+A
A-

صاحب “المنارتين”... النهضة الصناعية بالبحرين في أبهى صورها

أسعى لتحويل الشركة إلى “مساهمة عامة” لأجل بقائها

مدرسة تدريب للسياقة بسيارة واحدة تعمل نهارا وتستأجر ليلا

“المنارتين” بدأ في الخمسينات بـ 400 دينار من المدخرات

لهذا السبب لقب الناس والدي بـ “علي الشعب”

رغبتي في التغيير بالشركة واجهت مقاومة من الوالد

 

من وظيفة بسيطة في شركة “بابكو”، بدأ علي الخميري شق طريقه نحو النجاح، وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره، وحينها لم تكن مهمته أكثر من توزيع الماء والشاي، على عمال “بابكو”، قبل أن يقترح عليه مسؤوله الإنجليزي البدء بتأسيس عمله الخاص.

في نهاية الخمسينات استثمر علي الخميري، أو “علي الشعب” كما اشتهر بين الناس حينها، ما جمعه من عمله في “بابكو” وهو عبارة عن مبلغ 4 آلاف روبية (400 دينار) ليشتري ماكينة كسارة لطحن الحجارة، وماكينة لصناعة الطابوق، ليبدأ معها قصة نجاح مصنع المنارتين، قبل أن يتسلم ابنه الأكبر ميسان الخميري المهام نيابة عنه. يقول ميسان الخميري إنه حين بدأ العمل، كان والده يعامله معاملة الموظف وليس معاملة الابن، إذ كانت الشركة تعطيه راتبا شهريا حاله كأي موظف، وكان أول راتب تقاضاه مطلع الثمانينات مبلغ 300 دينار، ويعتبر في ذلك الوقت راتبا كبيرا بالنسبة إلى شاب في بداية حياته العملية.

ويشير الخميري الابن إلى أنه واجه مقاومة من والده (رحمه الله)، حين بدأ في تغيير أسلوب عمل الشركة، سواء من خلال تحويل المصنع للعمل بشكل آلي بالكامل عبر شراء معدات جديدة، أو البدء بالاقتراض من البنوك لزيادة وتيرة النمو.

القلق يساور الخميري في الحفاظ على الشركة القديمة التي أسسها والده، ونقلها للجيل الجديد، لكنه لا يخفي طموحه في أن يحولها إلى شركة مساهمة عامة؛ لتستطيع البقاء والاستمرار مع تعاقب الأجيال.

فيما يلي نص لقاء “البلاد” مع المدير العام لشركة المنارتين، التي تعد من أقدم شركات الطابوق ومواد البناء في البحرين، ميسان الخميري:

 

كيف بدأ الوالد (رحمه الله) هذه الشركة؟

في صغره كان والدي عاملا لدى تجار حي العوضية بالمنامة وهو في السابعة من عمره، وحين بلغ العاشرة تقريبا، التحق بوظيفة Water boy في “بابكو”، إذ كانت مهمته تزويد عمال معمل التكرير بالماء والشاي، إلى أن ترقى لمشرف عام.

أخبره مسؤوله الإنجليزي أنه لن يستطيع الترقي أكثر من خلال “بابكو” ونصحه بأن يأخذ حقوق نهاية خدمة العمل في شركة “بابكو” ويؤسس مشروعه الخاص، وكانت حقوقه حينها نحو 4 آلاف “روبية”، أي ما يعادل 400 دينار. والدي حينها لم يكن يتقن الكتابة والقراءة باللغة الإنجليزية، وساعده مسؤوله الإنجليزي في كتابة الرسائل ومخاطبة شركة إيطالية لتزويده بماكينتين لمصنع الطابوق، وشركة إنجليزية تقوم بصناعة الكسارات. في حينها كان الوالد قد افتتح مدرسة تدريب سياقة السيارات، بالتعاون مع إخوانه وأصدقائه مطلع الخمسينات، اسمها المدرسة الوطنية لتعليم السياقة، وكان موقعها خلف “حوطة أبل” وهي الأولى من نوعها تقريبا. وكان لدى الوالد حينها سيارة واحدة في هذه المدرسة، فكانت تعمل في النهار، ويتم تأجيرها في الليل.

 

بعض الناس يعرف شركة المنارتين بشركة علي الشعب، لم هذه التسمية؟

في فترة الخمسينات، كانت هناك التيارات القومية العربية، وكان النشاط العمالي قويا، وعُرف والدي حينها بنشاطه في الحركات العمالية المؤيدة للقومية العربية ولجمال عبدالناصر، وكان يخطب باستمرار، وينقل خطابات عبدالناصر التي تستخدم كلمة الشعب بكثرة، فناداه الناس بعلي الشعب.

ورغم أن أول سجل أو قيد تجاري للشركة بالعام 1959 هو اسم المنارتين، وذلك تيمنا بمسجد الخميس الذي كان مصنع الطابوق يقع قريبا منه في تلك الفترة، إلا أن الناس اعتادت على تسميته بشركة “علي الشعب”، وكان هو اسم الشهرة، لدرجة أن هذا الاسم استخدم في بعض الوثائق.

 

كيف تطور المصنع منذ أن بدأ في الخمسينات؟

في فترة السبعينات شهدت البحرين طفرة عقارية وعمرانية، فقام الوالد (رحمه الله) بتوسعة أعمال المصنع، إذ قام بشراء الأرض الحالية له، ليتحول من موقعه بقرب مسجد الخميس إلى الموقع الحالي في طشان. وتم تجهيز الموقع في العام 1960 لكن الإنتاج في طشان بدأ في العام 1962.

 

متى بدأت العمل بالمصنع إلى جانب والدك؟

بدأتُ العمل في الشركة بدوام عمل كامل في العام 1980، ولكن قبل ذلك كنت أعمل في فترات الإجازة المدرسية، وعملي يتركز على إنهاء بعض الأوراق والمعاملات واستلام المستحقات المالية للشركة وغيرها من الأمور الإدارية.

 

هل بدأت أول عمل كامل لك مسؤولا أو مديرا؟

لا، كانت وظيفتي إدارية وفنية خصوصا.

 

وهل كان الوالد يعاملك في الشركة كموظف أم كابن؟

يعاملني كموظف، حتى أنني مسجل في التأمينات الاجتماعية منذ بداية عملي، وأتذكر أن مسؤولي حينها مصري الجنسية وهو محاسب في بنك لكنه يعمل في الشركة مساءً.

 

إذن لم تحصل على معاملة خاصة في بداية عملك؟

لنكن واقعيين، مهما يكن، سرعة ترقي الموظف من العائلة في ذات الشركة العائلية أسرع من الموظف العادي، ولكن عليه أن يثبت كفاءته.

هل تذكر أول راتب حصلت عليه؟

نعم، كان 300 دينار، ووقتها كان مبلغا جيدا.

ومتى تسلمت مهام الإدارة بشكل كلي من الوالد؟

الوالد كان دائما موجودا، حتى بعد أن تسلمت الإدارة، وأستطيع القول إن الوالد ترك الإدارة لي بشكل كامل في العام 2000، حينها كنت المدير العام، فيما كان الوالد رئيسا لمجلس الإدارة.

 

ما التغييرات التي أدخلتها في المصنع أو الشركة منذ أن بدأت إدارته؟

أهم خطوة بدأتها وأدخلت على المصنع هي استبدال الأعمال اليدوية القديمة بالآليات الأوتوماتيكية، وذلك بعد نحو عامين فقط من انضمامي للشركة أي في العام 1982.

وأتذكر أن معدات المصنع الجديد كانت من الدنمارك، واستبدلت تدريجيا المعدات اليدوية بالآلات، الأمر الذي أدى إلى زيادة الفاعلية والإنتاجية.

كواحد من الجيل الجديد الذي عمل بالشركة وبدأت التغيير فيها، ألم تواجه مقاومة أو رفضا من الجيل القديم الذي كان يمثله والدك؟

نعم في كثير من الأحيان أواجه صعوبة في إقناع الوالد، فقد كانت شخصيته قوية جدا، وحين رغبت في جلب المصنع الآلي أو الأوتوماتيكي من الدنمارك واجهت مقاومة شرسة من الوالد (رحمه الله)، بل في كثير من الأمور الأخرى. فعادة لما تأتي وتريد التغيير وهناك جيل تعود العمل عن طريق الخبرة والممارسة وليس بالمعرفة، ستجد صعوبة في إقناعهم بهذا التغيير.

 

شعرت إذن بفرق بين شخصيتك الشابة والوالد في الإدارة؟

الوالد كانت شخصيته تقليدية ومحافظ لدرجة كبيرة ولا يحب المغامرة، ولم يكن يحب أخذ القروض من البنوك، وعندما وصلت للإدارة أخذنا أول قرض للشركة.

وساعدتنا القروض في زيادة سرعة نمو الشركة، وعدم انتظار الوقت لتطوير الأعمال. فمنذ انطلاق الشركة تطور العمل ليشمل الخرسانة الجاهزة والأسقف الجاهزة وغيرها. وأعتقد أن من الطبيعي أن يكون هناك صراع أجيال بيني والوالد، ولكي تتنقل الإدارة إلي من الوالد، استغرق ذلك نحو 20 عاما.

 

ما نصيحتك للشباب ممن يتسلمون زمام المبادرة بالشركات العائلية؟

أولاً، أقول للشباب يجب أن يبدأوا أعمالهم الخاصة بمفردهم، وأن يعيشوا تجربة ممارسة العمل بأنفسهم بعيدا عن شركات عائلاتهم.

أولادي، عملوا معي لمدة 9 أشهر فقط، لكنهم رغبوا في ترك العمل، ولم أعارض ذلك، لقد دشنوا أعمالهم الخاصة، وأعتقد أنها الخطوة الصحيحة لكي يكتسبوا الخبرة، حتى لو عمل موظفا في أي شركة أخرى للحصول على المعرفة اللازمة لإدارة الشركات العائلية لاحقا.

 

هل تقر بأن الشركات العائلية تواجه معضلة في البقاء بعد مرور جيلين أو ثلاثة؟

نعم، فنظام الورثة لدينا في الإسلام، يعمل على تقسيم الإرث كما هو معروف، وهذا يجعل الشركة العائلية تتفتت وتتفكك مع مرور الزمن.

وأتفق تماماً أنه يصعب على الشركات العائلية أن تستمر عبر الأجيال، خصوصا في بلادنا الإسلامية.

 

هل أنت قلق بذلك؟

هناك مخاوف تعتريني بخصوص انتقال الشركة إلى الجيل القادم، لذلك طموحي هو تحويل الشركة إلى شركة مساهمة عامة مدرجة في البورصة. وبذلك إذا جاء جيل جديد لا يريد الاستمرار بالشركة فإن بإمكانهم بيع الأسهم دون اللجوء إلى تفكيكها.

 

نعود للحديث عن طفولتك، أين عشتها؟

عشت طفولتي في فريج الفاضل بالمنامة، لكننا انتقلنا بعدها إلى العدلية في الستينات.

 

هل تحتفظ بذكريات عن فريج الفاضل؟

لازالت أتذكر بعض المشاهد خصوصا فيما يتعلق بالمناسبات الدينية حينها أو نشاط الحركات القومية في تلك الحقبة النشطة.

 

هل كوّنت صداقات مع رجال أعمال معروفين حاليا؟

ولدت بالعام 1957، والغالبية ممن هم في جيلي كانوا مهنيين وبرزوا في مهنهم مثل الأطباء والمهندسين وغيرهم، أما الجيل الذي قبلنا فعرفوا بأنهم رجال الأعمال أو أصحاب المشروعات، أنا كنت من جيل المهنيين.

 

ما التخصص الذي انخرطت فيه بعد المدرسة؟

درست بمدرسة القضيبية ومدرسة المنامة، وبعدها درست هندسة المباني في جامعة نيوكاسيل في بريطانيا وأكملت الدراسة في 1980.

وفي العام 1990 قدمت لشهادة الماجستير في إدارة الأعمال بالمملكة المتحدة.

 

لماذا درست الهندسة؟

أولاً، لأني حصلت على بعثة من الحكومة، وفي الوقت نفسه التخصص يتناسب مع خلفية عمل العائلة في مجال البناء.