+A
A-

الفن والمسؤولية الوطنية والاجتماعية.. هيفاء حسين نموذجاً

الفن على اختلاف أنواعه ومختلف مشاربه من قصيدة متزنة وتمثيل محبوك وغناء حر وغيره، لا يتجلى جماله وتميزه إلا عندما تمسه روح الفنان المبدع فتتراءى للمتذوقين مفاتنه وجماله.

والموهبة هي نبتة أصيلة في وجدان المجتمع، فالفنان والمثقف تحديداً لا ينفصل عن مجتمعه، فكثيرون يمتهنون الفن، كما الآلاف من أبناء هذا الشعب العاملين بمهن مختلفة، يخرجون صباحاً إلى أعمالهم، ويعودون آخر النهار محملين بمشاق الحياة وهمومها، التي سرعان ما تزول نتيجة شعورهم بالرضا الذاتي عن المجهود الذي قدموه من أجل الوطن تحت عنوان المسؤولية الاجتماعية.

إن التضحية من أجل المبدأ، وتحمل الصعاب في سبيل توصيل مفهوم العدالة والأمان والأخوة والإخلاص للأرض الأم، والدفاع عن كيان الوطن بكل قوة من خلال الفن الراقي، والمساهمة في بناء جيل ونشر ثقافة معينة أو محاربة عادة سيئة، ليست مجرد نزوة عابرة، وإنما مبدأ ثابت وحالة نادرة تحتاج لوقفة متأملة تسبر غور هذه الحالة الإنسانية والتاريخية العميقة بكل تفاصيلها، فالفخر لمن يحمل بداخله هذا المبدأ وهذا الذوق الرفيع، لعلها تبدأ بالكلمات ولكنها لا تنتهي عند عمل مسرحي، أو أوبريت، أو أغنية وطنية، أو فيلم سينمائي، إنما شعور وهاجس يتمازج مع الروح والجسد، وهذا ما نلمسه حقيقة في بعض الفنانين البحرينيين الذين قدموا أعمالاً فنية مختلة راقية.

المثقف الذي يدخل المعركة بكل الأدوات التي يملكها تجده أكثر الناس استشعاراً بالخطر على مصلحه وطنه ومجتمعه قبل كل شيء، ولعل من أبرز الفنانين والفنانات في البحرين الذين قدموا أعمالاً فنية متميزة هي الفنانة البحرينية هيفاء حسين التي تملك في رصيدها حصيلة خبرة فنية امتدت لأكثر من 17 عاماً في مجال المسرح والتلفزيون والسينما، حيث أبهرت المشاهدين ليس البحرينيين فقط بل القطر الخليجي بأسره، ففي كل عام كان لهيفاء حضورا مختلفا يلاقي استحسان الناس بأدوار متنوعة، فمنذ ظهورها في مطلع الألفين بدور البطولة “مريم” في مسلسل نيران، سرقت الاضواء واحتشدت العدسات حولها من كل حدب وصوب بفضل أدائها المتميز.

قدمت هيفاء مجموعة من الأعمال التلفزيونية والمسرحيات الهادفة أسهمت في بناء وعي متحفز لاستثمار أدوات الفنانين وصناعة نصوص تتطور معه، بفضل كفاءة الفنانة التي تشغلها قضايا الساعة، فكانت أعمالها الفنية وسيلة للارتقاء بأذواق المواطنين وتحقيق الوحدة الوطنية وغرس القيم المجتمعية الأصيلة، بما يعبر عن مدى أصالة ورقي الإنسان البحريني.

والدليل ليس ببعيد، فالأعمال التي قدمتها هيفاء والمشاركات التي شاركتها خير شاهد وبرهان، كعمل متلف الروح، نيران، حكم البشر، القدر المحتوم، ليلى، القياضة، دمعة عمر، خيانة وطن، ناهيك عن الأعمال المسرحية الهادفة المتنوعة من مسرح للكبار كمسرحية هامور عذاري، لمن العصا، الولايات العربية المتحدة، ومسرح الطفل الذي تهتم به كثيراً وتسعى جاهدة لتقديم دور يتناسب مع الأطفال ويغرس فيهم القيم، كمسرحية تبين عيني، وعصابة خربوش، وبالمناسبة كان هذا العمل أول إنتاج للفنانة هيفاء حسين، حيث حرصت على أن يكون طاقم العمل بحريني 100 %؛ بهدف تقديم ولو جزء قليل للفن والمسرح البحريني ومحاولة للنهوض به، كانت مبادرة بسيطة لكنها كبيرة المضمون، كلف العمل حوالي 23 ألف دينار بحريني، بدون دعم من أي جهة، والعمل المسرحي بطبيعية الحال له عائد مادي بسيط، وهذا يدعم فكرة أن الفنان البحريني يسعى بشتى الوسائل والطرق أن يخدم وطنه، ليرتاح ضميره في أخر اليوم بما قدمه للمجتمع.

وعندما نسلط الضوء على المسؤولية الاجتماعية التي تتمتع بها هذه المثقفة، نلمس نتاج مشاركتها في الأعمال الإنسانية، ونجد حضورها قد أحدث فارقاً مهماً في تلك الأعمال، فزياراتها المتكررة لمرضى السرطان وذوي الاحتياجات الخاصة، واختيارها كسفيرة لأكاديمية ريال مدريد التابع للمؤسسة الخيرية الملكية وسفيرة لإسعاد الاخرين من قبل ماجد الفطيم، لم تأت من فراغ أو مجاملة، هناك روح إنسانية حاضرة بداخلها تدفعها وتلح على مشاركتها بمثل هذه الأعمال.

إن الجانب الفني والإنساني والمجتمعي شعور نادر، من الصعب أن يتواجد عبثاً في أي نفس، حيث ان إدراك أفراد المجتمع المدني للدور المنوط بهم في إطار المسؤولية المجتمعية التضامنية من شأنها أن تساهم في خلق جو صحي ومتوازن لتحقيق تنمية مستدامة خدمةً للمجتمع.

واليوم ونحن نقرأ خبر اعتزالها الفن لا نقف مستغربين أو متعجبين، ففي معادلاتها لا يتحقق الاتزان بين ما هو مطروح وموجود على الساحة الفنية من أعمال وعروض وبين مبادئها وأهدافها والرسالة الفنية التي تسعى جاهدة لإيصالها عبر الأعمال.

هيفاء حسين نموذج من نماذج بحرينية كثيرة ساهمت في إثراء المحتوى الفني، وقدموا كل خير لوطنهم الأم البحرين ومازالوا، لإيمانهم التام أن الفن رسالة أخلاقية وإنسانية وقبل كل شيء وطنية، هؤلاء الذي يحملون هذه الروح النبيلة يستحقون كل التحية والتقدير.

كتب – أحمد الجناحي