+A
A-

أمين صالح: المد في كل بحور السينما العالمية

ثمة شخصية بحرينية تتواجد في احداث السينما العالمية بمختلف مدارسها، يسير معها بشكل منظم ودقيق، عرفنا على “بيرتولوتش” و“جــــــــــــــــودار” و“فيســكــــونتــــــــي” و”كيروساو” و”بازوليني” وغيرهم من اصحاب طرق المجد في السينما. أمين صالح أهم وأغزر من كتب عن السينما بالمعنى الحقيقي ومنهجها الفني باعتبارها قوة ذات تأثير اجتماعي فعال وهي قادرة بقوتها وطاقتها على تجسيد اكثر المواد تعقيدا في واقع الحياة المعاصرة وعلى نقل روح الزمن ومعرفة الانسان.

جديد الأديب البحريني والمترجم الكبير أمين صالح ترجمة رائعة لكتاب “السينما التدميرية” لأموس فوغل وهو مؤسس ومدير سينما 16 من أكبر واشهر الجمعيات السينمائية في اميركا وعمل كمدير لمهرجان نيويورك السينمائي ودائرة الفيلم بمركز لينكولن لغاية 1968 وكان مسؤولا عن اكتشاف العديد من المواهب الجديدة طوال اكثر من عشرين عاما. ولد بالنمسا عام 1921 وتوفي في نيويورك عام 2012.

ينقسم الكتاب الى 4 اقسام، القسم الاول عن “اسلحة الهدم، تدمير الشكل “، وفيه نقرأ،الطليعة الثورية في السينما السوفيتية، الجمالية والثورية، التعبيرية: سينما القلق، السوريالية: سينما الصدمة، الدادائية وفن البوب: ضد الفن، الكوميديا: طاقة تدميرية، هدم الزمن والمكان، تحطيم الحبكة والسرد، الهجوم على المونتاج، انتصار وموت الكاميرا المتحركة، السينما التجريبية، التحرر من اللغة، هدم التخوم الاخرى.

ويقدم المؤلف مع كل عنوان اسماء الافلام ذات العلاقة، فمن افلام السوريالية، سينما الصدمة نقرأ على سبيل المثال عن فيلم “يوكي كوري” اليابان 1964 وكذلك فيلم “سحر البرجوازية الخفي” للويس بونيل، فرنسا 1972 وفيلم “الهدية” لجاك فوسو، ديك روبرتس فرنسا 1961 وغيرها.

اما القسم الثاني فيقع تحت عنوان “أسلحة الهدم، تدمير المضمون” وفيه نقرأ عن “اليسار العالمي والسينما الثورية، والسينما السياسية في الغرب : جوداريه، ماوية، يسار جديد. والهدم في اوروبا الشرقية: استعارات ايسوية، العالم الثالث: سينما جديدة. المانيا الشرقية: الاسلوب الدعائي، السينما النازية: شاعرية رهيبة، افلام سرية: افلام تكتشف. ومن الافلام التي ملأت هذا الفراغ فيلم الوخز بالابرة لتلفزيون بكين العام 1971، وفيلم الصبي لناجيزا اوشيما اليابان 1969 وفيلم حب ليوجي كوري اليابان 1964 وفيلم عشاء لمدة ثلاث دقائق لجان بول فروم هولندا 1969 وغيرها.

وعالج الجزء الثالث من كتاب اموس فوغل “اسلحة الهدم، الموضوعات المحظورة “، مثل قوة التابو، والهجوم على التطهرية، وسينما الايروسية والبورنوغرافيا، واللغز الاول: الولادة، اللغز الاخير: الموت، التجديف، الرعشة والسحر.

ويكشف لنا فوغل عن هذه الافلام ومنها “ حسناء النهار” لبونويل، فرنسا 1966، “ اغنية حب” لجان جينيه” فرنسا 1950 “ البرتقالة الآلية” دونالد ريتشي اليابان 1968.

وفي القسم الرابع والاخير تحدث فوغل عن موضوع “نحو وعي جديد” وفيه “الثقافة المضادة والحركة الطليعية” و “تدمير التدمير” و “التدمير الازلي”. وهنا يبين ان مرحلة الستينات شهدت بداية نوع جديد من التدمير، والذي بالرغم من نعومته ولطفه وعدم لجوئه الى العنف، الا انه شكل تهديدا خطيرا وشاملا للمجتمع المؤسس، ومن المحتمل ان تقوم الاجيال المقبلة بدراسة ظاهرة بزوغ حركة الثقافة المضادة وودستوك، البيتلز، بوذية زن، ابناء الزهور، المدارس الحرة. كبداية لسياسة راديكالية جديدة في اواخر القرن العشرين، ذلك لان الشباب هنا قد اعلنوا استقلالهم عن المعرفة الملقنة المسلم بها والانماط الثابتة مبدعين حياتهم الخاصة والبديلة التي توحد.

ان من يستعرض الكتب السينمائية التي ترجمها امين صالح وهي “ الوجه والظل في التمثيل السينمائي” “ النحت في الزمن، تاركوفسكي” “ حوار مع فدريكو فلليني” “ الكتابة بالضوء” “ عالم ثيو انجيلوبولوس” “ عباس كيارستمي، سينما مطرزة بالبراءة” “ سينما فرنز هيرزوغ، ذهاب الى التخوم الابعد” يتبين له ان هذا الرجل كان الناقد الموجود في جميع النقاشات السينمائية، فما من قضية فنية او ادبية تثار الا ويتصدى لها، وما من رأي يطرح حول السينما بكل اتجاهاتها الا وينبري امين صالح لتقييمه ومناقشته. انه أشبه بالمؤلف الضخم عن تاريخ السينما بمختلف مراحلها التاريخية، كالمد في كل بحور السينما وسيظل اسمه خالدا يضيء كالشهاب في ليل العالم.