+A
A-

أحمد يعقوب المقلة. مدرسة إخراجية ذات خلائط سحرية جديدة

 التقدم الفني لا يكون الا عن طريق التجارب وانه يترتب على كل فنان ان يتابع بجهد وايمان عمله الفني متحديا الصعوبات التي تعترض سبيله حتى يتم له هضم المبادئ التي يعتمد عليها في مدرسته وحتى يتمكن منها كل التمكن ليأتي عمله بالأصالة مطبوعا بطابع الصدق والاخلاص للعمل، خاصة وان بلدنا كانت ارضا خصبة ومنبتا للمواهب والمبدعين وماتزال.

المتأمل في ساحتنا المحلية يجد العديد من الاتجاهات بعضها قريبة من اذواق الجماهير وبعضها الاخر بعيد، ولكن الفنان ليس خاضعا اولا وآخرا لرغبات الجماهير وانما ينسجم عمله مع احساسهم كلما كانت ( ادواره) ألصق بحياتهم ، بأفراحهم واتراحهم.

عندما اشاهد أي عمل للمخرج القدير أحمد يعقوب المقلة،هذا المخرج الذي يعمل بصمت وأناة حتى بلغ في أسلوبه حدا عاليا من التطور وحقق نتائج مذهلة في جميع مسلسلاته ، اقول عندما اشاهد أي عمل اكتشف من اول حلقة ان المقلة يتفاعل من اعماقه في معالجته للمواضيع ولايكتفي منها بالظاهر فقط، فهو  يلج الاعماق ليتعرف على ما تنطوي عليه من أحاسيس ومشاعر محاولا ابراز ذلك في عمله.

عند المقلة دوما خلائط سحرية جديدة،وتتجلى في اعماله كل معاني الاصالة والخبرة والتعبير عن أي حالة انسانية تعبيرا صادقا ،المقلة بنى قواعد مدرسته الاخراجية بالأيمان والعمل ،والمسلسل الذي ينجزه وينتهى منه، يكون امامنا كقطعة من القماش خاطتها يد ماهرة لما فيها من دقة العناصر المكونة، انه مخرج يؤمن بالعمل الجدي وبالدراسة العميقة ،ففي كافة مسلسلاته يتحسس المشاهد بكل مافي هذه الكلمة من معنى.

لقد برع المقلة ايما براعة في رسم شخصية الممثل الذي يقف امامه، حتى غدا من المختصين في هذا الجانب، فهو يعيش في اعماق شخصية الممثل المكتوبة على الورق او الحقيقية ، محاولا ابراز ما يختلج في نفوسهم غير مكتف بما تدل عليه مظاهرهم.

ان المسلسل الناجح هو الذي يغرف من الحياة والمجتمع، من خلال تجربه مخرجه المنوعة، وعندما يختار المخرج نصا يعني انه قد تبناه وهو مسؤول بشكل او بأخر عن أفكار ومطامح هذا النص وأهدافه، ومخرجنا احمد المقلة لا يتبنى نصا الا بعد ان يوجعه ويهزه من الناحية الأدبية ويجب ان يكون في الدرجة الأولى حدثا جديدا وغير مكررا على المشاهد، وهذا ما يميز المخرج المقلة عن بقية المخرجين في سائر الدول وهذا يندر حصوله في عالم اليوم.

عندما يقوم احمد المقلة بأخراج أي مسلسل كان " كما اعرفه عن قرب" يكون في حالة ندعوها عملية الخلق، فعندما يكتب الشاعر قصيدة لا يفكر من يقرأها فهو في حالة ابداع ، اما النتيجة فتكون مختلفة بقدر هذا الإنتاج او هذا الابداع، القصيدة العظيمة هي التي تصبح على شفاه الناس ويرددونها عن ظهر قلب وتنتشر في كل مكان، ومسلسلات احمد المقلة كذلك، يتابعها اكبر عدد من المشاهدين.

يقول المخرج السينمائي الإيطالي الفذ روبرتو  روسيلليني"  ان المثير في الانسان هو ضعفه وليس قوته، لقد فقد الانسان في الحياة المعاصرة كل شعور بطولي في الحياة، فيجب ارجاعه اليه، لان الانسان بطل، كل انسان بطل والمعركة اليومية معركة بطولية، وحتى نتمكن من التعبير عن كل هذا، يجب ان نبدأ من اسفل، أي من الجوانب الصغيرة".

كل الشخصيات التي يقدمها احمد المقلة تلبس ثوب البطولة والقوة، كلهم أبطال وليس عنده ممثل صغير أو كبير، بل ابطالا ولوجودهم تأثير كبير في سير الاحداث، ومن شاهد مسلسل " ظل الياسين" الذي اخرجه المقلة في العام 2008 سيرى ان المقلة اوجد حلا للشخصيات الصغيرة لتكون حاضرة بقوة الى جانب أدوار البطولة، وخلق وسائل الابداع للممثل بكل حيوية وصدق، ولذلك قدم رائعة درامية مازالت معلقة مثل الوردة في عنق سماء الفن الخليجي والعربي، ولا حاجة الى التحدث عن الاعمال التراثية الخالدة التي قدمها المقلة " البيت العود" " حزاوي الدار" " ملفى الاياويد" " فرجان لول" " سعدون" وغيرها من الاعمال التي حقق فيها نجاحات مرموقة ونال عنها جوائز رفيعة تؤكد الصفاء الذهني والمواصفات الاخراجية العالية والمتميزة عند احمد يعقوب المقلة والمفاهيم المتكاملة في رسم الخطوط الدرامي لأي عمل كان.