العدد 4201
الأربعاء 15 أبريل 2020
banner
ريشة في الهواء أحمد جمعة
أحمد جمعة
في الحروف تكمن الحياة
الأربعاء 15 أبريل 2020

رأيت بحديقتي قرنفلة حمراء داكنة وكأنها فتاة متوردة البشرة، قطفتها وندمتُ لوهلةٍ حين أبصرتها حزينة بنقيض ما كانت عليه وهي بغصنها في الروضة بين أطياف الورود، فقدتُ لوهلة بهجتي بها وهي بغصنها، فسعيتُ لتعويضها بأن وضعتها بإناء ورفدته بالماء ليسقي عودها آملا أن تعيش ساعات أو أياما، أتأملها، ولشدّة هوسي بها، حتى كدت أفقد تركيزي، كلما تأملتها وهي ترمقني وكأنها تلومني على نزعها من غصنها بالشجرة. أيام مضت، تأملتها، فإذا بي أفاجأ وقد صعد الماء من أسفل غصنها، إلى أعلاها وطفقت قطرات الندى تلوح بأوراقها، شعرت ببهجة غامرة، بأنها بدت ترتوي. انصرفت عنها وكلي غبطة بإحيائها، ومن شدّة لهفي عاودتها بالنهار التالي، فإذا بها يابسة، وقد انفطرت أوراقها وتساقطت وبدت وكأنها لم تكن موجودة بالحياة، ولكن المفاجأة التي صدمتني، أنها رغم موتها، كانت تفوح منها رائحة زكية، أشد مما كانت وهي حية ترزق، أدركتُ ساعتها، أن قطرات الماء التي كانت تطفح من أوراقها لم تكن سوى، دموعها الأخيرة وهذه حال حروف الكتابة!

المافيات... ليست في عالم المال فقط، والإجرام ليس حكرًا على جنايات القتل الجسدي، بل الجريمة أن تقتل عملا أدبيا متميزا ومبدعا، لصالح عمل ساقط أو هاوٍ لمجرد أن تقف وراءهُ أسماء داعمة ومكافآت سمينة، هنا تقع الجريمة باغتيال أديبٍ مبدع ورفع هاوٍ مبتدئ، هل هناك من ينكر أن هذا يحدث في الساحات الأدبية العربية؟ من ينكر ذلك يأتيني بردٍ ينفي هذه الظاهرة الجريمة.

هناك معارض للكتب بالعالم العربي تفوق أكبر المعارض العالمية كمعرض الرياض والقاهرة وأبوظبي، لكن حال القراء والقراءة لا يسر صديقاً ولا يغيظ عدواً فمازلنا للأسف مرة أخرى شعوباً صدق فيها قول موشي دايان “العرب لا يقرأون” أرجو ألا يغضب ذلك البعض، لا يعني بضع عشرات أو مئات يقتنون كتباً، ولا يعني عشرات أو حتى مئات يمسكون بالكتاب أننا شعوب تقرأ... نحن شعوب لا نقرأ وإن قرأنا اخترنا ما لا ينطبق عليه معنى كتاب، وهذه كارثة، فالقراءة هي التنفس الذي يجري في الشريان مثل الهواء، إن توقفت عن تنفس الأكسجين مت، وإن توقفت عن القراءة مت كذلك، هذه هي العبارة التي تنطبق على شعوب العالم ولا تنطبق علينا، هل تصدقون أنه في بعض الدول حتى وزراء الثقافة لا يقرأون وهذا زلزال.

معارض الكتب المنتشرة في الوطن العربي وما يصاحبها من توقيع الكتاب وندوات وأمسيات وأضواء وكاميرات وتصريحات كلها برستيج، إننا أمة تقرأ، ولكن لا تقرأ! الهنود يقرأون والأوروبيون يقرأون والأميركان يقرأون والإسرائيليون بالأخص يقرأون ما يخصنا، وكل العالم يقرأ إلا نحن نتظاهر بالقراءة إلى حد أن بعضنا يحب تصوير نفسه خلف المكتبة من دون أن يأخذ منها كتابا.

 

تنويرة:

توقف الزمن، مقولة لبعض الكتاب الذين توقفوا عن التنفس.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .