العدد 4150
الإثنين 24 فبراير 2020
banner
لماذا علي أن أكتب! (1)
الإثنين 24 فبراير 2020

لم يحدث أن كتبت ذات مرة وأنا مجبرة على الكتابة، لأن الكتابة فعل حب بالدرجة الأولى، فلا قوة على سطح الأرض ترغمك على الجلوس أمام الورق فقط لأنك أُمرت بالكتابة، فوضعية الجبر هذه تفسد الكلمات وتشوهها. أحذر أن تكتب على عجالة، كمن يطهو ليسد جوعه فقط وليس من أجل الاستمتاع بالوجبة، القارئ الذكي سيستشعر ذلك وستفوح من أوراقك رائحة اللامبالاة سريعاً، اكتب بتمهل وعمق، فما يخرج من الأعماق وحده قادر على ملامسة الأعماق.

عندما أجلس للكتابة أشعر وكأنني في موعد غرامي مع هذا البياض الممتد أمام ناظري، أبتعد عن الرسميات العقيمة وأرخي العنان لنفسي للغرق فيه دون محاولة التشبث بالأفكار المسبقة، والتجديف ضد رغبة القلم، هكذا تحدث الكتابة.. بحب وبساطة وتلقائية.

لا تكتب مرغماً نفسك على ذلك لأن الورق سترعبه محاولة الاغتصاب هذه ولن يُظهر أفضل ما عندك، اذهب للورقة برغبة المشتاق حتى تؤتي الكلمات أكلها كما يراد لها، لا تراود الورقة عن نفسها، لا تهجم بعنف، ولا تتردد بخجل، أقبل على الورق وأنت تحمل النية الصادقة للكتابة من أجل نفسك قبل الآخرين، لا تكتب من أجل أحد، لا تربك القلم بهذه المسؤولية الثقيلة، عش متحرراً من وهم الآخرين وما يريدونه منك وتذكر: الآخرون هم الجحيم! فلا ترهق نفسك بالتركيز عليهم.

بالنسبة لي... أنا أكتب لأنني لا أعلم ما الذي عليّ فعله بطوابير الكلمات التي تقف في حنجرتي منذ زمن ويكاد يأكلها الصدأ، وأيضاً لأن الكلمات البائتة يزعجها البقاء مطولاً في الظلام، فتتدافع للخروج لرؤية النور، الكلمة مثلنا نحن البشر، تتوق لعين تقرأها وتربت على رأسها الموجوع، وتهدهد جرحها. أكتب لأن الكتابة وجبة جيدة لصحة العقل.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية