العدد 4142
الأحد 16 فبراير 2020
banner
ريشة في الهواء أحمد جمعة
أحمد جمعة
نحن والآخر!
الأحد 16 فبراير 2020

رغم الاختلاف الفلسفي في تحديد مفهوم الجاهلية القديمة، والتي كانت فترة ازدهار أدبي وثقافي، لكن لنتجاوز هذا الخلاف وندخل بصلبِ الموضوع، عادة ما يصادفنا في خطب وأحاديث الساسة والفنانين والأدباء والكتاب، استشهادهم بالغرب حين يدعمون آراءهم وخطبهم ويرغبون في التعبير عن إعجابهم بالأشياء التي يتحدثون عنها، فغالباً ما تسمع أو تقرأ لهؤلاء استشهادهم ببريطانيا أو فرنسا، أو أميركا للتعبير عن الفرق بين مجتمعاتهم وهذه المجتمعات، فتسمع مثلا عبارة، في بريطانيا كذا وكذا، وفي أميركا كذا، أو في فرنسا يعالجون كذا، بل هناك من يستشهد بالعقل الغربي حينما يريد إثبات الفرق بين رداءة الحالة في مجتمعه وجودة الحالة في الغرب، تراه يستحضر المقارنة، مثل قوله، هل رأيتم السياحة في إسبانيا؟ هل شاهدتم النظافة في سنغافورة؟ أرأيتم المسرح في روسيا؟ هل قارنتم كيف عالجوا الركود الاقتصادي في كوريا؟ وهناك نغمة أخرى، لماذا هم متقدمون في الرياضة؟ لماذا هم مبدعون في المسرح؟ لماذا فشلنا ونجحوا؟

المشكلة يا سادة، ليست في العقل، الطبيعة البشرية وهبت الإنسان ذات التكوين الفيزيائي ولكن الثقافة والبيئة والعادات والموروث والتوظيف العقلاني الأسباب التي تجعل مجتمعا يحلق في الفضاء ومجتمعا يغط في الكهف، عقل يؤمن بالعلم وعقل يمضغ الخرافة، عقل يؤمن بأن العلوم سلاح الأمم وعقل يقدس الخرافة، عندما تتأمل الصحافة والمسرح والسينما والمعرفة وطريقة تفكير الإنسان، وتقارن بين رؤيته للعالم، تجد أن الأسباب وراء تأخرنا لها مظاهر كثيرة لا نعترف بها منذ قرون، فكلما تقدم العالم خطوة للأمام تأخرنا خطوات للوراء، فعلى سبيل المثال، يطبع من كتاب صادر في أي من دول العالم المتقدم ملايين النسخ، وحين يترجم هذا الكتاب في عموم العالم العربي وفي نطاق أكثر من ثلاث وعشرين دولة عربية وضمن نطاق 360 مليون نسمة لن تزيد النسخ المطبوعة منه عن الخمسة آلاف. ذلك مؤشر على ضحالة القارئ وعلامة على سبب التخلف وظاهرة لا مثيل لها في العالم.

إعجابنا بالآخر وتقليدنا له واستيرادنا ثقافته، ليس دليل تحضر، ولا صلة له بتبادل الثقافات وتمازج الحضارات، بل ظاهرة القصور التي نعانيها في مجتمعاتنا، وإذا ما انتقدت الموروث والخرافة والميراث المتراكم للجهل، فإن أبواب الجحيم تفتح عليك من قبل ذات البشر المعجبين والمقلدين والمستوردين للحضارات الغربية، فخذ على سبيل المثال المنتقدين لظاهرة مكبرات صوت المساجد التي نظمها القانون وحد من الانفلات المجنون، هؤلاء ذاتهم حينما يبتعدون عن الديار ويعودون من بلاد الفرنجة! يحدثونك عن الهدوء والاسترخاء، وبعضهم يعجب بانعدام الضوضاء، هذا النفاق الاجتماعي هو الظاهرة الشرقية الأزلية التي لا حل لها.

 

تنويرة:

الوحدة نعمة الذين يعيشون مع الغوغاء.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية