منذ تأسست الدولة الحديثة في البحرين وهي تقوم على قاعدة أساسية راسخة بنيت على ركائز لا يمكن لأي متأمل إلا أن يدركها بأول وهلة وهي الوسطية والتنوير والانفتاح على العالم. وقد قطعت البحرين أشواطا بعيدة وقامت سياستها الداخلية والخارجية على هذا الأساس، وحافظت على هذه السياسة منذ تأسست وترسخت في عهد المغفور له الشيخ سلمان بن حمد ومن بعده المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان بمعاضدة شقيقه أطال الله في عمره وحفظه من كل شر الأمير خليفة بن سلمان الذي حافظ طوال هذه المراحل على هذه السياسة وثبتها ومضت البحرين حتى هذه الساعة تعمل بهذا النهج.
في ظل هذا الطريق الذي اختطته البحرين رأينا خلال المراحل المنصرمة كيف تخطت البلاد كل التحديات والمحن والأزمات، سياسية وأمنية ومالية، وكيف تمكنت من إقامة نظام عصري أساسه الإدارة الحديثة التي تواكب العصر وتساير التغيير، وهذا ما جعلها دولة تتبوأ مكانة عالمية بين الدول وتكون مركزا حضاريا لأنها لم تتخط حدود النهج الذي قامت عليه وهو الوسطية والتنوير والانفتاح، وقد عمل سمو رئيس الوزراء حفظه الله على صيانة هذا النهج ودعمه وترسيخه بالأفعال وليس الأقوال وهذا ما جاءت به دعوة سموه الأخيرة بضرورة وأهمية العمل على بناء استراتيجية مستقبلية تحفظ للبحرين أمنها واستقرارها لتواجه تحديات المستقبل. إن دعوته هذه وتوجيهه ذكرني بكل الأدبيات التي تبناها قادة الفكر والسياسة والاقتصاد في الغرب والتي تدعو بعد زلزال كورونا إلى بناء نظام عالمي جديد تكون قاعدته التنبؤ بالمستقبل ووضع استراتيجيات تأخذ الدروس من الحاضر الذي يواجه العالم ليكون فريق الأزمات القادم على علم ودراية بالتحديات القادمة التي إذا لم نعمل لها منذ الآن فلن نستطيع خلال المراحل القادمة مواجهة الكثير من الزلازل التي يحملها المجهول سواء كانت مالية أو سياسية أو صحية وغيرها من التحديات.
إن عالمنا اليوم يزخر بالكثير من الأخطار المحدقة، فعلى سبيل المثال هناك التحدي النووي القائم في بعض الدول التي تملك مفاعلات قديمة وبالية ومهترئة في كثير من مناطق العالم ومنها منطقة الشرق الأوسط، ماذا لو لا سمح الله وقع حادث تسرب؟ أو ماذا لو تم عمل تخريبي إرهابي بهذه المفاعلات؟ ماذا لو ظهرت أوبئة، بدون استراتيجية مستقبلية لن نكون بمأمن من هذه الأخطار. إن رؤية سمو رئيس الوزراء التي طرحها مؤخرًا تلبي هذا المطلب بل تسبق المستقبل طالما هي رؤية مبنية على المستقبل ذاته، وقد ذكرتني هذه الرؤية بتنبؤات بيل جيتس بشأن مستقبل العالم إذا لم تقم الدول منذ الآن بعمل خطط مستقبلية. هذا هو خليفة بن سلمان ما فتئ يعمل ويضع الأساسيات كما كان دائمًا.
تنويرة:
الدواء قاتل إن لم تعرف الداء.