+A
A-

ميت ويعيش معي!

المشكلة:

مشكلتي التي أعاني منها تؤرقني ليلا ونهارا.. تلازمني في كل ساعة من ساعات اليوم حتى في منامي وأحلامي.. حاولت اللجوء إلى أطباء نفسيين من قبل ولكنهم لم يفيدوني. فأنا لا أعاني من حالات عصبية ولكنني مصابة بحالة نفسية تلازمني منذ 5 سنوات.

لقد توفي زوجي قبل 5 سنوات بطريقة بشعة جدا بعدما أشعل النار في نفسه أمامي، ومنذ لك اليوم وأنا لا أستطيع أن أبعد تلك الصورة عن مخيلتي.. ولكن هذه ليست المشكلة.. المشكلة هي أنني أراه أمامي أحيانا يكلمني.. وأجزم أنه هو بشحمه ولحمه وليس مجرد وهم أو خيال.. لا أحد يصدقني.. وأكاد أكذب نفسي أحيانا ولكنني أراه وأحس بأنفاسه.. يقولون لي إذا استمرت حالتي هكذا فسأصاب بالجنون. هل يعقل أن يكون ذلك كله مجرد أوهام؟ نصحني البعض باللجوء إلى وسطاء الأرواح ولكنني خائفة.. ماذا أفعل؟

 

الحائرة: أم عبدالله


 

الحل:

سيدتي الفاضلة “أم عبدالله”.. حقا إنها مشكلة تستحق التأمل بشيء من العمق والوقفة الإنسانية، فقبل أن أبدأ بمشكلتك، اسمحي لي أن أطرح عليك بعض التساؤلات وذلك من باب الاستيضاح عن غموض معالم مشكلتك وما تخفيها من معلومات قد تفيدنا..

يبدو لي من معطيات مشكلتك أن هناك عوامل عديدة تراكمت وأدت في نهاية الأمر إلى اختلال في توازنك العام الذي أثر بدوره في الجانب النفسي بشكل كبير، مما أدى إلى شعورك بحالة نفسية تلازمك منذ 5 سنوات!

ونظرا لصعوبة توجيه الأسئلة والحصول على إجاباتها منك مباشرة عبر هذه الصفحة، اقترح عليك إن لم يكن لديك مانع بأن تقومي بزيارتي في مكتبي، وسوف أكون على أتم الاستعداد لمساعدتك في التخلص من المشكلة عن طريق جلسات إرشادية، فهذه دعوة مفتوحة لك ولكل من يعاني من مثل هذه المشكلات المأسوية التي قد تؤرقهم في حياتهم، ولكن يفضل أن تعرض المشكلة أولا عبر الصفحة ثم نحاول البحث عن الحل المناسب لها.

وعلى أية حال، لا مانع لدي من أن أحاول الرد على مثل هذه المشكلات بصورة أو بأخرى حتى وإن لم يكن الحل بصورة مكتملة، حيث لابد من التحاور باستخدام الأساليب النفسية العلاجية عبر جلسات الإرشاد النفسي التي تتطلب الاستماع للحالة والرد عليها وخلاف ذلك من تلك الأساليب المتبعة، ولاسيما أن مشكلتك من النوع الذي يحتاج إلى مثل هذه الجلسات إلا أنني سأحاول عبر هذه الصفحة أن أخلص إلى بعض الجوانب المهمة بها وعلها تحقق الهدف المطلوب من عرضها كمشكلة وحل لكي يطلع عليه القراء الآخرون أيضا، ومن ثم تعود فائدتها على الجميع.

عزيزتي أم عبدالله.. إن مشكلتك يشوبها شيء من الغموض وخاصة طريقة وفاة زوجك، حيث إن ملابساتها غير واضحة وأسبابها مجهولة، كما أنها عملية انتحارية بشعة جدا، وكان المشهد الرهيب أمام عينيك مما يصعب نسيانه بسهولة، وإبعاد تلك الصورة عن مخيلتك. نعم إنه أمر طبيعي لرد فعلك لهذا المنظر وخاصة أن زوجك هو الضحية وارتكب الفعل بنفسه، واختار طريق النهاية بهذا الأسلوب المحرم الذي لا يرضي الله سبحانه وتعالى وهو العليم القدير بمصيره! ولكن لا نعلم يا عزيزتي ماذا كان وراء هذه الفاجعة الأليمة، فظروفها غامضة وأسبابها غير معلومة لنا.

فحبذا لو عرفنا تلك الأسباب والظروف لسهل الأمر لنا كثيرا.. ولكن على أية حال راح زوجك انتهى وبقي خياله يطاردك ليلا ونهارا، وأصبحت أنت تعانين وتتعذبين وتعيشين المأساة كل لحظة؛ لأنه لم يمت بطريقة طبيعية ولهذا السبب أنت غير قادرة على نسيانه، وهذا الأمر يتطلب وقتا طويلا لكي تمحى صورة هذه الدراما الحية من مخيلتك، وأنا أعذرك تماما طالما تعيشين هذا الوضع الوحشي وحدك دون أي مساعدة علاجية، ولك الحق في قولك إنك تعيشين هذه الأوهام والخيالات والكوابيس. ولكن ما يعجبني فيك أنك إنسانة مؤمنة وما زلت تبحثين عن أي قشة تنقذك من هذا الغرق المظلم. فتأكدي أن بهذا البصيص من الأمل الذي ما زلت تدخرينه للخروج من هذا المأزق لابد أنك بالمقابل ستجدين طريق العلاج قريبا بإذن الله تعالى، فتفاءلي بالخير.

أنصحك بالابتعاد عن الخزعبلات والشعوذة، لا داعي لمثل هذه الأمور، ستسيء إليك أكثر مما أنت عليه الآن، بل اتبعي أساليب العلاج الصحيحة عبر الطب النفسي أو الإرشاد النفسي أو الإرشاد الديني؛ لأنها الأمثل لمساعدتك من التخلص مما أنت فيه الآن.

فأسهل ما يمكن القيام به حاليا هو الاختلاط بالناس والانشغال بأمور نافعة وممارسة الرياضة، فلتكن رياضة المشي مثلا.

وأنصحك بقراءة القرآن؛ لأنها أفضل وسيلة روحية تخشع لها النفس وتقربك إلى الخالق العظيم في صورة وجدانية عميقة. لا شك أن هذا سيخفف عنك الكثير من تلك الأوهام والخيالات وستشعرين بالراحة والطمأنينة النفسية. ولكي تكتمل هذه الصلة الإلهية، أقترح عليك بزيارة بيت الله الحرام لأداء مناسك العمرة أو فريضة الحج في القريب العاجل، وأخيرا.. مع تمنياتي لك بحياة سعيدة وموفقة إن شاء الله.