العدد 4290
الإثنين 13 يوليو 2020
banner
شيَّبنا... هرِمْنا
الإثنين 13 يوليو 2020

باللهِ عليكم توقفوا عن ترديد هذه المفردةِ المقيتة التي تتلقفها ألسنتُكم في كلِ محفل، فهي كلمة تؤجِّجُ غضبي وتضطرمُ في فؤادي.

“شيَّبنا”، هذه اللفظةُ البغيضة المفعمةُ بالتشاؤم، لا تبعثُ إلا على الخنوعِ والاستسلام، وتُجبرنا لا إرادياً على إيقافِ عجلةِ الحياة التي بدأتْ للتو، وعلى الرغم من أنَّ المجتمعاتِ العربية تُعدُ مجتمعاتٍ فتية في قبالة المجتمعاتِ الغربية، إلا أنها لا ترى نفسَها كذلك، والمعضلةُ أنَّ من يتفوهُ بهذه اللفظة هم شبابٌ في العقدِ الثاني أو الثالث أو الرابع، هؤلاء يعيشون زهرةَ العمرِ ويتمتعونَ بعنفوانِ الشباب، كيف حباً بالله يدَّعونَ الهرم؟!

هؤلاء يرونَ أنفسَهم شيوخاً وعجائزَ ومازالت الصحةُ في أبدانِهم والقوةُ في قلوبِهم؛ فهل نلومُهم على ذلكَ، والفكرةُ السائدةُ في هذه المجتمعات تنصُ على أنَّ الرجلَ والمرأةَ كباراً في السن متى ما ناهزوا الأربعين؟ حتى أنه لا ينقصُهم سوى أنْ يُقالَ لهم بوضوح إنَّ تاريخَ صلاحيتِكم قد قاربَ على الانتهاء.. استعدوا للرحيل.

لكأنَّ المجتمعَ يحشرُهم في زاوية أو يزجُ بهم خلفَ قُضبانِ السنين، حيث لا حقَّ لهم في الحياةِ كالآخرين، لا حقَّ لهم في التأنقِ واختيار نمطٍ عصري لملابسهم؛ فالتأنقُ والظهورُ على الموضة لا يُناسبهم، ولا حقَّ لهم في الانفتاحِ على العالم؛ فلمْ يعودوا شباباً، ولا حق لهم بامتلاكِ فكرٍ ما أو ثقافةٍ ما؛ فما عادوا من الشباب، حتى أنهم لا يحق لهم الوقوعَ في الحب أو الزواج؛ فقد فاتَهم قطارُ الشباب.

الإحصاءاتُ تُشيرُ إلى أنَّ متوسطَ عمرِ الإنسان في بلادنا العربية يتراوحُ بين الثمانينَ والتسعين، وعليه فإنَّ عمرَ الأربعينَ والخمسين هو منتصفُ العمرِ يا سادة لا آخره. هو سنُ النضوجِ الفكري والاستقرار العاطفي والسلام الداخلي، هو عمرٌ يضجُّ بالصحةِ والحبِ والجمال، هو العمر الذي نحققُ فيه أحلامَنا ونجدُ فيه ذواتَنا، وياليتنا نتوقفُ عند هذا السنِ الصاخبِ بالإنتاجِ والعملِ والأمل لا نبْرحه، نحن لا نزالُ شباباً أحبتي؛ فلنتصرف على هذا الأساس، لنكنْ أقوياءَ منتجين، ولنعمرْ أوطانَنا ونسعى بشبابنا في أوجهِ الخير، ولننشرُ ثقافةً لمْ يعتدها مجتمعُنا الفتّيُ عمراً، الهرِمُ فكراً، مفادُها أنَّ العمرَ رقمٌ يتغير وشبابٌ يتجدد، ربما شبَّ من جديد، “إنَّ اللهَ يُحبُ المؤمنَ القوي ولا يُحبُ المؤمنَ الضعيف”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية