العدد 4275
الأحد 28 يونيو 2020
banner
في رثاء الكتابة
الأحد 28 يونيو 2020

نحن ننتصر في كلماتنا أو خيالنا أكثر مما ننتصر في الواقع، لذا تجد من الكُتاب من يكتب ما لا يفعل، ومن الشعراء من يتغنى بما لا يعهد، وقس على ذلك الكثير إلا من رحم ربي وهم قلة، وليست العلة في من كتب دون أن يفعل لكن العلة في أن تكتب دون أن تصل لوجدان الآخر ومشاعره، وآثرت أن أبدأ بسلبيات الكتاب حتى لا يظن البعض أن في مقالي تمجيدا لزملاء المهنة، رغم أن في الكتابة متنفسا رائعا لأحلامنا وأفكارنا ورؤى المستقبل المشرق، قليل منا يرجع للكتب ليستشرف المستقبل، فأفكار الخلق في فترة معينة تحكي لنا صعوبات الفترة ومزاياها وتقص علينا ما لم نعشه أبدا.

لذلك كانت لكتب قدماء علماء العرب أهمية بالغة وخارطة طريق وتفاصيل تحكى بأقلامهم في كتبهم من علوم وأدب وحضارة، وياليتني عشت بينهم، فكل المدنية التي حولنا أنستنا القراءة وفضلها وبات الجميع يكتب في كل واد، دون أن يقرأ له أحد، أنا أرثي حال الكتابة كما أرثي حال القراءة، كلاهما ضاع وسط فوضى من قبل الجميع، الكل يكتب والكل لا يقرأ، فلا نعلم نحن نكتب لمن ولا من يقرأ لنا.

 

أية حسرة تلك التي خلفتها حياتنا المدنية الحديثة وسهولة الضغط على لوحة المفاتيح، والأدهى الزخم الإعلامي الموجود عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فالكل الآن كَتبة ومفكرون وحاملو أقلام دون ذائقة تذكر! نعم ولا أستثني نفسي أو غيري لكنني غالبا أتساءل أهناك من يقرأ؟ وسط كم المواضيع والمشاكل والحلول أهناك من يعي؟ يبدو لي أن واقع الحال تبدل كثيرا عما تربينا عليه، مازالت كتب العقاد والمنفلوطي ورحلة ابن بطوطة في مكتبتي، مازلت أذكر أول رواية قرأتها، مازالت مشاهد وفصول نجيب محفوظ تمر أمامي، ابن رشد وعلومه، وغيرهم الكثير، أين كل ذلك التراث العربي الجم؟ وسط إصدارات بعضها يعتمد على تغريدات في الفضاء الإلكتروني، إنني أرثي حال الكتابة والقراءة معا في عصر بات الكل يكتب دون أن يقرأ له أحد.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .