+A
A-

مسرحية " ظما عطشان".. مرونة العامية وحيويتها وسلاستها

الواقع أن كل مسرحية تقدم على المسرح تخضع لمطابقة بشكل ما ،ويروي رجال المسرح كلمة تفيد بأن المؤلف عندما يرى مسرحيته تقدم لأول مرة يشعر بالذهول والدهشة ، اذ ان المسرحية يكتبها مؤلفها من وجهة نظر ، ويقدمها المخرج من وجهة أخرى ، ومثلها الفنان من وجهة ثالثة ويفهمها الجمهور من وجهة نظر مخالفة ، فالمخرج فنان مبدع ، والممثل ايضا ،ولا بد لهما من أن يضعا في المسرحية المقدمة براهين موهبتها وذكائهما وانفعال الجمهور يختلف أيضا.

الفنان والمخرج البحريني عادل شمس قدم في مهرجان اوال المسرحي الدولي  الثالث عشر الذي أقيم في الفترة من 1-8 فبراير الجاري  مسرحية" ظما عطشان" من تأليف الكاتب الاماراتي القدير إسماعيل عبدالله، وتمثيل فتحية ناصر، وعلي مرهون، وعقيل الماجد ، وفهد الزري ، وحققت المسرحية  ثلاث جوائز هي "الجائزة الكبرى" وهي جائزة طارق عبدالرحمن المؤيد ، "جائزة السينوغرافيا" للفنان عبدالله الدرزي "جائزة أفضل تأليف" للإماراتي إسماعيل عبدالله. وتدور قصتها في محور شعبي خالص يلامس عدد من المشاكل الاجتماعية ، حيث يعرف عن الكاتب إسماعيل عبدالله مقدرته الفائقة على خلق أجواء الحياة الشعبية وثم سريان التيار الفكري والذوقي بين القمة والقاعدة بشكل مستمر ،مستندا الى  مرونة العامية وحيويتها وسلاستها ، مع مراعاة الضرورات التقنية المسرحية والبناء الدرامي، واذا وافقنا على مبدأ المطابقة يرد الى اذهاننا سؤال ..ما هي المسرحية التي يجب ان نقدمها او بأماكننا تقديمها. لقد وجد هذا السؤال أجوبة عديدة:

الفئة الأولى: الكلاسيكية ، وهي التي تدعو إلى تقديم روائع المسرح العالمي من كل مكان و زمان دون قيد أو شرط . وشرطهم الوحيد جودة المسرحية ومكانتها العالمية في الأدب المسرحي. 

أما الفئة الثانية: فيمثلها أولئك الذين اعتقدوا أن المشكلة هي جذب  الجماهير إلى المسرح ، هذه الجماهير التي لا تعرف شيئا عنه عمليا ،وادركوا أن عليه أيضا " المسرح" ان ينزل الى الجماهير ليجذبها ولكن عمل هذه الفئة لم يلاق النجاح المأمول.

في تصوري الشخصي ان مخرجنا عادل شمس ينتمي الى الفئة الأولى، حيث اختار مسرحية من روائع المسرح الشعبي الخليجي، ووضع لها مواصفات خاصة دقيقة ، ولم يشوه العمل الفني الأصلي بل كانت عملية مطابقة وانسجام ما بين العمل الفني الأصلي ومتطلبات تقديمه في زمان ومكان محدد، حاملا راية المؤلف إسماعيل عبدالله ورسالته التي تقول ان المسرح المثالي هو الذي يستطيع ان يعيش بين الناس ويصبح جزءا من حياتهم الاجتماعية ، وهي المثل التي يجب ان يطمح اليها كل فنان اصيل ، اذ تكمن فيه الروح الاصيلة لكل الناس..اي المسرح .

قبل العرض وخلال بروفات المسرحية ، سألت المخرج عادل شمس، ما الذي جذبك الى نص إسماعيل عبدالله ، فأجاب : لقد قرأت نص إسماعيل عبدالله الى جانب نصوص أخرى، وحقيقة لم يشدني الحدث بقدر ما شدتني المقدرة في تقديمه بشكل اخر من حيث السينوغرافيا والشكل العام ، لان نصوص إسماعيل عبدالله تتيح للمخرج الاجتهاد والتحليق في الخيال دون أي قيود. بمعنى نص مفتوح ويمكنني القول انه يقوم بأخراج النص حين كتابته بوضعه كل التفاصيل ، بيد انني تمردت على تفاصيله وحلقت بخيالي من اجل الظهور بفكرة مغايرة.

مسرحية " ظما عطشان" تسير في خط المسرح الشامل الذي يحتوي على كل عناصر العرض المسرحي ، عنصر الموسيقى والغناء والشعر والأداء ، وكل الأساليب المسرحية، الأسلوب الواقعي واللاواقعي والرمزي والشاعري، بكافة القوالب المسرحية ، القالب التراجيدي، والكوميدي ، والتراجيكوميدي . مسرحية تستحق الخلود الفني نتيجة الاستغراق في جزئيات الابداع ، عملا ملتزما يستمد خلوده من قوته ومن تعبيره عن هموم الحياة في بيئتنا الشعبية الخليجية.​