+A
A-

القصة البحرينية تحظى بنصيب من الترجمة لحسن مرحمه

كانت هي البداية في مشواره لترجمة مجموعة من القصص البحرينية لعدد من كتاب القصة القصيرة الأوائل والرواد والمعاصرين وتقديمها في منجز أدبي باسم “أصوات بحرينية 2 في القصة القصيرة”، الذي يأتي بعد تجربته الأولى في ترجمة مجموعة من القصائد الشعرية المعاصرة قبل سنوات عديدة، ويشير حسن مرحمه إلى أن بدايته مع تجربته في ترجمة القصة البحرينية كانت صعبة بحسب وصفه على مستوى الحصول على مواد الترجمة وكيفية اختيار القصص والمعايير التي يبني عليها اختياره للقصص، إضافة إلى كرونولوجية القصص والفترة الزمنية وتنوع الفكرة وحجم البناء القصصي من أجل الحصول على خلاصة تغطي تطور القصة البحرينية منذ بداية هذا القرن وتكون في المستوى الذي يبحث عنه المتلقي في بريطانيا، إيرلندا، استراليا، أميركا، الهند وفي بقية دول أوروبا والعالم.

وجاء ذلك، خلال الأمسية التي نظمها ملتقى القصة القصيرة بأسرة الأدباء والكتاب وبين الأستاذ المساعد للغة الإنجليزية بجامعة البحرين سابقًا خلال حديثه أن كتاب القصة القصيرة في الخليج العربي 1981 للدكتور إبراهيم غلوم يحدد تاريخ نشأة القصة القصيرة في المنطقة إلى ما بعد اكتشاف البترول وبالتحديد إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتزامن مع اكتشاف البترول ظهور الطبقة المتوسطة التي لعبت دورًا بارزًا في الساحة الأدبية، مضيفًا أن الكل يعلم أن منشأ القصة بشكل عام وفي الأساس شفوي أو شفهي (أورال).

ويضيف حول أصل وبداية القصة قائلاً: ومما لا شك فيه أن ظهور المقاهي والأندية الشعبية والجلسات العامة بأشكالها في منطقة الخليج وخاصة البحرين التي كانت الطبقة المتوسطة ترتادها عادة ساهم في بناء الركيزة الرئيسة في نشوء القصة القصيرة عن طريق تبادل الآراء في المسائل الأدبية أو الاستماع إلى الحكايات الشعبية أو القصص المحلية والعربية، إضافة إلى دور المجلات في البحرين مثل صوت البحرين وصدى الأسبوع التي كانت تنشر أنباء الأدب من الدول العربية.

ومن أجل أن تكتمل الصورة وتحظى القصة البحرينية بنصيب لها في فن الترجمة يؤكد الدكتور حسن مرحمة أهمية دراسة البيئة الأدبية القصصية أولاً وبدقة متناهية انطلاقًا من هذه النقاط قبل البدء في ترجمة القصص، وهذه الخطوة ساعدت المترجم على التعرف على نفسية الكاتب البحريني وميولة واتجاهاته الأدبية وتأثير الكتاب العرب على أفكارهم ونهجهم الأدبي وخاصة كتاب القصة المصريين، إضافة إلى المدارس الواقعية والرومانسية التي تأثر بها الكتاب البحرينيين والدور البارز للكتابات ذات الصبغة الأخلاقية، التي كانت تنادي بالعدالة والمساواة وتطبيق القيم الأخلاقية في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي.

وللوصول بالمنجز الأدبي الخاص بالترجمة ومنه ما حظيت به القصة البحرينية في التجربة التي نحن بصددها اليوم يشدّد حسن مرحمة على أن عملية الترجمة يجب أن تتطلب عاملين آخرين، الأول هو الآلية التي بموجبها تعمل الترجمة، وبمعنى آخر هل القصد من العملية هو ترجمة حرفية أم نقل لغوي من نص إلى نص آخر أو الهدف هو نقل كل ملامح الأدب أو الثقافة التي يمثلها النص، والعامل الثاني هو استجابة القارئ لهذه النصوص المترجمة، وانطلق مرحمة عبر تطبيق آلية شاملة في عملية الترجمة تحاشى فيها بقدر الإمكان النقل الحرفي من النص الأصلي إلى النص الاخر لتتجاوز حدود النقل المباشر.

