

أما الفئة الأخرى، وهي الأسوأ؛ تلك التي تعمل لأغراضها الخاصة، وبقصد، وبسابق نية، وتدبيرٍ وتخطيط! تنتظر المكان والزمان اللازمين؛ لتنشر خبر الفضيحة، كمن وقّت صاروخًا؛ ففجره! هؤلاء مجرمون حقيقيون، لا تبرير لتصرفاتهم؛ سوى الجريمة نفسها، التي يستحقون جرّاءها أشد العقاب! فماذا عنا نحن؟ وكيف نتلقى الفضائح؟!

الحقيقة أن غالبيتنا ميالون إلى أخبار الفضائح! كمن يبحث عن إثارة تُحرّك أيامه الروتينية الرتيبة! في الفضيحة تجديد، ودهشة، وأحيانا متعة يُحدثها تناقل حيثياتها، وكيفياتها! فإنْ كان ثمة بُهار أو نكهة تزيد من غرابتها؛ فإنها ستكون أسهل طرقنا في الترفيه والتسلية! وما أندر من بلغته – منا - فضيحة فسترها، أليس ذلك كذلك؟!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .