+A
A-

مهرجان الأفلام القصيرة في سويسرا يحتفي بالمومياوات النحتية

بمجموعة من المومياوات النحتية التي تنتمي إلى النحت الحركي في إيقاعها السلس وتكويناتها البسيطة، يشارك الفنان التشكيلي المصري جمال مليكة مؤسس بينالي شرم الشيخ الدولي في مهرجان الأفلام القصيرة الذي تستضيفه مدينه لوجانو بسويسرا في الفترة من 19 إلى 27 أبريل (نيسان) المقبل، بدعوة خاصة حملها إليه المخرج العالمي دراجو ستيفانوفيك، مؤسس ورئيس المهرجان، بعد أن وقع اختيار إدارة المهرجان لأعماله النحتية كرمز لتيمة المهرجان (البيئة والاستدامة المناخية) التي ستستخدم «مانيفستو» للمهرجان في دورته التاسعة.

تعكس منحوتات مليكة بصرحها الحركي المرن وخاماتها المستقاة من القوام الإنساني خبرة طويلة مع فن النحت؛ فهي منحوتات مفرّغة صنعت في الغالب الأعم من بقايا أسلاك وخيوط وعجائن بيضاء مشرّبة بمسحة رمادية خفيفة من الألوان والغراء، توحي بلفائف الكتان التي كانت تستخدم في عملية التحنيط ووضع المومياء في التابوت عند قدماء المصريين، وحرص مليكة في معماريتها على جعل الفراغ نافذة مرئية متعددة الزوايا، تنتظم إيقاع الهيكل المجسم في علاقة جدلية وحسية معاً، وتمنح الشكل حيوية بصرية مثيرة، بطابعها الحلمي المغوي، وبساطتها المفتوحة على الداخل والخارج، على الحياة وما بعدها، حيث تبدو المنحوتات وكأنّها تستند على جدار زمن ماض، لا تزال رواسبه حية ممتدة في الزمان والمكان. وهذا ما يسعى إليه مليكة من خلال مغامرته الدائمة، واللعب على جماليات الأثر؛ بحثاً عن حلول جديدة لإثراء الخامة وكسر نمطية الرؤية، في فضاء بصري ينهض على الموازنة بين رؤيته الشخصية والتعبير عنها في الواقع المعيش، وهو ما يتبدى في معظم أعماله، وعلى نحو خاص في هذه المنحوتات التي عرض نماذج منها في معرض خاص بمتحف الجزيرة بالقاهرة افتتحه الفنان فاروق حسني وزير الثقافة المصري الأسبق عام 2010.

صقل مليكة (66 سنة) هذه الخبرة في سنوات مبكرة من حياته، فبجانب دراسته الأكاديمية التي أهّلته للعمل أستاذاً لفن التصوير في جامعة ميلانو بإيطاليا حصل معلي شهادة دكتوراه أخرى في فن رسم المشاهد المسرحية والتلفزيونية والـ«مولتي ميديا»، كما عمل لفترة بالمسرح الغنائي الصغير في مدينة ميلانو بحسب الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من إقامته شبه الدائمة في إيطاليا، فإن عينه مشدودة دائماً إلى التراث الفرعوني، وتراث الشرق العريق وجماله الساحر، فمنذ الطفولة انطبعت في ذاكرته صورة الأهرامات وتمثال أبو الهول، وشكلت البئر الأولى لرموزه وعلاماته الفنية، وعالمه الخاص المسكون بالجمال والحرية والمحبة والسلام؛ فلا يزال أبو الهول حارس الزمن والشمس بتمثاله الضخم على هيئة جسد أسد ورأس إنسان يشكل أيقونة مليكة الفنية، ونقطة حنينه الدافق إلى هذه البئر، فيروي أنه كان يجلس تحت ظلاله ويداعب أصابع قدميه، ويتخيل أنه يتحدث معه، وذلك في أثناء رحلاته مع مدرسته الابتدائية إلى منطقة الأهرامات.

احتفظت ذاكرته بهذا الولع، فنما وترعرع مع صعوده في عالم الفن، وتكوينه لنفسه مكانة عالية متميزة وسط الحركة التشكيلية في أوروبا، حيث أدرك أن الحضارة بشواهدها ومعالمها هي الجسر الراسخ بين الشعوب في كل مكان، وقبل كل شيء هي مخزن أسرار اللوحة والفن... بدافع من هذه الروح أسس مليكة في عام 2013 بينالي شرم الشيخ الدولي للتصوير والفنون، ليكون بمثابة جسر بين الفنانين من الشرق والغرب، يعيشون الفن بشكل حي، في مشاهد الطبيعة والبحر، ويتأملون ظلاله في الأسواق الشعبية، وفي الوديان والجبال، وهم يترجلون بلوحاتهم وألوانهم بين الناس.

في سياق هذه الرحلة سيقوم مليكة في حفل افتتاح مهرجان الأفلام القصيرة بعمل أداء فني حي ومباشر «بيرفورمانس»، حيث يخرج من الفيلم القصير الذي يحكي عن حياته الفنية والذي صُور خصيصاً لهذا الحدث بالتعاون مع صديقه المخرج العالمي دراجو، وعند لحظة معينة من الفيلم يخرج مليكة منه إلى الواقع على مسرح فوتشى التجريبي في مدينة لوجانو بسويسرا، ويقوم بعمل البيرفورمانس لتمثاله الشهير «المومياء» أمام الجمهور، وفي فترة وجيزة، تستغرق أقل من عشر دقائق، يعود بعدها مرة أخرى إلى داخل الفيلم، وتُضيء المومياوات من الداخل رمزاً للبعث وولادة عالم جديد يخلو من العبث والفساد، بعيداً عن عالمنا الذي يسوده الظلام نتيجة التلوث البيئي والحضاري وهمجية السلوك الإنساني.

يقول مليكة، إن «فكرة الفيلم تبلورت في ذهني كنوع من خلاصة الخبرة والمعرفة، وأردت من خلالها كسر الحائط ما بين الواقع والخيال، وفي عرض حي أمام الجمهور، وقد أعجب بها صديقي المخرج دراجو، ونفّذناها بمحبة صافية».

تعرض هذه التماثيل في باقي أيام المهرجان في الأماكن العامة بمدينه لوجانو، كما يقام معرض خاص للفنان في غاليري «آرت ون بابير» يفتتحه رئيس المهرجان بصحبة محافظ مدينة لوجانو ونخبة من رجال الفن والثقافة والسياسة والإعلام.

يشار إلى أن مليكة حصل على العيد من الجوائز والميداليات الدولية، وشارك في الألبوم الذهبي لفناني إيطاليا الذي يضم الكثير من الفنانين البارزين، كما كُرّم في الكثير من المحافل الرسمية الأجنبية، وكان الوحيد في إيطاليا الذي حصل على ميدالية رئيس الجمهورية الإيطالية تسع مرات وفي عهود مختلفة، وحصل أيضاً على جائزة من بينالي القاهرة في دورته التاسعة عام 2003، وجائزة النقاد الإيطاليين كنحات لعام 2011 التي تمنحها جريدة «إلجورنال»، وفي العام الماضي فاز بميدالية السيناتو لرئيس جمهورية إيطاليا في احتفالية كبرى أقيمت في الأول من مايو (أيار) الماضي بمناسبة مرور 50 سنة على إقامة البينالى.