+A
A-

"البلاد" تعيد نشر حوارها مع معمر الزلاق "أبونا الغتم": الدواسر استوطنوا جزر حوار ولهم بيوت فيها

نساء الزلاق خضن الماء لرقابهن في سنة "الطبعة"

أول مدرسة بالزلاق تابعة لشركة بابكو والمبنى بيت مستأجر

الكهرباء دخلت القرية في صيف 1959

توفي قبل أيام ابراهيم بن سلمان بن أحمد الغتم. ويعتبر الفقيد من رجالات وأعيان الزلاق. ويحظى بمحبة وتقدير من كبار رجال العائلة المالكة وأهل البحرين.

وحظيت "البلاد" بإجراء حوار مع الفقيد قبل وفاته. وتعيد الصحيفة نشر الحوار وذكرياته الممتعة التي تمثل جانبا مضيئا من تاريخ البحرين الجميل:

نص الحوار

أكبر معمر في قرية الزلاق تجاوز المئة يحدث البلاد عن ماضي الزلاق وجزر حوار وتاريخ القرية وأهلها وشخصياتها وعلاقتها بالقرى الأخرى، “أبونا إبراهيم” هو الاسم الذي يناديه به جميع الأهالي في قرية الزلاق، هو الحاج إبراهيم سلمان الغتم المولود في ال26 من رجب 1334 هجرية، هو أكبر إخوته الأربعة وأحد توأمين توفوا جميعهم وله خمسة أولاد وثلاثون من الأحفاد، عاش حياة صباه وشبابه بين الزلاق وجزر حوار. بقلبه الكبير وصحته الجيدة، يستقبل الحاج إبراهيم أهالي الزلاق في مجلسه عصر كل يوم، فهو الأب الذي يلم شمل عياله وأهل قريته، للشعر نصيب وافر في أحاديثه، ويحفظ القديم والحديث، وتلك التي لم يصلنا منها شي لا تزال تسكن ذاكرته. ما يزال الوالد إبراهيم يحتفظ بتاريخ القرية ويذكر تفاصيلها، وبسؤاله عن ماضي القرية أو تاريخ البحرين يجيب بتفاصيل الأحداث وتسلسلها وشخصياتها وتواريخها الهجرية والميلادية.

الدواسر أشهر القبائل

في حديثنا مع الحاج إبراهيم يأخذنا بجولة في تاريخ الزلاق يصف الحاج إبراهيم قرية الزلاق بأنها آخر قرية على الساحل الغربي ولا يحدها من الجنوب إلا مزارع الوسمية، ولم تكن بهذا الاتساع فالزلاق لم تكن إلا بيوتا معدودة تسكنها قبائل معروفة أشهرها الدواسر، وهم الجزء الأكبر من القرية، وهناك الغتم والكعبي والمريخي والمطوع والمطاوعة والزعوب والعلي والتنيب والذوادي.

الحياة في الزلاق قبل أكثر من90 عاما لم تكن بالسهلة، كانت صعبة جدا والأهالي عانوا كثيرا من الفقر والحاجة وقلة الأعمال فاقتصروا على مهنتي الغوص وصيد الأسماك، وبعضهم كان يعمل برفقة الشيوخ والحكام.

الزلاق مجتمع مترابط ولا يزال، أما العلاقات الاجتماعية هي ذاتها منذ قرن، فالزلاق بوصف الحاج إبراهيم مجتمع مترابط ومتلاحم فريد ويتمتع بهذه الميزة دون غيره، وهذا ما كان ظاهرا في المناسبات الاجتماعية كالاستعداد لزواج، حيث يتعاون الجميع في تجهيز فرشة الزواج يتقديم المرايا والأثاث من جميع الأهالي، وكذلك في التعاون في صيد الأسماك وهي ما يسمى ب(المجورف)، حيث يتعاون عدد من الأهالي في صيد السمك على الساحل، ثم توزيع الصيد على المشاركين في الصيد.

من تاريخ الزلاق

يأخذنا الحاج إبراهيم بجولة في تاريخ الزلاق، وتلك الأحداث التي عاصرها هو وشهدها ما تزال حية في ذاكرته..

سنة الطبعة

من الأحداث التي لا تزال عالقة في ذاكرة الحاج إبراهيم هي سنة الطبعة (وهو العام الذي غرقت فيه سفن غوص إثر عاصفة في مياه الخليج)، كان لمحدثنا وقتها سبع سنوات ويذكرها جيدا فتحديدا العام 1341 - هجرية وفيها غرقت فيها الكثير من (المحامل) وسفن الغوص، وتعرضت الزلاق للكثير من الخسائر في الأرواح وعاشت عام حزن وكدر.

