+A
A-

إلى الغائبة الحاضرة... إيمان المحمود

مَنْ يقضي وهو يعلِّم الناسَ القرآنَ شهيد، وهو في مقامٍ عالٍ بين مقامات الشهداء؛ فهذا العلم أشرف العلوم بل هو علم العلوم.

قَضَتْ إيمان حسين المحمود وهي ماضية في هذا الطريق رافعة لواء الجهاد والتعليم. وكان لشخصيتها شعاع نافذ في قلوب مَنْ تخالطهم وتعلّمهم. هذه القصيدة كلمةُ وفاءٍ وعرفانٍ بمقامها ودعوة إلى الاقتداء بها والسير على خطاها.

اللّه أجزل أجرها وثوابَها

لمَّا أطال عناءها وعذابَها          

فرحت بمقدمها السماء وأزلفت

غرف الجنان وفتّحت أبوابها        

وأضاء مثواها بما قد أسلفت

واستكرم الملك الكريم جنابها        

خفّت إليها الصالحات شواهداً

يجعلن أحسن ما يكون حسابها       

وتفرقت عنها اللّذات وأصبحت

حور الجنان وعينها أترابها         

وقضت على ظمأ لتُسقى من يد

بيضاء في عليا الجنان شرابها       

واستدبرت أحبابها واستقبلت

من أهل ذيَّاك الحمى أحبابها        

ورأت بدار الحق حسن حقائق

كانت أباطيل الحياة حجابها         

قولي لنا كيف النَّدى فيها لَمِنْ؟

أجرتْ عليه وأغْدَقَتْ أَطيابَها       

كيف التقيتِ بمنْ لِقاهمْ كان في

الـ... دنيا لِنَفْسِكِ سُؤْلَها و طِلابها؟

وهل النفوسُ هناك تحمل حزنَها

منهمْ وتشرح في اللقاء عتابَها؟       

أم ليس يَبقى غيرُ ودٍّ بينها

صِرْفٍ وتَنسى كلَّ حزنٍ نابها؟       

وهل النعيم مراتبٌ تؤوي على

قَدْرِ الفضيلة والتُّقى أربابَها؟        

كيف النفوس يرى هنالك بعضها

بعضاً وتسمع في اللقاء خطابَها؟            

كيف السَّنا يغشاكمو كيف الشَّذى

تُهدي الجنانُ طيوبَه طُلّابَها؟        

وحوادثُ الدنيا التي نابتكمو

هل تعلمون هنالكمْ أسبابَها؟         

ما حالة النفسِ التقيَّةِ فارقتْ

همَّ الحياة وفارقتْ أتعابَها؟         

أتنامُ هانِئة بطيبِ مُقامِها

أمْ فرحةُ اليقظانِ تُصبِحُ دابَها؟       

ما تلكمُ الأفراحُ تُسقى شَهْدَها

مِنْ بعدِ دنيا جرّعتْها صابَها؟        

وهديَّةُ الأحياءِ كيف تجيئُكمْ

فتكافؤن هنالكمْ أصحابَها؟          

قَصُرَتْ مراسيمُ الهديَّةِ عندنا

عن أَنْ تضاهي عندكمْ آدابها        

قد كنتِ حاضرةَ المآثِرِ في الورى

ما كان موتُكِ طَيَّها وغِيابها         

نَشَرَ الرَّدى ماكان منها غائباً

وأَبانَ خافيَها وفضَّ حِجابَها         

فَوُلِدْتِ ميلاداً جديداً بالرَّدى

واستكثَرتْ غُرَرُ العلا خُطَّابَها       

إنّ التي دَعَتِ الأنامَ إلى النُّهى

قد ضاعَفَتْ يومَ الرَّدى أنسابَها       

ضاقتْ رِحابُ الأرضِ عنكِ فأَزْلَفَتْ

غرفُ الجِنانِ الواسعاتُ رِحابَها            

ستنال روحُكِ ما اشتهيتِ من العلا

إِنْ لم تَنَلْ فوق الأديم رِغابَها        

طوبى لروح أثّلت بتُقاتِها

وجهادِها وسموِّها أحسابَها         

هذي هي الأحسابُ يوم يُقيم

ميـ... ـزانُ العدالة وزنَها وحسابَها

لا ما يعافُ الناسُ يومَ رحيلهمْ

ممَّا يساوي في اللّحود ترابَها        

أعطتْ بكِ الواحاتُ من زهراتها

شهداً وكان أسى رحيلكِ صابَها       

أحْيَيْتِ بالقرآن فيها أنْفُساً

حَرَّكْتِ بعد سكونها ألبابَها         

والجهلُ بالقرآن عِلَّة أُمَّةٍ

قد ضَيَّعَتْ نَهجَ الحياةِ كتابَها        

قد أَدركتْ أَوْجَ المعارفِ عِندما

كان الكتابُ من العلومِ لُبابَها        

أَحْنَتْ لها الأُممُ الجِباهَ بفضلهِ

ومَقامُ أهل العلم كان وِثابَها         

حتى إذا تركتْه لم يُزْهِرْ لها

عِلْمٌ ونالت بالخطوب عِقابَها        

  

د. أحمد باسل نورالدين الرفاعي