+A
A-

جناحي: على الأغنياء تحمل كلفة التحول لدولة عصرية

صرف 2000 دينار شهريا لموظفي شركات مدعومة أوفر للميزانية

زيادة الإيرادات معيار لنجاح الوزير أو المسؤول

 

دعا الخبير المصرفي خالد جناحي إلى اعتماد طريقة التدرج في التحول من دولة “ريعية” إلى دولة “عصرية”، وأن يتحمل الأغنياء وأصحاب الثروات كلفة الفترة الانتقالية.

وأكد أن تطبيق ذلك يجب أن يشمل إيرادات الدولة ومصروفاتها، حيث ليس من المنطق تعويض عجز الميزانية وتوفير الرواتب والنفقات من خلال برامج وخطط تتضمن فقط الجباية، مع تناسي الإيرادات الحقيقية، مطالبا بتعديل سياسة الإصلاح الاقتصادي المتبعة، والتي جاءت آنية ودفعت دفعا مرة واحدة.

وضرب جناحي في حديث مع “البلاد” مثالا لبقاء الدعم لبعض الشركات والمؤسسات الصناعية الكبرى الذي يرهق اقتصاد المملكة، فمن المعلوم أن الحكومة دعمت وتدعم العديد من الشركات التي تمتلكها أو تساهم بحصص مؤثرة فيها بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وتشتري بعض هذه الشركات الغاز من الحكومة بأسعار زهيدة جدا قياسا بالأسعار العالمية وأخرى تلقت مئات الملايين من الدنانير كدعم، ما يجعل أرباحها غير حقيقية.

وأكد جناحي، وهو محاسب ضليع ويتمتع بخبرة تمتد لعشرات السنين في القطاع المصرفي والمالي، أنه لو أعطي لكل موظف في هذه الشركات 2000 دينار شهريا وهو جالس في بيته، لكان أوفر على الدولة من الدعم والامتيازات التي تمنح لها.

وتساءل جناحي عن وضع هذه الشركات “لو رفع دعم الغاز عنها، هل ستحقق أرباحا؟”.

واضاف جناحي بانه وبالرغم من حتمية الدعم إلا أنه لابد من حساب العائد من هذه الممارسة على المدى الطويل، موصيا بإعادة النظر في مثل هذا الدعم والحرص على تشغيل هذه الشركات بأسلوب تجاري بحت.

 

الفساد عموما يكبد المال العام خسائر طائلة

وأكد جناحي أن “الفساد عموما ظاهرة تكبّد الدول خسائر مالية طائلة، مشيرا أن “تصريحات نقلت عنه خطأ، عندما تحدث عن هذا الموضوع لبعض وسائل الإعلام”. حيث لم يصرح أو يشر إلى إن تلك الخسائر لها علاقة بالتجاوزات التي ترصدها تقارير ديوان الرقابة الإدارية والمالية، حيث لم يخصص أو يذكر واقعة بعينها ولكنه تحدث عن ظاهرة مستشرية في العديد من الدول وتكبد المال العام خسائر كبيرة.

وأشار جناحي إلى أن الجهات المعنية بالحكومة تتابع ما يأتي بتقارير الديوان، حيث أمر صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء بمتابعة الملاحظات واتخاذ إجراءات تجاهها.

وأشاد جناحي بمهنية وشفافية ونزاهة رئيس ديوان الرقابة الإدارية والمالية حسن الجلاهمة.

تعويض تراجع الإيرادات

وعن سياسة تعويض التراجع في الإيرادات، قال جناحي “جميعنا يعلم أن الضرائب والرسوم قادمة لا محالة بسبب تراجع الإيرادات لهبوط أسعار النفط، وكنت قد تكلمت بالموضوع منذ سنوات، فأنا مع مشاركة الناس والقطاع الخاص بالكلفة، إلا أن اعتراضي على الطريقة والتي جاءت دفعة واحدة”.

وعاد جناحي ليؤكد أن ضريبة الثروة هي الحل الأمثل لهذه المرحلة التي وصفها بـ “الانتقالية”، موضحا أن الفكرة ببساطة تكمن في تحصيل الضرائب والرسوم من الأغنياء والقادرين.

وأشار إلى أن البحرين لديها خصوصية لكنها جزء لا يتجزأ من الخليج العربي، (...) يمكن القول بأن فرض الضرائب يحقق نواحي إيجابية وأخرى سلبية، فنحن تحت ضغط كبير جدا ولا نستطيع إنكار الأرقام الاقتصادية التي تصدرها المؤسسات المالية العالمية بما فيها وكالات التصنيف، لذا بات من الضروري إعادة النظر بالإنفاق.

وزاد “من وجهة نظري أعتقد أن الضغط سيتحول على الناس والشارع وبالتالي التضييق عليهم، الأمر الذي سيولد مشاكل اجتماعية نحن بغنى عنها”.

وأضاف جناحي “لا يمكننا إنكار الوضع الاقتصادي الحرج، كما أن إطلاق تصريحات هنا وهناك تؤكد أننا بخير لا تكفي”، وتندر قائلا “هذا يشبه أنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب”.

وزاد “مؤشرات المؤسسات العالمية مبنية على أرقام ودلائل، متسائلا: هذه المؤسسات تقول بأن الاحتياطي البحريني تراجع 75% قياسا بما كان عليه في 2014، ليصل إلى 1.4 مليار دولار، من يستطيع نفي ذلك؟ أضف إلى ذلك الصعود الصاروخي للدين العام”.

وبلغ الدين العام للمملكة في آخر شهر أكتوبر الماضي (أحدث بيانات رسمية متوفرة) نحو 10.6 مليار دينار مشكلا 88.4 % من الناتج المحلي الإجمالي.

وواصل جناحي “رغم كل ذلك تبقى البحرين بمأمن، فهي وكما يعلم الجميع حتى في الغرب مرتبطة ارتباطا وثيقا بالسعودية وباستقرار الخليج عموما، (...) الدينار البحريني لن يخسر، ولن يتراجع إلا إذا خسر الريال السعودي وهو أمر مستبعد بالوقت الحاضر”.

عندما بدأت البحرين بزيادة إصدار السندات سألني المستثمرون في الغرب – كوني بحريني – عن رأيي بالأمر، فعادة ما أنصحهم بالشراء وأشرح لهم الأمر بأن مقدرة البحرين لدفع الأرباح والمستحقات مرتبط بالاقتصاد السعودي الذي يتمتع بتصنيفات جيدة، بمعنى أنها بقوة الإصدارات السعودية، لكنها تتفوق عليها بالعوائد (الفائدة).

وبين “أنه للأسف الإجراءات التي تتخذ حول الانتقال من دولة ريعية إلى رأس مالية، أو (عصرية) كما اسماها الوزير محمد المطوع، آنية ولا تأخذ بالحسبان ردود الفعل وتأثيراتها على الإنسان العادي والبسيط”.

وأكد أن “رفع الدعم عن السلع كان يجب أن يتم تدريجيا، حتى تستوي الأمور وتوضع الحلول الناجعة، لكنه عاد ليشير إلى أنه مع فرض ضرائب على المواد المضرة بالصحة (الضريبة الانتقائية) مع تحفظه على النوايا، (...) تم الترويج للضريبة على أساس أنها مضرة للصحة مع أن الهدف هو جمع الأموال”.

وشرح “غياب العدالة في الحلول الآنية” بمثال بسيط: - “إذا كان هناك شخص عنده ثروة تقدر بـ 10 ملايين دينار، ولا يعمل وليس لديه شركات مسجلة، ويمتلك مجموعة عمارات مؤجرة ويعتاش من إيرادها، فيما هناك شخص آخر لديه سوبر ماركت ويعمل ويكد ويحقق 100 ألف دينار ربحا سنويا، هل يعقل أن صاحب السوبر ماركت يدفع ضريبة، والمليونير لا يدفع فلسا واحدا؟ (...) أنا لست ضد الضرائب وإنما انتقد الطريقة وفرضها دفعة واحدة مع غياب للعدالة”.

ضريبة الثروة

ويعتقد جناحي أن ضريبة الثروة هي الحل الأفضل والأنجع للمرحلة، مستشهدا بقول الوزير محمد المطوع الذي أكد أنه يجب على الأغنياء دفع ثمن الانتقال من الدولة الريعية إلى الدولة “العصرية “ كون ذلك يحقق العدالة.

وضريبة الثروة أو “ضريبة على الأغنياء” بحسب جناحي، أفضل بكثير لسد عجز الميزانية من الإصلاحات القائمة، حيث دعا منذ سنوات في العديد من المحافل لاستقطاع 1 % سنويا من الأشخاص الذين تبلغ أصولهم 5 ملايين دولار أو أكثر.

وقال “أضعف الإيمان يجب فرض ضريبة على العقارات البيضاء”.

ويقدر جناحي المبالغ التي ستعود على خزينة الدولة في حال طبقت هذه الضريبة بين 1.5 و2 مليار دولار سنويا، فيما لا تتجاوز المبالغ المستفادة من القيمة المضافة الـ 200 مليون دينار سنويا.

أسعار النفط

ولا يتوقع جناحي أن تعود أسعار النفط لسابق عهدها، بل على العكس، فهي ستتراجع أكثر خلال السنوات المقبلة تماشيا مع التطور التكنولوجي السريع الذي سيقلل أو ينهي الاعتماد على البترول كمصدر للطاقة، فضلا عن دخول الصخر الزيتي كمصدر بديل ومتوافر خصوصا بعد ظهور تقنيات تجعل من إنتاجه مربحا تجاريا.

الحرب على الفساد

وأشاد جناحي بالحرب على الفساد التي يقودها ولي العهد السعودي، مؤكدا أنها ستعزز الاستثمارات، وترفع الثقة بالاقتصاد السعودي، لكنه دعا إلى أن تكون عادلة وشفافة.

وتابع “في دول الخليج، بما فيها البحرين تحصّل أناس كثيرون خلال العقود الماضية على أموال طائلة دون وجه حق باستغلال النفوذ والعلاقات الشخصية، وأعتقد بأنه جاء الوقت لضبط الأمر والمحاسبة وإرجاع ولو جزء من هذه الأموال”.

ودلل بما نقله الكاتب الصحافي الأميركي الشهير توماس فريدمان، عن ولي العهد السعودي، الذي أشار إلى أن الخبراء قدروا أنه لا يقل عن 10 % من الإنفاق الحكومي راح في الفساد خلال الـ 30 عاما الماضية.

وهذا رقم ضخم جدا إذا ما علمنا أن الإنفاق الحكومي السعودي خلال هذه السنوات يقدر بترليونات الدولارات، عدا عن الاستحواذ على الأراضي وغيرها من مقدرات الوطن.

كيف تدار الأمور

ويقول جناحي “الآن وللأسف أصبح معيار النجاح لدى الوزير هو زيادة الإيرادات، ولكن ما تبعات ذلك؟”.

وفي رده على سؤال: هل البحرين معنية باستشارات البنك والصندوق الدوليين، خصوصا إذا رأينا نتائج برامجهما في بعض الدول، لاسيما الافريقية وكيف أنها أنهكتها وأغرقتها بالديون؟.

قال جناحي: نعم، فهما مؤسستان دوليتان عريقتان يؤخذ برأيهما وبتقاريرهما من قبل كل دول العالم ومن المستثمرين والشركات والبنوك، فنحن لا نستطيع العمل بمعزل عن العالم الخارجي.

ولكن فيما يتعلق بالإلزام، فأسأل الله أن لا يأتي اليوم الذي نطلب فيه قروض من هاتين المؤسستين، لأنه في حال حدث ذلك فإننا نصبح ملزمين ببرامجهما وبالتالي قد نقع في مشاكل مالية واقتصادية لا يحمد عقباها.

