أكد خبراء ومحللون سياسيون أن المطالب الـ 13 التي وضعتها الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، كانت فرصة ذهبية أمام قطر للتخلص من التركة الثقيلة للأمير السابق ووزير خارجيته، وأن حل الأزمة لن يكون بمزيد من العناد والمكابرة، بل بالعودة إلى الحضن الخليجي والعربي، مع الحفاظ على سيادتها وأمنها واستقرارها ضمن منظومتها الخليجية.

جاء ذلك في حلقة جديدة من برنامج “ما وراء الخبر”، الذي يبث يوميا على تلفزيون البحرين بمشاركة الخبير الأمني والاستراتيجي السعودي أحمد الشهري، ورئيس مركز الخليج للدراسات عمر الحسن، والذي ناقش خيارات الدوحة في المرحلة المقبلة، حيث تم التأكيد على أن التحالف مع إيران أو تركيا لن يكون مفيداً للدوحة، بل سيساهم في تعزيز عزلتها على المستوى السياسي والشعبي العربي.

 

القرار لم يعد في الدوحة

إلى ذلك، قال الخبير الأمني والاستراتيجي السعودي، إنه وبعد ما يزيد عن الشهرين من عمر الأزمة، كنا نتوقع أنه لا يزال في قطر عقلاء، وكنا نعتقد أنه لا يزال من يملك القرار داخل الدوحة؛ لأن المدة الماضية كانت كافية بإيصال رسالة كاملة إلى كل من يعيش في أرض قطر.

وأضاف الشهري لاحظنا بعد هذه المدة ما وصل إليه الاقتصاد والعملة القطرية، كذلك رأينا كيف تضررت الاستثمارات الداخلية والخارجية، وإلى ماذا وصل إليه التصنيف المالي الدولي للاحتياط القطري والعملة القطرية، كل هذه الرسائل كانت كافة وبليغة ومهمة لمن تهمه مصلحة قطر، لكن للأسف الشديد أن من يهمه مصلحة قطر لم يعد في قطر نفسها، فالقرار لم يعد في الدوحة وإلا لكانت كل هذه الرسائل كافية ليعود الأخ لأخيه، ويلتزم على ما تم الاتفاق عليه في العام 2013 والعام 2014 وفي قمة الرياض 2017.

وأشار إلى أنه ومنذ العام 1995، عندما بدأت قطر الجديدة لبس عباءتها كمارد جديد، وأصبحت تظهر ملامحه في كل اجتماع ومناسبة وقمة، وأصبح الصوت الخليجي القطري يغرد خارج السرب، وهو ما جعل دول مجلس التعاون الخليجي تنظر بريبة إلى هذا السلوك القطري.

وعن أكبر الأخطاء التي ارتكبتها قطر في تعاملها مع الأزمة منذ 5 يونيو الماضي، قال الشهري إنه لا يمكن أن نقول متى بدأ الخطأ دون أن نعود إلى التاريخ، فالتاريخ يعطينا الرسالة والحل.

 

حكومة الملالي والمشروع الكبير

وأضاف أن التاريخ بدأ في العام 1979، عندما تم زرع حكومة الملالي في طهران ضمن المشروع الكبير، وكانت إحدى الخطوات للوصول إلى الهدف الأكبر وهو تقسيم المنطقة بعد إحداث الفتن والقلاقل فيها. وركبت قطر وتم نزعها من البيت الخليجي لتكون أداة وخنجر في هذا المجتمع، والمشكلة أن قطر عندما دخلت المشروع الكبير كانت تحلم أن تقود حلف وأمبراطورية وعالم كبير.

وعن خطر التحالف القطري الإيراني على أمن واستقرار دول الخليج العربية، خصوصاً أن قطر من خلال مشاركتها في فعاليات المجلس لديها الاطلاع الكافي على خططه وبرامجه، أوضح الشهري أن إيران لجأت لأسلوب ماكر وخطير، وهو العزف على المتناقضات، ففي مصر تلعب على وتر المسلمين والأقباط وفي السعودية والبحرين تلعب على وتر الطائفية، وكذلك في سوريا حيث مزقتها رغم أن سوريا لم تعرف سابقاً فكرة الاصطفاف الطائفي، وهو ذات الأمر الذي حدث في لبنان، حيث زرعت “حزب الله” الإرهابي الذي مزق الدولة اللبنانية، بل وأصبح فوق الدولة والقانون فيها.

وأضاف: المحصلة أن إيران تبحث عن الاختلاف ثم تبدأ بتغذيته وتشحن الأطراف ضد بعضها البعض، وهو ما نجحت به في العراق وسوريا ولبنان، لولا رعاية الله عز وجل، وثم قرار الحزم والعزم لخادم الحرمين الشريفين لكان اليمن العاصمة الخامسة ضمن السيطرة الإيرانية.