أما مشهد النساء الفزعات الخائفات على أهاليهن ما زال يذكره وكأنه يشاهده اليوم... فالنساء المنتظرات على الساحل يبادرن إلى دخول البحر لتلقي السفن العائدة من الغوص ويخضن الماء حتى يصل إلى رقابهن يسألن عن أزواجهن وأبنائهن الذين انقطت أخبارهم.

الهجرة إلى حوار

يستذكر الحاج إبراهيم جزر حوار باعتبارها الوطن الثاني، وهي الجزيرة التي يعشقها الجميع صغارا وكبارا، يقول إن الأهالي يقبلون عشقا تراب حوار التي كانوا يسكنونها أكثر من ستة أشهر من كل عام، فهم يغادرونها على أبواب الشتاء ويستعينون على الحياة بصيد الأسماك، ففي حوار (حظور) ومصائد للسمك. ويعود أهل الزلاق للقرية صيفا لبيوت السعف، بينما يغادر من يعمل في الغوص للبحر طيلة أشهر الصيف.

في حوار يستوطن أهل الزلاق خصوصا الدواسر ويذكر منهم كبير القرية وأشهر تجارها أحمد بن محمد بن شاهين وهو كبير الدواسر من الميسورين ومن يملكون ثروة كان يقصد جزيرة حوار وله بيوت فيها. حوار كما يصفها الحاج إبراهيم هي جزءان، الشمالية والجنوبية، وكلاهما تحوي بيوت الحجارة التي تأوي الناس من برد الشتاء، ولم تتوقف هذه الهجرة كل عام إلا بعد توقف مهنة الغوص كليا في القرية واتجاه الغالبية إلى العمل في شركة بابكو.

يحتفظ الحاج إبراهيم بحجر من بيت والده سلمان بالجزء الشمالي من حوار طيلة هذه السنوات من العمر، لعشقه لتلك الحياة التي قضاها في تلك الجزيرة، فحوار في القلب وفي الذاكرة لا يمكن أن تزول.

عين “عنقة”

يعرج بنا الحاج إبراهيم إلى نمط الحياة في الزلاق، فيصف لنا صعوبة الحياة ومشقتها، فالحصول على الماء على سبيل المثال أمر غاية في الصعوبة، حيث إن عين “عنقة” هي العين الوحيدة التي كان يقصدها الأهالي وهي بعيدة عن القرية وتقع في شرقها، وكان الناس يتكبدون المشقة من أجل الوصول إلى العين للتزود بالماء ثم نقله إلى البيوت، أما أجر نقل الماء كان بين (الروبية والثلاث روبيات) في الشهر.

يذكر الغتم أمر الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة بحفر عين ارتوازية أقرب إلى مساكن الأهالي وتقع بالقرب من مدرسة البنين الحالية، وهو ما خفف عناء جلب الماء من عين عنقة وسهّل حياة الناس.

التعليم في الزلاق

التعليم في الزلاق كان مقتصرا على تعليم القرآن الكريم، ويقبل عليه غالبية الأولاد وقلة من الفتيات، واستمر هذا الوضع على هذا الحال حتى افتتاح أول مدرسة في الزلاق، وكانت تابعة لشركة بابكو التي أعطتها الحكومة، أما عن مبنى هذه المدرسة فكان بيتا مستأجرا لأحد الأهالي.

دخل التعليم الحكومي للأولاد في الزلاق بداية الستينات وسبق تعليم الأولاد تعليم البنات بسبع سنوات، ولم يكن تقبّل المدارس في الزلاق بالأمر السهل، غير أن أمرا من الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة بفتح مدرسة وبطلب من الشيخ يوسف الصديقي سهّل تقبل المجتمع للتعليم، لم يدخل الحاج إبراهيم المدرسة، فهو قد تجاوز الأربعين حينها، وابنه راشد من أوائل الذين ارتادوا المدرسة الحكومية في القرية.

الكهرباء في الزلاق

قضى الحاج إبراهيم 45 عاما من حياته قبل وصول الكهرباء إلى قريته، ويذكر جيدا فرحة الناس صيف 1959م بدخول الكهرباء لمنازلهم، ففرحة الناس بعد تشغيل المراوح في ذلك الحر الشديد جعلت بعضهم يردد “برد الله على قلبك يا شكر” واستمر تناقل هذه العبارة فترة طويلة وكانوا يقصدون إبراهيم الشكر وهو من أهل المنامة، الذي أشرف على توصيل الكهرباء للقرية.