القطاع السياحي

وحول القطاعات التي يمكن الاعتماد عليها لتعويض بعض الركود، السياحة مثالا، يقول جناحي إن القطاع السياحي يواجه تحديات كبيرة مع ما يحدث بالسعودية، ومعظم السياح الذين يؤمون البحرين هم من الأشقاء السعوديين، وجميعنا يعلم أن المملكة الشقيقة مقدمة على تطور وانفتاح، الأمر الذي يشكل تحديا كبيرا أمام السياحة البحرينية، لكنه عاد ليؤكد إمكانية تجاوز ذلك من خلال العمل الخليجي التكاملي وخصوصا مع السعودية.

القطاع العقاري

وعن القطاع العقاري يؤكد أن العرض بدأ يفوق الطلب، مع ارتفاع غير مبرر للأسعار، (...) المشروعات كثيرة، وظهرت على السطح بورصة للعقار وبالتالي هناك تداول غير حقيقي، أو غير مجدي.

ويعتقد جناحي أن أسعار المساكن في السوق المحلية لا تناسب دخل البحريني، (...) لو اعتبرنا أن متوسط دخل الفرد نحو 1200 دينار شهريا، (وهو رقم مبالغ فيه) فهل يستطيع شراء شقة أو بيت أو شاليه، بالتأكيد الجواب لا.. إذا أين ستذهب هذه المشروعات؟.

حتى دبي التي تعد السوق الأقوى والأكبر في المنطقة، هي الأخرى تشهد عرضا كبيرا يفوق الطلب، الأمر الذي حدا بها إطلاق دعوات لتخفيض الأسعار.

القطاع المصرفي

وأبدى جناحي دهشته إلى ما آل إليه وضع البحرين كعاصمة للصيرفة بالمنطقة، حيث أكد أن المنامة كانت كذلك منذ السبعينات إلى الثمانينات ولكن بعد نهوض العواصم الخليجية الأخرى، تغيرت الأحوال، متسائلا: هل لأنهم يعملون بجد ونحن جالسين (مكانك سر)؟ أم لاعتمدنا على السمعة القديمة بأننا نمتلك أفضل قوانين وتشريعات، ونسينا أن العالم متغير ومتطور؟

وأضاف “يعز علينا أنه لا يوجد ولا بنك بحريني ضمن أكبر وأقوى 10 بنوك في المنطقة، ترتيبنا جاء بالمركز الـ 19، وهو متأخر كثيرا”.

التنمية البشرية

وعن التنمية البشرية يقول جناحي “يشكّل الشباب الذين أعمارهم دون الـ 30 عاما في العالم العربي 75 % تقريبا، ومن هم دون الـ 17 سنة يفوق الـ 50 %.. وهذه طاقة بشرية هائلة، لكنها نقمة ونعمة في ذات الوقت، فالبطالة بارتفاع وبجميع الدول دون استثناء، ولكنها نعمة إذا ما قسناها بأوروبا مثلا التي تعاني من شيخوخة المجتمع، ولكن السؤال كيف نستثمر هذه الطاقة”.

وتابع “مصيبتنا بالدول العربية أننا نتغنى بمقولة الإنسان رأس المال ولكن هل يطبق ذلك على أرض الواقع، التنمية تعني انتقاد الذات حتى نتطور، وتوسيع الأفق بحيث يفتح المجال للجميع للتفكير خارج الصندوق، وهذا لا يتوافر بمعظم دولنا وإن وجد فهو متفاوت، وللأسف الشعوب موافقة على ذلك، كونها طُبعت على أن تكون أقصى مطالبها الأكل والشرب والنوم”.

الخليج والاتحاد

مصلحة دول الخليج اليوم بالاتحاد، فهو الطريق الوحيد كونه موضوع اقتصادي بحت، والمتغيرات التي تعصف بالمنطقة تفرض هذا الخيار، لكنني غير متفائل.

كلنا يريد الاتحاد والعملة الموحدة ولكن للأسف الأمور اختلط بعضها ببعض.