+A
A-

صاحب “دلمون”... 50 عاما تختصر قصة الخبز بالبحرين

“دلمون” أكبر مخبز ويؤمن 80 % من احتياجات البحرين

أول فرن آلي بالبحرين كان صغيرًا واستوردناه من ألمانيا

1940 انـطـلاقـة “صـاحـب دلـمـون” مــن أزقــة الـمـحــرق الـقـديـمــة

الخبز الإفرنجي بدأ يغزو البحرين في السبعينات

المخابز الآلية غيرت نمط الاستهلاك دراماتيكيا

دلمون يستهلك الآن أكثر من 18 ألف طن طحين يوميا

نلتمس زيادة وعي الناس بالاستهلاك الصحي للمنتجات

 

لم يكن رجل الأعمال المرحوم محمود محمد بن محمود يملك أكثر من بقالة متواضعة بين أزقة المحرق القديمة، في العام 1940، حين كانت الحياه في البحرين بسيطة واحتياجات الناس من المواد الاستهلاكية زهيدة للغاية.

في الأربعينات لم تكن المملكة، بصورة عامة، تستهلك سوى الخبز التقليدي أو “العجمي”، كما يحلو للبعض تسميته، ومن هنا بدأ الحاج محمود مشاوره مع الخبز، إذ كان يزوّد المخابز الشعبية بالطحين اللازم لها، قبل أن يقوم بشراء عدد منها إلا أن نقطة التحول الكبيرة لدى الحاج محمود نفسه، بدأت مطلع السبعينات، حينما دبّ في البحرين شعور بالتطور الاقتصادي وتحسن القدرة الشرائية وتنوع الناس في الاستهلاك، ما دفع الحاج محمود إلى التفكير مليًّا في تدشين مشروع تجاري يتمثل في إدخال الخبز الإفرنجي إلى بيوت البحرينيين وفق إنتاج تجاري أو ما يعرف بالمخابز الآلية.

من هنا بدأت قصة “دلمون” والتي يعرفها معظم البحرينيين كعلامة تجارية لمختلف منتجات الخبز الإفرنجي، ففي العام 1970، بدأ مخبز دلمون الإنتاج بشكل متواضع من مدينة المحرق ليكون من بواكير المخابز الآلية في البلاد، ليواكب المخبز تغير نمط الاستهلاك في البحرين والتحول من الاقتصار على الخبز الشعبي للتنويع بمختلف منتجات الخبز والمخبوزات والذي استمر إلى عصرنا الحالي، وليعكس التغيرات الاقتصادية التي واكبت فترة النهضة الاقتصادية.

وبعد وفاة المؤسس المرحوم محمود محمد بن محمود، واصل الأبناء محمد وأحمد وعيسى مشوار والدهم، قبل أن يستلم جيل الأحفاد في التسعينات الإدارة التنفيذية. وللوقوف على تجربة شركة بن محمود القابضة وتطورها كشركة غذائية واستثمارية، كان لـ”البلاد” هذا اللقاء مع حفيد مؤسس مخبز دلمون وشركة بن محمود القابضة، المدير التنفيذي للعمليات أسامة بن محمود.

 

متى بدأ جدك الحاج محمود مشواره في عالم تجارة الأغذية والمخابز؟

- الشركة العائلية بدأت في 1940 على يد جدي رحمه الله الحاج محمود محمد حسين بن محمود، من المحرق، كان الناس في البحرين يشترون احتياجاتهم التمويلية للمنزل مما يسمى حينها بـ “الميرة” من بقالات أو مخازن كبيرة نسبيًّا تتوافر فيها معظم المنتجات، أو ما تسمى بـ “الحفيز” أو “العمارة”، كان جدي يوفر الأرز والطحين وغيرها من المنتجات الأساسية للناس، إذ يتم دفع المبالغ أو التعامل بشكل شهري.

فهو يموّل الخبازين بالطحين، حينها الاستهلاك يتركز على الخبز الشعبي “الخبز الإيراني”، وبدأ بعدها بشراء عدد من المخابز الشعبية في المحرق، وحتى السبعينات كان تركيز المؤسسة على المواد الغذائية والخبز الشعبي بصورة رئيسية. ودخل جدي في شراكة حينها مع أحد الشركاء من عائلة العوضي، وكان عمله حتى السبعينات يقتصر على بيع المواد الغذائية بشكل أساسي.

 

إذن متى كانت نقطة التحول في شركة بن محمود؟

- في مطلع السبعينات بدأ نمط الاستهلاك يتغيّر، كانت هناك طفرة، والحياة تغيّرت إلى حدٍّ ما، هنا فكر جدي في إنشاء مخبز آلي لتوفير مختلف أنواع الخبز الإفرنجي، إذ بدأنا نحن حينها أي في العام 1970 بمخبز دلمون كأول المخابز الآلية في البحرين إضافة إلى مخبز جواد الذي تزامن مع انطلاقتنا في نفس الفترة تقريبًا.

جلبنا الفرن والمعدات من ألمانيا من شركة “وينكلر”، وكان موقع المخبز في المحرق بالضبط في السوق على شارع الشيخ حمد بالقرب من نادي “شط العرب”، وينتج مختلف أنواع الخبز الإفرنجي إلى جانب منتجات الكيك والبسكويت.

وأخذنا نوزّع أنواع الخبز مثل “الروتي” و”السليس” و”الصمون” و”البقصم” وغيرها من المنتجات إلى مختلف مناطق وقرى البحرين.