 

فشل في اختراق المنظومة الخليجية

وأشار الشهري الى أنه ورغم النجاحات الإيرانية؛ إلا أنها فشلت في اختراق منظومة مجلس التعاون الخليجي، لذلك بدأت التسلل عبر قطر منذ العام 1995، ضمن علاقة مشبوهة ظاهرها علاقات سياسية عادية بين الدول، ولكنها كانت تخفي الكثير من الخطط بين الطرفين، فالعلاقات الطبيعية بين الدول لا ضير فيها، ولكن هذه العلاقة بين الدوحة وطهران كانت مشبوهة بكل المقاييس والأدلة، وبدأت قطر تستغل أموالها في العبث بأمن الجار والشقيق، وهو ما يؤخذ على قطر، ولكن ورغم أنه من الحقوق السيادية للدول إقامة العلاقات إلا أنه لن يكون كذلك إذا تم تسخير هذه العلاقات لضرب الشقيق، فإيران كانت حاضرة في مؤتمراتنا وقممنا وعاصفة الحزم ممثلة بقطر.

وأكد أن أخطر ما يمكن أن يتعرض له البيت الخليجي أن يكون مخترقاً من قبل أحد أفراده، وهذا ما نجحت فيه إيران واستطاعت أن تغرر بالأخ القطري ليدور في فلكها ويدخل ضمن مشروع كبير، كان يراد منه أمن السعودية ووجودها كدولة ووجود البحرين والإمارات والكويت والخليج كله.

 

التدخلات القطرية بالسعودية والبحرين

وعن وجود جوانب لا تزال خفية في الأزمة القطرية، على الرغم من أن عنوانها الأبرز دعم الإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، أوضح الشهري أن الهدف الأساسي لدولة قطر ايجاد حلف كبير يدور في فلك إيران، وأن تكون الدوحة هي الراعية لهذا الحلف عن طريق المال.

وأضاف أن المال القطري كان حاضراً في كل الحوادث التي وقعت في البحرين وما تم اكتشافه من أسلحة في العوامية، متسائلاً من أين ستأتي كل هذه الأسلحة الحربية إلى المسورة والعوامية؟

وأكد الشهري أن الأسلحة التي وجدت في السعودية والبحرين والترسانة التي تم اكتشافها في الكويت والطائرات من دون طيار، إلى جانب الأسلحة الضخمة في سوريا، كل ذلك لا يستطيع فرد أو أفراد شراؤه، بل يحتاج إلى إمكانات وتخطيط دول، ويحتاج إلى غرفة عمليات واتصال بالأقمار الصناعية ومركز مراقبة وسيطرة، مبالغ ضخمة حيث رأينا الأسلحة المتطورة والمتقدمة في ليبيا.

وأضاف: كل ذلك كان ضمن المخطط القطري بذريعة سقوط النظام الليبي، ومنذ أول يوم سقط فيه القذافي كانت الطائرات موجودة في بنغازي وأنزلت الكثير من الضباط والأسلحة، وتم دعم أحد المدرجين على قوائم الإرهاب وهو بلحاج؛ والذي أصبح فجأة يمتلك ثروة ضخمة ووكالة طيران وقنوات فضائية.

أما في اليمن؛ فقد كانت دول التحالف تعاني من الاختراقات من خلال المقذوفات، رغم أن الحوثي لا يملك مراقبة جوية ولا طائرات استطلاع، فكيف يمكنهم كشف أماكن تواجد قوات التحالف إلا إذا كانت هناك خيانة في التحالف، والتي حصدت أرواح العديد من الجنود السعوديين والإماراتيين وبقية الدول.

 

المخرج الوحيد أمام قطر

وأشار الخبير الأمني السعودي الى أنه وبعد خروج قطر من التحالف في اليمن تغير الواقع على الأرض بشكل كبير، حيث تقدمت قوات الشرعية بشكل ملفت للنظر، بل وتم تحقيق 3 انتصارات في شهر واحد منذ ما بعد الأزمة القطرية، والأمر ذاته ينطبق على العراق، إذ استطاعت القوات الحكومية استعادة الموصل وطرد داعش من المنطقة، وفي ليبيا تم إخراج “داعش” من بنغازي وعادت للدولة، وفي اليمن نجد انتصارات الجيش والتقدم الكثير في تعز والمخا والشبوة والوازعية واقتربت من صنعاء، فيما أخذ الحوثيون يتاجرون في الآثار والمخدرات حتى يمولوا معاركهم العسكرية؛ لأن الدعم المالي توقف عنهم بعدما كان يستغل في إطلاق الصواريخ لاستهداف الأماكن المقدسة، والتي تدعم تقنياً من قبل خبراء إيرانيون وأعضاء في حزب الله ومن خلال المال القطري.

وعن مدى التوافق التام بين الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب، أوضح الشهري أن بداية المقاطعة كانت رباعية، ثم حاولت قطر تدويل الأزمة وقدمت شكاوى إلى دول العالم ومن ثم مجلس الأمن، ولكن تم الرد على هذه الشكاوى بأن الحل خليجي، وهو ما أجمعت عليه دول العالم مثل أميركا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين، وأن الحل يجب أن يكون داخل المجلس الخليجي.

وأضاف أن الدول الأربع حددت مساران للأزمة، وهو ما صرح به جلالة الملك لدى لقائه بوزراء خارجية الدول الأربع، وكان هذا التصريح إحدى وثائق المؤتمر الصحافي الذي أكد أن لا تفاوض على المطالب الـ 13 ولا بد من تحقيقها كاملة دون التفاف أو تجزئة، أما المسار الثاني فهو ألا يغلق باب التفاوض، ولكن ضمن شرط آليه التطبيق.

واختتم الخبير الأمني السعودي، مؤكدا أن المخرج الوحيد هو التزام الدوحة بكل ما تم الاتفاق عليه سابقا وقبول طلبات الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، إلا أن الزعامات الخمس في الدوحة تعطل هذا الحل، وهي الحمدان والشيخ تميم والكيانات الارهابية التي تحتضنها قطر وقناة الجزيرة، مؤكدا أن المطالب الـ 13 ليست إملاءات بل حلول لإنقاذ قطر وسيادتها مما يتهددها من القوات التركية والإيرانية الموجودة على أرضها.

 

قطر جعلت الأزمة أكثر تعقيدا

من جانبه، أشار رئيس مركز الخليج للدراسات عمر الحسن، أن قطر بمحاولاتها التهرب من التزاماتها جعلت الأزمة أكثر تعقيداً، حيث إن من الواضح أنها لا تريد الحل باعتبار أن الجلوس على طاولة الحوار والبحث في طلبات الدول الأربع تضعها في زاوية، وفي الوقت نفسه تكتشف ما قامت به ضد هذه الدول.

وأضاف الحسن أنه وبالنسبة للبحرين فإنها ومنذ 20 عاماً وأكثر تعرضت لأعمال لا تليق بعلاقات الأخوة من قبل الدوحة، وهو ما تم محاولة تنفيذه في الدول الاخرى اعتباراً من العام 2011 وحتى الان، فالدوحة تقوم بأعمال لا تمت إلى منطق التعاون، والتي هي عضو في مجلس التعاون، من هنا أقول إن قطر حتى اللحظة غير جادة في إيجاد حل لأزمتها، وعليها أن تفكر فيها ملياً وتسرع بحله؛ لأنه كلما طالت ازدادت تعقيدا، وفي الوقت ذاته إذا كانت تعتقد بأن إيران وتركيا ستكونان الملاذ فهي بالتأكيد مخطئة، بل ستكون بلدية من بلديات إيران أو تركيا، أما الآن فهي دولة ذات سيادة وكاملة العضوية في مجلس التعاون جامعة الدول العربية.

 

فرصة الخروج من التاريخ

وعن الادعاء القطري بأن المطالب الـ 13 تمس سيادتها، أشار الحسن إلى أن اتفاق الرياض 2013 و2014 كان فرصة لقطر لتخرج بشكل أساس ومناسب من التاريخ الذي ارتكب من خلاله الأمير السابق ووزير خارجيته حمد بن جاسم أخطاء جسيمة ضد الدول الشقيقة، والتدخل في شؤون الخليج والدول العربية، ومن بينها مصر وتونس وليبيا وطبعا سوريا، وكانت فرصة لقطر ولنظامها الجديد أن تفتح صفحة جديدة، خصوصا أن ما قام به الأمير حمد بن خليفة، وحمد بن جاسم أمور لا تليق؛ سواء التآمر على الملك عبدالله أو محاولة قلب نظام الحكم في الإمارات أو استخدام جماعات إرهابية في البحرين لقلب نظام الحكم، كل هذه الأمور ارتكبها النظام القطري السابق، وكان يمكن للنظام الحالي أن يمحو كل ما قام به الأمير السابق، لكن للأسف لم يتمكن من ذلك لأن مفاصل الدولة القطرية لا تزال تحت سيطرة الحمدين.

وعن المحاولات القطرية لتحسين صورتها في الخارج عن طريق شركات العلاقات العامة، أشار رئيس مركز الخليج إلى أن أعلى المستويات السياسية في الولايات المتحدة وأوروبا، إلى جانب معظم الصحف، أكدت تورط قطر في تمويل واحتواء الإرهابين لديها، مضيفا أنه لن تستطيع قطر من خلال شركات العلاقات العامة، ومهما دفعت من أموال، أن تمحو الصورة إذ ثبت وبشكل قاطع تورط الدوحة في دعم الإرهاب.

واختتم الحسن مشاركته بالإشارة إلى أن قطر، وفي حال رغبتها بأن يكون لها دور وحضور في المنطقة، فلن يكون ذلك إلا من خلال الخليج والعربي، ولا بد لها من مراجعة سياساتها السابقة وأن تتسق مع منظومتها، أما التصعيد من خلال القنوات التلفزيونية والصحف فلا أعتقد أنه سيغير الحقيقة، ومهما دفعت لكتاب وصحف فلا أعتقد أنها تستطيع أن تمحو صورتها السلبية، بل لا سبيل لها إلا الالتزام بالبيت الخليجي وبما وقعت عليها في الرياض.