ويضيف في هذا الجانب قائلاً: اليوم نحن ندرّس الترجمة ليست على أنها عملية تحويل لغة إلى لغة ثانية، بل في الواقع هي ممارسة ثقافية وعلينا نسيان المقولة التي تدعي بأن الترجمة هي مجرد تحويل حرفي منظم ودقيق للنص الأصلي، نحن نعلم اليوم أن هناك توجد علاقات وثيقة بين اللغة والثقافة وكذلك ارتباط ديناميكي بين النصين الأصلي والمترجم، كما أن هناك قوانين تحدد وتقيد النص الأصلي وقوانين تحدد صلاحية النص المترجم، إن الترجمة هي عملية تحول منظم وتحول قابل للتغير والتنوع والمصطلح الذي يستخدم في هذه الحالة والتي هي مأخوذة من النقد ما بعد البنيوي، هو استطرادي وطبقًا لهذا التعريف يصنف الفيلسوف الفرنسي ميشل فوكو الترجمة كخطاب يتم تداوله وتوزيعه طبقًا للإجراءات والضوابط والشروط، وأهم هذه الضوابط هي تفادي بقدر الإمكان الانفرادية في انتقاء معنى محدد للنص المترجم.

وقدّم حسن مرحمة نظرة شاملة على القصص التي حصل عليها من مصادر مختلفة ونالت نصيبها من الترجمة، عددها 25 قصة قسمها كرونولوجيا زمنيًّا على فترات ابتدأت من الخمسينات حتى الوقت الحاضر بحسب اتجاهاتها الأدبية، المجموعة الأولى وهي “حائرة” لمحمود يوسف و”جناية أب” لأحمد سلمان كمال و”السيد” لعلي سيار، هذه القصص الثلاث تعالج مشكلات اجتماعية في المجتمع البحريني والآثار السلبية للطلاق وتعدد الزوجات ومصير الأبناء بما فيها من طابع وعظي للقصتين الأولى والثانية.

أما المجموعة الثانية من القصص التي كتبت بعد الستينات فإنها تمثل قمة نضج القصة القصيرة البحرينية المعاصرة من فن السرد الروائي والأسلوب والفكرة العامة واستخدام العناصر الروائية وهي تتنوع بين الواقعية والرومانسية بفروعها كالمغامرة والحب والتمرد، وهذه المجموعة تبدأ بقصة محمد عبدالملك “موت صاحب العربة” والتي إلى حد ما تتجاوز الواقعية لتصل إلى حدود الطبيعية، ومحمد عبدالملك هو رائد المدرسة الواقعية في البحرين وتأثيره على بقية الكتاب البحرينيين واضح وجلي ثم قصة “الحصار” لعبدالقادر عقيل ثم “امرأة في الذاكرة” لعائشة عبدالله غلوم ثم خالد لوري.

وفي المجموعة الثالثة قال: المجموعة الثالثة من القصص المسار المعاكس للواقعية والرومانسية وتشمل قصة “لمن يغني القمر” لمحمد الماجد “لحن الشتاء” لعبداللة خليفة “ للصوت ... لهشاشة الصدى” لمنيرة الفاضل و”الحلم وجوه أخرى” لخلف أحمد خلف و”ثرثرة في شارع (بليس) لنعيم عاشور و”الغرفة الزجاجية” لجمال الخياط، ومع تغير المسار الروائي يتغير تطبيق عملية الترجمة طبقًا لبنية القصة وبسبب اندفاع وانفلات اللاوعي في رسم كلمات النص هناك احتمال كبير أن يفقد المترجم الخيط الأساسي في القصة، هنا تكون أوجه السرد غير محددة و الأصوات تندفع من كل جانب والحوار يجري من دون أن نعلم من المتكلم ومن الراوي وهذا النمط من السرد الذي يسمى بالدرامية أو الموضوعية  يواكب فكرة الغثيان والإحباط واللامبالاة واللاوعي، التي تجري في عروق شخصيات هذه القصص.

ويختتم حسن مرحمة حديثه قائلا: إذن هذه هي المجموعة الكاملة للقصص التي حصلت عليها عن طريق الأصدقاء أو الكتا?ب أنفسهم أو المكتبة العامة أو الانترنت، وتم تصنيفهم و ترجمتهم على حسب فهمي لهذه القصص وأنا لا أدعي أبدا بأن الترجمة كانت مطابقة للنص الأصلي حرفيا ولا أدعي بأن تصنيفي لهؤلاء الكتا?ب هو المطلق، في الحقيقة ما حاولت أن أفعله هنا هو أن أنقل للقارئ الناطق بالإنجليزية صور من القصة البحرينية المعاصرة بملامحها الثقافية و الاجتماعية و السيمائية، كما كانت محاولة لإلقاء الضوء على بعض النقاط فيما تتعلق بترجمة القصة البحرينية القصيرة إلى الإنجليزية وأهمها أن القصة البحرينية وصلت مرحلة الاستحقاق والتقدير ومن الضروري أن يتذوقها القارئ الأجنبي وخاصة الناطقين بالإنجليزية.