العدد 4285
الأربعاء 08 يوليو 2020
banner
د. محمد رضا منصور بوحسين
د. محمد رضا منصور بوحسين
المخدرات الرقمية تحرج قانون مكافحة المخدرات
الأربعاء 08 يوليو 2020

أسهمت شبكة الإنترنت في تطور الحضارة البشرية ورفاهية الانسان، إلا أنها من جانب آخر أسهمت في إنتاج ظواهر اجتماعية سلبية لم تعهدها المجتمعات الإنسانية من قبل، ولعل جرائم المستقبل ستكون من نفس أدوات عصر الألفية الثالثة، وهو ما يستدعى تطوير التشريعات ذات الارتباط بما يتلاءم مع معطيات وافرازات العصر الرقمي. ولعل بعض معالم هذه الجرائم قد بانت علائمها ومنها على سبيل المثال ظاهرة المخدرات الرقمية (Digital Drugs).

لم يعد اليوم استهلاك المخدّرات مقتصراً على تعاطيها بالوريد أو مضغها أو شمها أو تدخينها، بل تطور الفكر الإنساني ليحول نظم التعاطي إلى تعاطٍ إلكتروني، أو تعاطٍ رقمي يحدث نفس التأثير الذي تمنحه المخدّرات الطبيعية، بل ان الذبذبات الالكترونية تستخدم لتنفير الناس من بعض القيم الاجتماعية والمبادئ الدينية، وهو أمر خطير يستوجب مواجهته فإذا كانت جرائم التعاطي الإلكتروني للمخدارات تمس ذات من يتعاطاها، فإن هدم القيم والدين والمبادئ تمس عموم المجتمع وتمس أمة بكاملها، فإذا سقطت القيم سقط المجتمع.

إن التكوين المادي للمخدرات الرقمية عبارة عن مقاطع صوتية تتمثل في ضربات ثنائية، أو أصوات تسمع من خلال الأذنين (كل أذن تصدر ترددا مختلفا عن الأذن الأخرى)، لها تأثير مباشر يجعل الدماغ (في مركز السمع الموجود في القشرة المخية) يعمل على توحيدها، فيسمع شيئا آخر مختلفا عن الصوتين المستقبلين من الأذن، ليتم الوصول من خلالها لإحساس يحاكي إحساس أحد أنواع المخدرات التقليدية (الطبيعية)، ومن ثم يؤدي إلى اضطراب وفقد وعي الانسان، وهذه الحالة هي ليست وعيا مطلقا أو العكس، والبعض يسميها لحظة الشرود، وتعد مرحلة خطرة جدا لأن الدماغ يكون في حالة ضعف شديد يستتبع إمكان تعرضه لأي خطر، كما أن التكرار يمكن أن يؤثر في الكهرباء الخاصة بالدماغ.

ويمكن الإشارة إلى المخدرات الرقمية، إلى أنها عبارة عن ملفات لنغمات موسيقية بترددات (وشفرات) مختلفة تقوم بخداع المخ ليبدي محاولته في توحيد تلك الترددات فيؤدي إلى حدوث اضطرابات ذهنية تؤثر على السمع والجسد وتسبب ارتعاشات تطابق مرحلة النشوة التي يصلها المتعاطي للمخدرات التقليدية.

ورغم محاولة البعض المتفائل أو غير المدرك لخطورة هذا النوع من المخدرات بإطلاق إصطلاح (مدمن افتراضي) على متعاطي هذا النوع من المخدرات، إلا أن الوقائع تثير قلق أصحاب الاختصاص بشدة والذين قرعوا ناقوس الخطر بعد أن وجدوا عجزا تشريعيا في قانون مكافحة المخدرات لتجريم المخدرات بصورتها الرقمية.

فالقانون رقم (15) لسنة 2007 بشأن المواد المخدرة والمؤثرات العقلية ورغم تأكيده بالعموميات على تجريمه للمخدرات إنتاجا وتجارة وتعاطيا، إلا أنه يقف عاجزا أمام تقنية الإنتاج ووسائل الترويج والتوزيع (اللامرئية) وسرعة انتشارها وطريقة التناول والتداول (بالأثير) التي لا تكلف سوى سماعة أذن لايمكن للقانون أن يُجرّم امتلاكها.

إذ أن القانون أعلاه جرم المتاجرة وصناعة المخدرات والاستخراج والتحضير والحيازة والتقديم والعرض للبيع والتوزيع والشراء، ولم يُجوّز المتاجرة بالمستحضرات الحاوية على مخدرات مهما كان نوعها وهو أمر من الجيد أن يسير على اطلاقه لو لم يقيد بمقتضى القانون الذي افترض أن مصدر المخدرات هو مادي أي (مرئي وملموس) فحرم زراعة المخدرات وقيد أنواعها بنباتات القنب وخشخاش الأفيون والقات وجنبة الكوكا وغيرها، ولتأكيد القيد المادي حرم نفس القانون نقل هذه النباتات في أي طور من أطوار نموها.

وهنا نشأت الإشكالية القانونية المتمثلة في إمكانية إثبات إنتاج المخدرات الرقمية والمتاجرة فيها وبالتأكيد تعاطيها في حال القبض على أحد الأشخاص يستمع لمثل هذا النوع من ملفات الموسيقى المخدرة. فالقانون المذكور لمكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، أكد في نصوصه على أن المخدرات هي (مادة) أي أنها شيء مرئي وملموس، والسؤال في حالة المخدرات الرقمية، هو كيف سيتم تعريف هذه الملفات الصوتية على أنها مادة؟ وهي في الأصل غير ملموسة؟ بل كيف يمكن محاسبة من روج لهذه الملفات كونها لم تكن جريمة لولا وجود سماعات الأذن المباحة في الأصل؟ وكيف يمكن التمييز بين التعاطي لهذا النوع من المخدرات، والتناول على أساس علاج بعض الحالات النفسية، لشريحة من المصابين بالاكتئاب الخفيف في حالة المرضى الذين يرفضون العلاج السلوكي (الأدوية)، ولهذا تم العلاج عن طريق تذبذبات كهرومغناطيسية، لفرز مواد منشطة للمزاج؟

وعلى تقرير أي مختبر يعتمد القاضي في فحص واثبات تعاطي أحد الأشخاص لهذا النوع من المخدرات؟ إن عدم الاجابة على هذه الأسئلة وغيرها من علامات الاستفهام يدل على أن تشريع تجريم المواد المخدرة في القانون البحريني وفقا لقانون مكافحة المواد المخدرة رقم (15) لسنة 2007 وغيره من التشريعات ذات الصلة لم تعد منسجمة مع تطور أصل المادة المخدرة وأساليب تداولها وتعاطيها، وهو أمر يهدد الفئة العمرية الفعالة والمسؤولة عن مستقبل الوطن.

ولعلنا على سبيل الاجتهاد القانوني، يمكننا القول بأن مقومات جريمة المخدرات الرقمية يمكن احتواؤها تكوينا وتاصيلا وتجريما وفقا لحكم المواد (1-4-23) من قانون الجرائم الإلكترونية رقم 60 لسنة 2014، حيث على خلاف القائلين بأن المخدرات الرقمية ليست “مادة”؛ إذ “المادة” قائمة وموجودة في المخدرات الرقمية متمثلة في التردد والشفرة الجرمية الموضوعة بالتكوين الإلكتروني للقطعة الموسيقية أو المادة الإلكترونية المستخدمة بما يتشكل معه الركن المادي للجريمة والذي يكون مناطا للعقاب المقرر للجريمة التقليدية بموجب النصوص العقابية الواردة في قانون العقوبات.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية