العدد 4117
الأربعاء 22 يناير 2020
banner
وَخْـزَةُ حُب د. زهرة حرم
د. زهرة حرم
الذاكرة... تتآكل!
الأربعاء 22 يناير 2020

هذا الإنسان الذي يمر بعشرات الأحداث يوميًا، من السهل أن ينسى الكثير منها، خصوصًا إذا كانت غير ذات أهمية بالنسبة إليه، هذه حقيقة تُرجعنا إلى موضوع الاهتمام مرة أخرى؛ فكل عملية اهتمام، تعني تركيزا، والتركيز يعمل على جعل الدماغ يُرسخ معلومة ما أو حدثًا أطول مدة ممكنة، وكلما كان المرء منَّا شغوفًا بالشيء؛ قويت ذاكرته حوله، وأصبح غير قابل للنسيان.

يعني هذا – من وجهة نظرنا – أننا قد نكون سببًا؛ لضعف ذاكرتنا تجاه بعض الأحداث، ألا ترون أننا كثيرا ما نعمد إلى عدم تذكّر ما يُزعجنا أو يؤلمنا؛ حين نرفض الحديث عنه، أو النظر إلى الصور المتعلقة به، والابتعاد عن كل ما يتصل به من الأماكن والأشخاص، وكأننا نُمرّن أدمغتنا على نسيانه، وتحويله إلى بقعة سوداء معتمة، غير قابلة للنظر أو الاسترجاع، وكيف نسترجعها أصلا؛ ونحن نرفضها، ونستميت في الابتعاد عن مؤثراتها!

هذا يؤكد المقولة الشهيرة “إن الأعضاء تقوى وتنشط بالاستخدام، وتضمر وتذوي بالإهمال”! وما دمنا نُهمل، بل نُدرّب ذاكرتنا على الإهمال؛ فلا عجب أن النتيجة المنطقية الحاصلة هي الضعف والفتور! ومن هنا نُدرك أن تحسين الذاكرة أمرٌ مرهونٌ بالاهتمام بما يُراد تذكره، إِنْ بتكرارِه أو كتابتِه أو الإلحاح على مضامينه، بصورة أو بأخرى؛ ليبقى أثره متوهجًا، قارَّا، ثابتًا في عقولنا، وقابلا للاستذكار والاستحضار أي وقت نشاء.

أمر خطير آخر قد يُحدث إرباكًا للذاكرة، ويجعل منها ضعيفة واهنة، أو متعكزة على الآخرين؛ لاستعادة أحداث ما؛ هو الاختناق المروريّ لكثير من المهام والمسائل والأفكار التي نحاول جاهدين إدخالها عقولنا عُنوة، ونرغب في أن نستعيدها ببساطة؛ فنُفاجأ أننا غير قادرين؛ إذْ ننساها تمامًا، ويرافق هذه الحالة فقدان التركيز على أمور حياتية بسيطة؛ فيتملّكنا الإحباط، وتصيبنا الدهشة من أمرنا! لماذا ننسى؟ سؤال لو فتنشنا في حيثياته، وتأكدنا من عدم وجود خلل طبي قد يكون خلفه؛ سيحيلنا إلى واقع الفوضى في حياتنا؛ فوضى الأشياء، وغياب الترتيب، وتشعُّب ما نسميه بالاهتمامات، التي هي في الغالب (إهمالات) لو جاز لنا التعبير؛ لأن الاهتمام تركيز لا تشتيت، وتعميق لا تسطيح، وتوحيد لا تكثير، وتنويع لا تحشيد! الاهتمام يعني تسليط حواسك ووعيك نحو ما تريد؛ فيأتي إليك طوعًا كلما احتجته، وينقاد إليك في سلاسة.

نحن - شبابًا وكهولا - مصابون في ذاكرتنا هذه الأيام، والمحظوظ فينا من حظي بذاكرة حديدية لا تغيّرها حوادث الدهر، ولا تزاحمها المسؤوليات، والواجبات، ولا عزاء لنا إلا بتصفية عقولنا، وتهدئة بالنا، وإعادة تنظيم حياتنا، ورمي الأحمال الزائدة، حينها؛ ستفقز إلينا الذكريات، تترى، واحدة بعد الأخرى.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .