+A
A-

منى جابر... من ربة منزل إلى سيدة أعمال ناجحة

لقد أحسن الشاعر القائل: العلم يرفع بيتًا لا عماد له... والجهل يهدم بيت العز والشرف.

العلم هو مجد للفرد والمجتمع والأمة كلها. كيف لا وهذه الأرض لم يعمرها الإنسان ويطورها إلا بالعلوم بشتى مضاربها. ولكن هذا السبيل في طلب العلم لا يستطيع الإنسان له مسلكا إلا بالكد والمثابرة من أجل نيل المراتب العلى.

ضيفتنا اليوم كان الطموح والإصرار ديدنها وخيارها الأوحد الذي كافحت من أجله لتناله. ضيفتنا أم لثلاثة أولاد، دفعها طموحها لمواصلة دراستها الجامعية حتى دخلت بعد ذلك مجالات عدة، مجال التربية والتعليم - قسم تعليم الكبار كأول مطاف لها، ومن ثم الأعمال الإدارية، ثم مجال التصميم بشتى أنواعه، وتصميم الحدائق أيضًا وهو الآن تحت إدارتها. من نجاح إلى نجاح، هذه هي مسيرة الثلاثين عامًا من العمل والتحدي، هذه المسيرة رحلة طويلة وشاقة ولم تكن سلسة كما ترويها، وعاشت أياما صعبة كلها تحديات وإصرار، وأصبح التحدي للوقت والزمن، وكان والداها (رحمهما الله) داعمين لها، خصوصًا والدتها التي شجعتها ودعمتها في تحقيق النجاح والإنجاز.

 

وفي الجانب الآخر رفيق دربها المغفور له بإذن الله زوجها الراحل رجل الأعمال الذي واصل دعمها هو الآخر في تخطي جميع الصعاب والعمل ومساندتها في طموحاتها التي لا تتوقف، إضافة لوجود بعض الأصدقاء المقربين والمخلصين لها أيضًا.

تحولت من ربة منزل مربية لثلاثة أبناء إلى سيدة جامعية ثم إلى موظفة، وبفضل عائلتها وأسرتها وزوجها أصبحت اليوم رئيسة مجلس إدارة مجموعة شركاتهم الخاصة، شركة “أورينت” التي تخدم الصناعة بشتى أنواعها، وشركة “جي بي للزراعة” لمقاولات وتنسيق الحدائق.

إنها سيدة الأعمال البحرينية منى محسن جابر التي دخلت عالم التجارة والأعمال من أوسع أبوابه منذ 20 عامًا اعتمدتها.

“البلاد” التقت وحاولت سبر أغوار نجاحها. وفيما يلي إفادات جابر في الحوار:

 

النشأة والدراسة

ولدت في أكتوبر 1963 بالمنامة، ونشأت في أسرة متعلمة ومتفتحة وتعمل بالتجارة، وتشجع الأبناء على الدراسة والتعليم، كما تشجع الفتاة على الدراسة والتعليم والعمل؛ ليكون لها دور بارز في التجارة والأعمال.

التحقت بالمدارس الحكومية، وتخرجت من مدرسة الحورة الثانوية التجارية للبنات.

ثم تزوجت ولم أكن قد أنهيت دراستي الجامعية، وشعرت بعد ذلك بأنني أخطأت إذ لم أكمل دراستي، فكان هنا مشواري، إذ بدأت بالعودة للدراسة منذ أنجبت ابنتي الكبرى، وتخرجت من جامعة البحرين ببكالوريوس إدارة الأعمال بعد إنجاب ابني الثاني والثالث، ثم التحقت بالعمل في أكثر من مجال مختلف.

اليوم لا أحد يستطيع القول إن الزواج وإنجاب الأبناء يكون عقبة في الإنجاز، فالشخص عندما يطمح يستطيع إكمال دراسته ويدير منزله ويربي جيلا ويتفاعل مع المجتمع ويعمل وينتج، وهذا كله وأكثر يستطيع الإنسان إنجازه وهو تحد جميل، وإنني أسرد لكم هذا المشوار الذي لم يكن سهلا للغاية، إذ كان مرحلة عمل دؤوبة استمرت مدة 30 عامًا.

 

صورة تذكارية لمعرض افتتحه جدي المرحوم الحاج محمد عبدالنبي بوشهري بحضور سمو الشيخ سلمان رحمه الله

 

بداية مشوار العمل

كأي فتاة تخرجت دخلت مجال العمل التدريبي فالتحقت بمكتب الطب الرياضي لدى المؤسسة العامة للشباب والرياضة إدارية ناجحة، واستمرريت في العمل بالمركز لفترة زمنية، وكعادتي أحسست أنني أود التواصل مع فئات المجتمع الذين لم يلتحقوا بالتعليم ولم يكملوا مشوارهم فتقدمت إلى وزارة التربية والتعليم - قسم تعليم الكبار هدفًا مني لخدمتهم ومساندتهم وتشجيعهم للدراسة.

فبعد قبولي من قبل الوزارة - قسم تعليم الكبار بدأت مشواري في التعليم المسائي، وكنت أربي أولادي لصغر سنهم في الصباح وأتابع أعمالي الثانية حتى فترة طويلة استمرت إلى 5 سنوات، وأمسكت بعض المراكز الصباحية للتعليم أيضًا فأصبحت مهمتي صعبة؛ لأنني اضطررت إلى التوجه لمتابعة تعليم أولادي في المنزل أيضًا، فرجعت لمتابعة أعمالي الخاصة حتى لفت انتباهي يوما ما إعلان منشور في الصحف المحلية بالرغبة في متقدمين لتصميم أزياء بحرينية لدورة افتتاح كأس الخليج باستاد البحرين الوطني، وكان الإعلان قد مضى عليه أسبوع، فلجأت إلى إحدى الزميلات في نفس المؤسسة وطلبت مني الحضور وشرحت لي المطلوب ولم تعطني هذه السيدة الفاضلة أملا، بسبب ضيق الوقت، فأسرعت وعملت نموذجًا لهم.

وبعد أيام قاموا باستدعائي وطلبوا مني بعض التغييرات، وفوجئت بعد تقديم التغييرات على النموذج بأن التصميم هو الذي قُبل، وكانت هذه بداية جميلة لدخول مجال آخر وهو التصميم، فأسرعت بإمكاناتي واستعنت بجميع القدرات التي أتاحت لي فرصة العمل وإنجاز هذه المهمة الجميلة، ومن هنا بدأت مرحلة جديدة درست فيها بالانتساب مع جامعة في نيويورك هي “انستتيوت” للتصميم.

 

مجال تنسيق الحدائق

شاركت في العديد من البرامج والدورات المكثفة بتنسيق الحدائق وزرت معارض متخصصة في هذا المجال (...) كما شاركت بدورات تدريبية خاصة لهذا العمل.

أسست شركتي بمجال التنسيق منذ حوالي 17 عامًا واليوم أصبح لي دور ريادي فيها، وأنقل الخبرة التي اكتسبتها إلى العاملين معي، خصوصًا أنني واجهت تحديًا، إذ بدأت ربة منزل - كما ذكرت سابقًا - كأي امرأة عادية وتزوجت وفكرت بالإنجاب وبعدها أكملت مشوار عملي ومرحلة عملي، وكل مرحلة من المراحل التي مررت بها أخذتني إلى الضفة الثانية وغيرت من وضع العمل لدي.

وتروي جابر “منذ دخلت مجال هذا العمل إلا وهو تنسيق الحدائق وحتى اليوم هنالك طلب متزايد على تصميم الحدائق، وقد فاق العرض المتوفر الطلب في السوق حاليًا (...) وعندما بدأنا كان عدد الشركات محدودًا لكنه ارتفع حاليًا، وهنالك تنافس صحي رغم وجود مساوئ، وفي النهاية من يستطيع إجادة العمل والتحدي يجب أن يطور عمله”.

واليوم أدير مجموعة شركات وأرأس مجالس إداراتها، وذلك بعد أن كبر أبنائي وتوفي زوجي المرحوم، فقمت بتعليمهم وتمكينهم إداريًا لمسك العمل وأخذ التحديات الجديدة. فتوصياتي إلى الجيل الجديد هي يجب أن يتحلى الإنسان بالقيم وأن يعيد تقييم نفسه في المجتمع، وأن يسلح نفسه بالتعليم ويعمل، والخبرة هي سيدة المواقف في كل الأمور، ويجب إفساح المجال للشباب لريادة الأعمال.

إفساح الشباب لريادة الأعمال

ويشاركني الأبناء في العمل اليوم، فالتوجه الجديد هو إفساح المجال أمام الشباب للدخول في الدور الريادي، وقد دربت بحرينيين وأعددتهم لدخول العمل في مؤسسات أخرى.

ابني الأكبر تخرج من بريطانيا في مجال العمل المصرفي والمحاسبة واكتسب مهارات، وهو حاليًا مسؤول عن الإدارة المالية في مجموعة الشركات، وابنتي عملت بجامعة المملكة بعد تخرجها من كندا واليوم تدير قسمي تقنية المعلومات والتصميم، والثالث تخرج مهندسا من بريطانيا وحصل على شهادة هندسة التكنولوجيا الجديدة والمعمارية وهو حاليًا مسؤول عن إدارة تصنيع الحديد في قسم الصناعة.. وضعت أبنائي في مناصب قيادية وأتابع أعمالهم وكيف يديرونها.

 

مشاركات محلية ودولية

شاركت مع مكتب “اليونيدو” رائدة عمل، وطبعًا لمكتب “اليونيدو” في البحرين دور خاص في تطوير عملي، في الأيام الأولى من حياتي كانت محاولات جادة من “اليونيدو” لدعم مشاريع جميع المنتسبين إليها عن طريق مشاركاتنا معهم في المؤتمرات الداخلية والخارجية من المملكة.

وكنت عضوا في مجلس سيدات الأعمال لدورة كاملة، وعضوا في اللجنة الزراعية المشتركة مع غرفة تجارة وصناعة البحرين، وعضوا في الغرفة العربية الإيطالية لدى روما، تلك كانت مشاركاتي.

وأيضًا شاركت في برنامج تدريبي للسفارة الأميركية بالولايات المتحدة في العام 2012، وهذا البرنامج ساعدني كثيرًا في تعزيز روح العمل الجماعي لدي مع التركيز على مصادر القوة الشخصية وسبل تعاون الآخرين معك.

 

عائلتي ساندتني في النجاح

ساندتني عائلتي في عملي، أولا والدتي، ثم زوجي (رحمهما الله) والأصدقاء المخلصون والمقربون، وكنت أتلقى التشجيع خصوصًا من والدتي التي كانت عضوا بجمعية رعاية الأمومة والطفولة وإنسانة متفتحة، ولذلك كانت كثيرا ما تقبل التحديات.

 

بسرعة مع الضيف

* هواياتكِ؟

- التواصل الاجتماعي جزء الرئيس من حياتي، والسفر للبلدان الأخرى متعة للتعرف على حضارات ومكتسبات الشعوب.

وهوايتي العمل في حديقتي الخاصة شخصيًا كلما سنحت لي الفرصة أو في إجازاتي.

 

* قدوتك في الحياة؟

- جدي المغفور له الحاج محمود عبدالنبي بوشهري الذي افتتح أول معرض تجاري في سوق المنامة وكان الوكيل التجاري للراديو والتلفزيون قبل أكثر من 80 عامًا، إذ حضر الافتتاح آنذاك سمو الشيخ سلمان رحمه الله.

ووالدتي رحمها الله وتعلمت منها الصبر والتحدي والعطاء دون توقع مقابل.

 

* أول راتب حصلتِ عليه؟

- 280 دينارًا، وكان الشعور جميلا، إذ منحت جزءًا منه لأبنائي ووزعته على كل من أحببت.

 

* وجبتك المفضلة؟

- أحب السلطات والأكل البحريني التقليدي.

 

* الشعر بالنسبة لكِ؟

- أحب الاستماع للشعر.

 

* القراءة؟

- قراءة المقالات المختلفة في جميع المجالات.

 

* الموسيقى؟

- لها دور كبير وتأخذ حيزًا كبيرًا من حياتي اليومية.

 

* الرياضة؟

- حاليًا بسبب زحمة العمل وإدارة المنزل والمناسبات الاجتماعية العائلية أمارس رياضة المشي لمدة تتراوح ما بين نصف ساعة إلى ساعة واحدة، وليس لدي وقت للالتحاق بالنوادي الرياضية.

 

* الجوائز التي حصلتِ عليها؟

- كرمت من مكتب "اليونيدو" ومجلس إدارة جمعية سيدات الأعمال البحرينية، وأفضل تكريم كان على مشواري الطويل والحافل هو من عائلتي وإخواني وأصدقائي المقربين، الذين يرون نجاحي هو نتيجة عملي الدؤوب واستمراري رغم التحديات والصعاب، فلهم الشكر والمحبة ولن أستطيع أن أفي أي أحد منهم حقه.