العدد 4209
الخميس 23 أبريل 2020
banner
وَخْـزَةُ حُب د. زهرة حرم
د. زهرة حرم
شر الإنسان: من الاستخلاف إلى الاستملاك!
الخميس 23 أبريل 2020

على الرغم من أنه الكائن الوحيد المُؤتمن على الأرض، وهو الجنس المعنيّ بالخلافة عليها، وتعميرها؛ إلا أنه أكثر من عاث فيها تخريبًا وإفسادًا. ومادام إبليس قرينًا ملازمًا لهذا الإنسان؛ فلن يتوقف جشعه وطمعه، أو أنانيته! فقد استطاعت ثُلل (مجموعات) متحكمة برقاب العديد من البشر – عبر تاريخ طويل ومشهود في أكثر من بقعة ومكان – أن تصطنع دوّامات من الصراعات، والحروب، والتجويع، والقتل، وسفك الدماء، مخطئ – جدًا – من يعتقد أن قانون الغاب لا يتجاوز حيواناتها! فالعالم الإنساني أبشع منه، وأقسى وأمر، إن قانون البقاء للأقوى هو الدستور الذي لم يفتأ بنو آدم من العمل عليه، والكد، والمجاهدة.

التاريخ يحكي لنا مجازر، ومآسي تصيبنا بالدهشة، بل الصدمة! وهذه الصور الحديثة للحروب العالمية لا تقل عنها شناعة! وهي في العمق كشفٌ لهذا الباطن الإنساني في جانبه الشرير، إن نظرة سريعة لجثث الحروب، والدمار، والنيران، وما يعقب ذلك كله، من نتائج كارثية على البشر، والأرض؛ تُسقط هذا الإنسان من علياء المهمة الإلهية في الاستخلاف والإعمار إلى دَرَك الاستملاك، والسيطرة، والهيمنة، والنفوذ، وشتان بين تلكم المهام الرحمانية، وهذه الشيطانية.

الإنسان لا يُعمر الأرض في المطلق، بل يستعمر ما يستملك، أو ما يضع يده عليه، لذلك سخّر كل طاقاته، وما ابتكره اليوم من تكنولوجيات، وتقنيات حديثة، وذكائيات اصطنعها؛ ليحمي أملاكه، وما دار في حظيرته، لذلك فالخارج عن حدودها، لا يعنيه، إلا بقدر ما يحمي أو يُقوّي هذه الحظيرة، أو يُوسع منها! فما دار في فَلَكها كان، وما تعدى عليها، أو تجاوزها؛ يُحارب، وتضْعف شوكته؛ ليستسلم، أو يستكين! أليست هذه هي قاعدة البقاء للأقوى؟!

يبدو أن الإنسان – على الرغم من عمره الطويل على الأرض – لم يتعلم سوى تدجيج هذه القاعدة (البقاء للأقوى)، بمزيد من الوسائل، التي يضمن من خلالها تحقيق أقصى قدر من الصلاحية لوجوده، هذه التركيبة الشرسة ذات البُعد الإبليسي، هي السبب الوجيه لغياب القاعدة المثلى في الحياة، والمتمثلة في (البقاء للجميع)؛ البقاء الذي يجعل الجميع خلائف الأرض، يحمون كل دابة، وشجر، وماء، وسماء، ولكن! كيف لذلك أن يتحقق وإبليس في الأرض حيٌّ – حتى النخاع – يبتكر أسلحته، ويؤسس عوامل وجوده! إنه يتنفس عبر الإنسان، يُذكي نوازع الشر فيه، منتهزا حاجته الفطرية للبقاء، لذلك؛ كم وكم طغى الشر فيه على الخير؟!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية