+A
A-

“التوحش العمراني” يضع البحرين على أعتاب كارثة بيئية

زيادة حرارة البحرين درجة كل 10 سنوات

طول فصل الصيف أخر موسم الإثمار

إزالة الغطاء النباتي تعزز بروز ظاهرة “الجزر الحرارية”

لا دراسات تقيس أثر التجريف على البيئة والصحة والمناخ

ملاك يتعمدون قتل المزروعات ليسهل عليهم جرف الأراضي

قانون حماية الأراضي الزراعية “في ذمة الله” ولا بيان لأسباب الوفاة

لفرض ضريبة الضرر البيئي على المستثمرين

البكري: عازم على تشريع قانون يحمي ما تبقى من الرقعة الخضراء التعويل على أشجار مستقدمة أقوى تحملا من الأصيلة

 

تشير عقارب الساعة إلى الحادية عشرة صباحا من يوم الأربعاء الموافق 8 نوفمبر 2017، ولا شيء سوى صوت الجرافة يملأ المكان، تروح وتجيء، تسوي الأرض التي كانت في يوم من الأيام تعج بأسراب الطيور، التي يبعث نغمها في النفس البهجة والسكينة.

هناك، على الجانب الآخر، غرفة إسمنتية صغيرة، يجلس أمامها رجل خمسيني على كرسي أسود اللون، مديرا بظهره للجرافة، يقتنص اللحظة؛ ليناجي فيها النخيل والأشجار التي لم يحن وقت اقتلاعها بعد.

الحاج جعفر نصيف، الذي يعمل في إحدى مزارع قرية المقشع، وشى لمندوب “البلاد” بما هو أقسى من ذلك المشهد، حين قال بصوته المتحشرج ولهجته القروية: “هذي الجرافات ما بتوقف، بتقلع المزرعة كامل، هذا اللي قاله لينا راعي المزرعة”.

وأضاف “مو بس هالمزرعة، حتى المزارع اللي صوبنا خبروا المزارعين فيها إنهم راح يقلعونها”.

ولدى سؤاله عن خططه المقبلة، قال “بقعد في البيت، بعد ويش أسوي”.

إن هذا المشهد يبدو للوهلة الأولى لكثير من الناس مشهدا عابراً، لا يستحق التوقف عنده؛ لما اعتادوه من مشاهد اقتلاع المزارع والغطاء الأخضر الذي كان يملأ يوما ما مساحات واسعة من مناطقهم، فيا ترى هل هناك داع للتوجس خيفة من أعمال التجريف هذه؟

يؤكد الباحث البيئي شبر الوداعي أن استمرار أعمال التجريف للرقعة الزراعية بذات الوتيرة، سيؤدي في المدى المنظور إلى “حصول تدهور كارثي إن صح التعبير”.

وأما الباحث في مجال الاقتصاد البيئي حميد عبدالغفار فأجاب عن هذا السؤال بطريقته الخاصة قائلاً “أنا أعتقد أنه ستعلق لوحة يكتب عليها أنه كان هنا ذات يوم بلد اسمها البحرين”، ومضيفا: ستصبح بلا شك منطقة خطيرة لا يمكنها أن تكون مكاناً مناسباً للسكنى.

فيما أشار الباحث البيئي علي التاجر إلى أن أحد النماذج المحاكية التي ضمنها في رسالة الماجستير، توقع أن تزيد درجة الحرارة في البحرين درجة واحدة كل 10 سنوات، في حال استمر تراجع الغطاء النباتي على ما هو عليه، مبينا أن هذا المقدار من الزيادة خطير جدا.

 

اختلال الميزان البيئي

إن للغطاء النباتي دورا مهما لا بديل عنه في تحقيق التوازن البيئي، والمحافظة على التنوع الحيوي على وجه الأرض، فما الأضرار البيئية التي أحدثها تدهور الغطاء النباتي في مملكة البحرين؟

الأرقام الرسمية تتحدث عن تراجع كبير شهدته الرقعة الزراعية في المملكة في غضون السنوات السبع الماضية، إذ نشرت وكالة الزراعة والثروة البحرية في العام 2010 آخر إحصاء لها عن واقع الغطاء النباتي في البحرين.

وأثناء السعي للحصول على إحصاءات رسمية نرصد من خلالها مسار تراجع الرقعة الخضراء خلال هذه السنوات، بدا أن آلة الحساب البحرينية توقفت عند ذلك العام، أو العام الذي يليه عند آلة الحساب الخليجية، إذ سجلت إحصاءات الأمانة العامة لدول مجلس التعاون مساحة الأراضي الزراعية في 2011 بنحو 3750 هكتارا.

وفي الوقت الذي يعول فيه على الزراعة التجميلية كأحد البدائل التعويضية عن المساحات الزراعية المجروفة، تظهر الأرقام الرسمية الصادرة عن الهيئات البلدية الأربع أن إجمالي مساحة هذا النوع من الزراعة لا يتجاوز 357 هكتارا، مقابل نحو 1500 هكتار زراعي تم جرفه خلال 7 سنوات فقط، كما أشارت إليه آخر تصريحات مسؤولي وكالة شؤون الزراعة والثروة البحرية.

الأضرار البيئية

وفيما يتعلق بالأضرار البيئية، تأكد للصحيفة انعدام وجود دراسات وطنية علمية ترصد الآثار البيئية وغيرها المترتبة على تراجع الغطاء النباتي في المملكة.

وجرى التواصل مع المجلس الأعلى للبيئة؛ للاطلاع على دراساتهم بشأن تأثيرات تراجع الرقعة الخضراء على معدلات التلوث، والمناخ، والمبادرات التي يعملون على إطلاقها في هذا الصدد، والمخاطر المحتملة في حال استمرار وتيرة التراجع، إلا أن موظفي إدارة العلاقات العامة بالمجلس أكدوا في اتصال هاتفي مع الصحيفة عدم اختصاصهم بهذا الشأن.

كما لم يستجب المجلس أيضا لطلب الحصول على إحصاء مقارن لجودة الهواء في مملكة البحرين.

ومن جانب الفلاحين، أكدوا أن المناخ في البحرين لم يعد كما هو في السابق، وأن ذلك انعكس على مواسم إثمار المزروعات.

إذ أشار الفلاح فردان القيدوم إلى أن موسم إثمار المزروعات أخذ يتأخر عن السابق، فكان يبدأ الموسم بحلول شهر سبتمبر، إلا أن طول فصل الصيف في الوقت الحاضر أصبح يؤخر نمو المزروعات إلى منتصف أكتوبر وأحيانا إلى شهر نوفمبر.

وهو الأمر ذاته الذي أكده الفلاح الحاج عباس حين قال “قبل كنا نواجه صعوبة في شهر ثمانية بس، وما يجي شهر تسعة إلا طلع الزرع واعتدل الجو، بس الحين يجي شهر احدعش وتوه يعتدل الجو ويطلع الزرع”.

الجزر الحرارية

وفي هذا السياق يقول الباحث علي التاجر: إن تدهور الغطاء النباتي يعني إحداث خلل في دورة الكربون، ودورة النيتروجين، ودورة الماء.

وأشار إلى أن أحد الباحثين البحرينيين درس ظاهرة “الجزر الحضرية الحارة” في مملكة البحرين، والتي يعد أحد أبرز مسبباتها استبدال الغطاء الطبيعي من نبات أو ماء أو تربة بغطاء آخر اسمنتي، بما يؤدي إلى جعلها بمثابة البؤر التي تنفث الحرارة في محيطها.

وذكر أن هذه الدراسة التي أجراها الباحث على جزيرتي أمواج وديار المحرق، كشفت عن ارتفاع درجات الحرارة في تلك الجزيرتين عن السابق.

وأضاف: أنا وخلال دراستي لنيل درجة الماجستير بين العامين 2007 و2012، خلصت إلى أن المحرق هي أكثر جزر مملكة البحرين حرارة، وهذا ما يؤكد أثر التمدد العمراني على رفع درجات الحرارة وتشكل البؤر الحرارية.

وتابع: في بحثي عن جودة الهواء، لاحظت أن العلاقة بين الحرارة والرطوبة في المحرق مختلة، ففي أي مكان تجد أن علاقة الحرارة بالرطوبة عكسية.

إلى ذلك، نبه الباحث حميد عبدالغفار إلى عدم وجود دراسات تقيس الأثر البيئي على نفسية الإنسان، وصحته.

وقال: إن مملكة البحرين كانت تتمتع بمناطق ذات تنوع حيوي كما هو في خليج توبلي، حيث تجد في المتر المربع الواحد مختلف أنواع الكائنات الحية، وهي تعيش دورتها الطبيعية، هذا الذي نتحدث عنه دفن وتم بيعه، في الوقت الذي كان يرفد فيه هذا المتر البحر لآلاف السنين بالأسماك.

وأما الباحث البيئي شبر الوداعي فيقول: سابقا، كان الناس يكفيهم أن يستلقوا تحت ظل شجرة بكل راحة؛ لأنه لم يكن هناك ملوثات تؤذي المناخ، ولكن إزالة الغطاء النباتي وذهاب المياه وزيادة الضغط السكاني أدت إلى اندثار العديد من الكائنات، وارتفاع معدلات التلوث في الجو، والإضرار بصحة الإنسان، إذ بذهاب الغطاء النباتي لم يعد هناك ما يلطف الجو وما يرعى التنوع الحيوي.

وعملت الصحيفة على رصد 3 متغيرات مناخية جديرة بالدراسة، تم الحصول عليها من إدارة الأرصاد الجوية، أشارت إلى ارتفاع متوسط درجات الحرارة وانخفاض متوسط الرطوبة السنوية، إلى جانب تذبذب مستويات هطول الأمطار خلال السنوات من 2000 وحتى 2017.

وعن هذه الإحصاءات، علق أستاذ الفيزياء التطبيقية ورئيس الجمعية الفلكية البحرينية وهيب الناصر بأن الأرقام بينت أن مستوى هطول الأمطار (وليس تكرارها) من 2013 وحتى 2016 كانت أكثر منها في الأعوام 2008 و2010 و2001، بينما كان العام 2008 هو الأقل هطولا للأمطار، في حين كان متوسط درجة حرارته أقل من الأعوام 2013 إلى 2016 بمقدار درجة.

ولفت إلى أن هذا الأمر يصعب تحليله وتفسيره، ويتطلب عمل نمذجة رياضية تربط ذلك مع عوامل جوية أخرى، وظواهر طبيعية رئيسة مثبتة، من دورة النانو والنينا والنشاط الشمسي ودورة البقع الشمسية؛ لما لها من تأثير على منظومة الطقس.

ورأى أن الملفت للانتباه من خلال هذه الأرقام هو الانخفاض الملحوظ في الرطوبة النسبية، إذ كان متوسطها في الفترة من 2000 إلى 2007 حوالي 61 %، أعقبه انخفاض كبير ومتسلسل من 2009 إلى 2012، ثم الثبات سنتين تقريبا، ثم الارتفاع في 2015 ولكن إلى مستوى 58 % من الرطوبة بعد أن وصل متوسط الرطوبة حدا أدنى في العام 2012 بمقدار 50 %.

ورأى أنه لا يمكن أيضا غض الطرف عن تغير الرقعة الأرضية للبحرين، حيث تم دفن الكثير من البحر لإقامة مشاريع خدمية وتنموية.

وأما استشاري الأورام علي حسن فأشار إلى إمكانية وجود علاقة غير مباشرة بين أورام وأمراض الجهاز التنفسي وإزالة الغطاء النباتي؛ على اعتبار أن الغطاء النباتي يمثل مصفاة طبيعية تنقي الجو من الملوثات، التي قد تتسبب بتكون أورام الجهاز التنفسي.

وأكد على عدم وجود دراسات محلية درست العلاقة بين تراجع الغطاء النباتي في البحرين وتشكل هذا النوع من الأورام.

حمّى التنمية العمرانية

إن إدراك حجم الأخطار المترتبة على انحسار الرقعة الخضراء، يجرنا إلى الرجوع للبحث حول الأسباب التي دفعت الملاك للتخلي عن أراضيهم الزراعية.

عدنا للحاج جعفر نصيف، إذ أكد أن العائد المادي الضعيف لمهنة الزراعة هو الذي يدفع ملاك المزارع إلى استبدال نشاطها بنشاطات أخرى ذات عائد مادي كبير.

وليس الحاج جعفر وحده، فالفلاح الحاج عباس الذي حل مندوب الصحيفة ضيفا على مزرعته في كرانة، رأى أن الزيادة في عدد السكان وازدياد الطلب على المشاريع العقارية أدى إلى لجوء العديد من ملاك المزارع لتحويل نشاطها إلى مشاريع عقارية؛ نظرا للعائد المادي الضعيف للنشاط الزراعي.

وأما الحاج خليل الذي يعاون أخاه في رعاية مزرعته في قرية الديه، ذكر أن ملاك المزرعة كانوا قد عزموا قبل سنوات عدة على إلغاء مشروع المزرعة، واستبداله بمشروع عقاري، إلا أن هذا المشروع ألغي، منوها في الوقت نفسه إلى أن أبرز أسباب تراجع الرقعة الزراعية في البحرين هو تحول الأنشطة الزراعية إلى أنشطة عقارية.

وكذلك قال الفلاح الحاج فردان القيدوم، الذي يرعى إحدى المزارع في قرية باربار: إن السبب الرئيس لتقلص أعداد المزارع وتجريف الرقعة الخضراء في البحرين ليس مرتبطا بالظروف البيئية، بقدر دور الزحف العمراني على المزارع التي لا يملكها مزارعوها.

وفي هذا الإطار، أشار الباحث حميد عبدالغفار إلى أن غياب السياسات الإسكانية كان له دور بارز في إحداث طفرة عمرانية، اجتاحت مساحات واسعة من تلك الرقعة الخضراء.

وأما الباحث شبر الوداعي فذكر أن الطفرة النفطية، وحُمّى التنمية العمرانية، لعبتا دورا رئيسا في تراجع هذه الرقعة، إذ دفع ذلك أصحاب المزارع إلى تعمد قتل المزروعات لتغيير استخدامات الأراضي، في مشاريع استثمارية أكثر ربحية.

وتشير الأرقام التي حصلت عليها الصحيفة من هيئة البحرين للمعلومات والحكومة الإلكترونية إلى أن المملكة شهدت قفزة عمرانية كبيرة بين العامين 2001 و2017 بمعدل 8.6 ألف مبنى جديد سنويا.

“القتل الصامت” للرقعة الخضراء

إن تحويل النشاط الزراعي إلى نشاط آخر ليس خاضعا لرغبة مالك الأرض فقط، وإنما تدخل في تقرير ذلك جهات عدة منها الهيئة العامة للتخطيط العمراني، ووكالة شؤون الزراعة والثروة البحرية، إضافة إلى المجلس البلدي، وذلك عبر آلية “تغيير التصنيف”.

فتغيير التصنيف بات بمثابة القاتل الصامت للرقعة الخضراء في المملكة، خصوصا في ظل عدم وجود قوانين تحمي الأراضي الزراعية من تغيير تصنيفها، سوى منطقة الحزام الأخضر، والتي بدورها لم تصمد كثيرا أمام زحف الوحش العمراني، حتى طالتها أنياب التغيير مؤخرا، وحولتها إلى منطقة عمرانية خضراء.

المحرق والعاصمة

ففي محافظة المحرق، قال رئيس اللجنة المالية والقانونية بالمجلس البلدي غازي المرباطي إن المواقع التي كانت تحمل تصنيفا زراعيا في المحرق هي 4 مواقع.

وأضاف أن أولها في عراد، وتحول إلى تصنيف سكني، والثاني في قلالي، وهو موقع زراعي نشط تم تحويله إلى تصنيف مشاريع ذات طبيعة خاصة، وآخر في سماهيج تحول إلى تصنيف سكني، والرابع في منطق الدير.

وذكر أن هذا المخطط المتبقي في الدير يتكون من 6 عقارات، أحدها مشتل الدانة التابع لبلدية المحرق، إذ ورد لمجلس بلدي المحرق طلب لتغيير تصنيف عقارين من هذا المخطط، أحدهما مشتل الدانة، والآخر مزرعة يراد تحويلها إلى تصنيف عقاري.

ولفت إلى أن هذه العقارات الخمسة المتبقية هي مزارع ذات ملكية خاصة ونشطة.

وأما محافظة العاصمة، فأكد رئيس اللجنة الفنية بمجلس الأمانة مجدي النشيط أن المحافظة فقدت نحو 80 % من غطائها النباتي خلال الأعوام الثلاثين الماضية.

وذكر أن الرقعة الزراعية في المحافظة كانت تتركز في عدد من المناطق، وهي توبلي، الكورة، سند، جدعلي، هورة سند، النويدرات، العكر، سترة، النبيه صالح، كرباباد، خليج توبلي، عذاري، البلاد القديم، البرهامة، الصالحية، جدحفص، والسهلة الجنوبية، حيث كانت تشكل وفقا لتقديراته نحو 40 % من المناطق الزراعية في المملكة.

وأشار إلى تعمد بعض الملاك قتل مزروعاتهم من خلال تركها دون ري، مما يسمح لهم بعد ذلك بتجريفها وتغيير نشاطها دون أي مشكلة.

وتوقع أن يستمر التجريف لما تبقى من رقعة زراعية وتحول جميع محافظة العاصمة إلى مناطق تعميرية، خصوصا بعد أن أصبحت تلك المزارع (الدواليب) سببا لمضايقة الأهالي المحيطين بها بالروائح الصادرة عنها.

الشمالية والجنوبية

وفي المحافظة الشمالية التي تضم أكبر عدد ومساحة من الأراضي الزراعية في مملكة البحرين، قال رئيس اللجنة الفنية بالمجلس البلدي علي الشويخ إن مساحة الأراضي الزراعية التي وردت للمجلس طلبات بتغيير تصنيفها خلال الدورين الثاني والثالث من الفصل التشريعي الحالي بلغت نحو 259 هكتارا مكونة من 108 عقارات.

ولفت إلى أن هذه التصنيفات توزعت على عدد من المناطق، وهي: جنوسان، الهملة، بوري، باربار، كرزكان، الجسرة، سار، مقابة، البديع، جد الحاج، كرانة.

وأما المحافظة الجنوبية فهي أقل المحافظات نصيبا من المساحات الخضراء، حيث تتميز بطبيعتها الصحراوية، ما عدا بعض المناطق القليلة جدا عند مناطق دار كليب والزلاق وعوالي.

حماية المزارع بالقانون

بات من الواضح أن أحد أبرز أسباب استمرار أعمال التجريف للرقعة الزراعية، هو غياب التشريع الذي يحمي هذه الرقعة من التجريف.

وتوجهت الصحيفة بالسؤال إلى عضو لجنة المرافق العامة والبيئة بمجلس النواب محسن البكري حول الاهتمام التشريعي الذي تحظى به القضايا ذات العلاقة بالرقعة الزراعية والشأن البيئي لدى المجلس، إذ أكد أن عدد التشريعات المقدمة في هذا الشأن محدود جدا.

وأعلن عن عزمه التقدم بتشريع نيابي يحفظ به ما تبقى من الأراضي الزراعية في مملكة البحرين، ويمنع تغيير تصنيفها لممارسة أنشطة أخرى عليها.

وأوضح بشأن مشروع قانون البيئة المحال من الحكومة إلى المجلس، أن اللجنة انتهت من دراسته وأحالته إلى هيئة المكتب؛ لطرحه على جدول أعمال المجلس منذ مايو 2016، وليس معلوما حتى الآن متى تعتزم الهيئة طرحه على جدول أعمال المجلس.

وأما رئيس لجنة المرافق العامة والبيئة بمجلس الشورى محمد علي حسن، فأشار إلى أن التشريعات الصادرة في ما يتعلق بالشأن الزراعي، صدر بعضها على شكل قوانين منذ مدة طويلة، وبعضها مستمد من قوانين مجلس التعاون الخليجي، كقانون المبيدات، والحجر الزراعي، فيما صدر بعضها على هيئة قرارات وزارية.

ولفت إلى أن اللجنة حاليا ليس لديها أي تشريعات تتعلق في هذا الشأن.

وعبر عن أمله في أن يتم تطوير التشريعات المقرة حاليا، وأن تسن قوانين جديدة ملائمة للحفاظ على الرقعة الزراعية في البحرين، وأن تتكامل مع هذه التشريعات، استراتيجيات للتنمية الزراعية وحسن استغلال للثروة المائية في مملكة البحرين.

دعم المزارعين

ومن جانب المزارعين، أكد الفلاح فردان القيدوم لمندوب الصحيفة أن أبرز ما يدفعهم كمزارعين للاستمرار في هذه المهنة هو إيجاد التشريعات التي تحمي الأراضي الزراعية من تحولها إلى نشاطات أخرى، إضافة إلى إيجاد دعم خاص للمزارعين.

وكذلك أثنى عليه الفلاح الحاج خليل، الذي قال إن أكثر ما يدفعهم للاستمرارية هو ضمان الأراضي التي يعملون فيها، من خلال إبقائها على تصنيفها الزراعي، إضافة إلى دعم الدولة لهم بتوفير المستلزمات والأدوات الزراعية والبذور بأسعار مناسبة.

وفي هذا الإطار أكد الباحث شبر الوداعي أن البحرين بحاجة إلى تشريع قانون محوري للبيئة، وأن تعقد ورش عمل تخصصية يشترك فيها جميع الجهات ذات العلاقة بهذا الشأن البيئي، يعالجون من خلالها المسائل القانونية للخروج بتشريع بيئي متطور.

وعند الحديث عن التشريعات، نجد أن دستور مملكة البحرين جاء في مادته التاسعة الفقرة (ز) “تتخذ الدولة التدابير اللازمة؛ من أجل تحقيق استغلال الأراضي الصالحة للزراعة بصورة مثمرة، وتعمل على رفع مستوى الفلاح، ويحدد القانون وسائل مساعدة صغار المزارعين وتمليكهم الأراضي”.

وتنص أيضا المادة 11 منه على أن “الثروات الطبيعية جميعها ومواردها كافة ملك للدولة، تقوم على حفظها وحسن استثمارها، بمراعاة مقتضيات أمن الدولة واقتصادها الوطني”.

ويبقى السؤال مفتوحا عن أسباب وفاة “قانون حماية الأراضي الزراعية”، منذ أعلن عنه الوكيل المساعد لوزارة البلديات والزراعة (سابقا) سلمان الخزاعي قبل نحو 8 أعوام.

فرض الضريبة البيئية

إن تشريع القانون سيساهم بلا شك في حماية ما تبقى من الأراضي الزراعية، أو على الأقل سينظم من عملية التجريف غير المدروس للغطاء النباتي، بالشكل الذي يحفظ للبيئة توازنها وتنوعها الحيوي، ويحقق للمملكة شيئا من الاكتفاء الذاتي في أحد أنواع الغذاء.

ولكن الحاجة تبقى ملحة لبحث سبل معالجة الأضرار التي لحقت بالرقعة الزراعية في المملكة وانعكست بدورها على الواقع البيئي.

طرحنا هذا السؤال على الباحث حميد عبدالغفار، الذي أكد أهمية تحقيق الوعي لدى جميع الأطراف المرتبطة بالقرار البيئي في المقام الأول، إلى جانب الاستفادة من تجارب الآخرين الناجحة، ورعاية المبادرات الفردية الرائدة.

وتابع: هناك أشجار مستقدمة ملائمة للبيئة المحلية كالنيم والمورينغا، وهناك أشجار أصيلة لم تستطع تحمل الوضع البيئي الحرج فماتت، وعليه فإن إعادة قولبة الأمور لخلق بيئة جيدة، يتم من خلال اختيار الأشجار التي تستطيع التعايش مع البيئة.

وقال: إضافة إلى ذلك، ينبغي فرض ضريبة بيئية على المستثمرين الذين يساهمون في الإضرار بالبيئة بفعل مشاريعهم الصناعية، وهو ما تم الحديث عنه في قمة الأرض بالعام 1975.

وأما الباحث علي التاجر فرأى أنه إذا لم يكن بالإمكان فرض هذا النوع من الضرائب على المصانع والمستثمرين، فلا أقل أن يتم إشراك القطاع الخاص في عملية التخضير، على غرار إشراكهم في بناء المستشفيات والمراكز الاجتماعية وغيرها.

فيما رأى الباحث شبر الوداعي أن الحلول الإستراتيجية بحاجة إلى دراسة جدوى، من خلال تشكيل فريق علمي أهلي يقوم بدراسة الواقع البيئي، وبالتالي يضع الحلول ويتم تبنيها من الدولة.

الحق البيئي

ويظهر مما سبق حجم الدور السلبي الذي لعبه التوسع العمراني في البحرين، والذي تم دون دراسة مسبقة أو لاحقة للآثار البيئية المترتبة عليه، بشكل حوّل أحد روافد التنمية إلى وحش كاسر يقتلع بلا رحمة أحد أبرز الموارد الطبيعية للمملكة.

فكما أن من حق إنسان هذه الأرض أن يوفر له مسكن، كذلك من حقه أن يحظى بالبيئة النظيفة التي تحفظ له صحته النفسية والجسدية وأمنه الغذائي، ولا يقتصر ذلك على الإنسان فقط، بل إن هذه البيئة تشكل في بعض الأحيان كل ما لدى بعض أنواع الكائنات الحية الأخرى.

وعليه أصبح من الضرورة بمكان إيجاد التشريعات التي تنظم عملية التوسع العمراني على حساب الرقعة الزراعية في المملكة، بشكل يحفظ للبيئة توازنها وتنوعها الحيوي، ويحقق لها شيئا من أمنها الغذائي، قبل أن “يفوت الفوت” كما في المثل الشعبي.