+A
A-

أحمد المقلة.. مدرسة وقواعد جديدة في الإخراج

دائما ما ينجح المخرج البحريني القدير أحمد يعقوب المقلة نجاحا مبهرا في أي عمل درامي يتصدى لإخراجه، بدليل ان الناقد او المتفرج لا يجد اذا ما حاول إبداء رأيه سوى ان يعرب عن دهشته بجمالية اللقطات والطريقة التي يحرك بها الممثلين في رسالة واضحة للجميع بأن الفن لغة والاهم من ذلك ان هذه اللغة لغتهم.. اي لغة الممثلين وشاهدنا الفنان الكويتي حسن البلام حينما قال إن المخرج المقلة اكتشف فيه اشياء لم يكن يعرف عنها اي شيء في مسلسل “ اليوم الأسود”.

اهم ما يميز المخرج أحمد المقلة هو وضعه اللقطة في نظام معين ويضيف اليها بعض الجماليات حتى تمتلك الاركان الاساسية التي تبهر المشاهد. المقلة يعرف دون غيره من المخرجين ان اللقطة مهما كانت قصيرة تستوعب مضامين مختلفة ومن السهل تفجير التوتر الكامن فيها مثلما ينفجر البيت القوى في القصيدة الشعرية، ولهذا من النادر ان نجد لقطة للمقلة لا تعكس حوارا داخليا بين الفنان ونفسه وتنقل النوازع النفسية المتضاربة والأفكار المتناقضة من نطاق الكلام الى نطاق الفعل.

أحمد المقلة بارع جدا في رسم اللقطة من بدئها الى نهايتها وسبق وان كنت قريب منه في عدد من اعماله لعل أهمها المسلسل الرائع “ ظل الياسمين” قبل سنوات، فأي مشاهد لهذا المسلسل لابد وان يندمج اشد الاندماج في اللعبة الفنية ومراقبته لها من الخارج “كمتفرج” سيشعر ان اللقطة مثل القصيدة تتابعها العين بتسلسل من بيت الى آخر، نغمات شعرية تسحر المشاهد على شكل لقطات. ملصقات ملونة زاهية تتراقص أمام أعين المشاهد بهيكل لقطة.

ربما الظروف لم تساعدني في متابعة عمله الأخير كاملا الذي عرض في رمضان “اليوم الأسود” ولكني سرقت نفسي للحظات وشاهدت كذا مشهد من العمل ورأيت القوة الغيبية التي سادت المشاهد والالتصاق العفوي بالإبداع طالما كان الموجه هو أحمد المقلة، وقد يكون الكاتب فهد العليوه محظوظ جدا بتعامله مع مخرج بحجم المقلة الذي يعرف كيف يطلق السحر على المشهد الذي كتبه وانا اجزم حتى المشهد الميت الذي لا روح فيه يستطيع المقلة ان يحيه ويبث فيه النشاط والحيوية لأنه متخصص في صناعة الإبداع من اللاشيء واي انتكاسة في المشهد يحولها بسرعة مذهلة الى حركة إبداعية جديدة! ليس مدحا في مخرجنا الكبير أحمد يعقوب المقلة ولكني أتحدث عن مدرسة جديدة في الاخراج وقواعد جديدة في رسم اللقطات بمعناها الشامل، فالذي يقدمه أحمد من ناحية الشكل والمضمون لم يقدمه اي مخرج عربي آخر “ حسب علمي “ واستطيع القول وانا مسؤول عن هذه العبارة “لا يوجد هناك تيارات وأجيال، وانما هناك مخرجون مبدعون كأحمد يعقوب المقلة الذي يشكل ببراعته عالما قائما بذاته، وهو الجانب الذي يتجلى فيه التميز والرؤيا الفنية الأقرب الى التكامل والمهارة الفكرية”.

مثل “قيس وليلى” ومثل “روميو وجوليت” ومثل كل قصص الحب الشعبية عند مختلف شعوب العالم، هكذا قصة الحب.. حب الإخراج عند أحمد يعقوب المقلة الذي أبدع الى درجة الإعجاز.