في هذه الفترة بدأ يتراجع استهلاك الخبز الشعبي لصالح الخبز الإفرنجي، كما بدأ الاستهلاك يزيد على منتجات المخابز الآلية. وأعتقد إننا كنا من أوائل الدول في منطقة الخليج في إدخال المخابز الآلية بحيث أصبحت البحرين سباقة في هذه النواحي.

 

كيف كان شكل منتجات الخبز حينها؟

- طبعًا لم تكن بمستوى الجودة حاليًّا، لكن أعتقد إن الاستهلاك كان يتم بنمط صحي أفضل من الآن، إذ كان الطحين الذي يجلب للسوق ويستهلكه الناس يحتوي على “البر” بشكل أكبر وهو صحي أكثر.

وهذا نوفره حاليًّا أيضًا، من خلال توفير منتجات الخبز الصحية، كما نلتمس زيادة وعي الناس بذلك.

 

مع ارتفاع استهلاك الخبز محليا، كيف واكب دلمون هذه المتطلبات؟

- فتح جدي مصنعًا ثانيًا لتغطية الطلب على الخبز، وذلك في المحرق إيضًا في  فريج البوخميس، وبدأنا الإنتاج في المصنعين، وكان الأخير أكبر من الأول، إذ احتوى على ثلاثة أفران وتم تزويده بعشر سيارات للتوزيع، مقارنة مع سيارتين فقط في المخبز الأول. وتزامن افتتاح المخبز الثاني في 1982 مع احتفالات العيد الوطني المجيد.

 

 

ومتى بدأ إنتاج المصنع للخبز اللبناني؟

- مع تدشين المخبز الثاني بدأنا إنتاج الخبز العربي (اللبناني) والذي رفع حدة المنافسة أو قلل من استهلاك الإنتاج التقليدي بشكل واضح وجلي. وكان المصنع ينتج قرابة أربعة آلاف كيس يوميًّا.

ومع الضغط الذي حدث على استهلاك الخبز العربي، افتتحنا في فترة لاحقة مصنعًا للخبز اللبناني في سوق واقف لتغطية الطلب، وذلك في العام 2000 تقريبًا، إلى جانب مصنع آخر في نفس الفترة بالرفاع يقوم أيضًا بتوفير الخبز العربي إلى جانب المنتجات الأخرى.

 

إذًا، تحوّل تركيزكم كما هو ملاحظ على المخابز الآلية على حساب المنتجات الغذائية؟

- في الثمانيات بدأ ظهور السوبرماركت بالبحرين، إذ أخذ يستحوذ على  دور البقالات أو مزودي الأغذية التقلديين، أصبحت أعمالنا في المخابز الآلية تطغى على القطاع التقليدي، ففضلنا التركيز على المخابز الآلية والعقارات.

 

ومتى تحولتم لصناعة الشوكولاتة؟

- في العام 2000 تقريبًا، كنا نطلب كميات من الشوكولاتة من الخارج لاستخدامها مع منتجاتنا، فاقترحت علينا الشركة البلجيكية الموردة إقامة خط إنتاج للشوكولاتة، وتقديم المساعدة في التدريب والإنتاج، وجربنا الفكرة كجزء من إنتاج مصنعنا بالمحرق، وبعد أن وجدنا الطلب مرتفعاً، ارتأينا توسيع أعمالنا في هذا المجال من خلال إنشاء مصنع، من خلال استخدام منتجات ذات جودة عالية سواء الحشوات أو الشوكولاتة، وهذا قاد بدوره إلى ارتفاع الطلب على منتجاتنا بفضل الجودة.

أصبح  لديكم 4 مصانع للخبز، إلى جانب منتجات الشكولاتة، فهل حدثتنا عن توحيد وتطوير مصانعكم  بالحد؟

- في العام 2008 قدمنا طلبًا لافتتاح مصنعين في منطقة البحرين العالمية للاستثمار، أحدهما لإنتاج الحلويات والشوكولاتة، والآخر لتجميع الأفران وماكينات المخابز.

إلا أن التطورات التي مرت بها البحرين في تلك الفترة، أظهرت الحاجة إلى وجود منتجين استراتيجيين للخبز، بمعنى أن تكون البحرين قادرة على توفير الخبز ذاتيا في أي وقت أو ظرف كان دون أي مشكلة، وبوجود اهتمام كبير من القيادة في تأمين الأمن الغذائي للبحرين، وبفضل الدعم الحكومي وتوجيه القيادة وحرص سيدي سمو رئيس الوزراء على توفير الأمن الغذائي، بدأنا نشيد أكبر مصنع في المملكة  لمنتجات الخبز والأحدث على مستوى الشرق الأوسط.

كانت استراتيجيتنا التركيز على توحيد جميع المصانع الأربعة في مصنع خبز واحد حديث ومتطور وقادر على تلبية ما يصل إلى 80 % من احتياجات البحرين من الخبز، بحيث  دعت الحاجة نوفر إلى جانب المخابز الأخرى، الأمن الغذائي فيما يتعلق بالخبز كسلعة رئيسية لجميع السكان في المملكة. الآن أصبح لدينا هذا المصنع للخبز الآلي بصورة متكاملة، والذي يتم من خلاله إدخال الطحين ليخرج المنتج جاهزًا دون تدخل بشري وفق أعلى المواصفات العالمية، كما حصلنا على شهادة الجودة “الآيزو”. ورغم أننا ألغينا فكرة إنشاء مصنع لتجميع الأفران ومعدات المخابز الآلية، إلا أننا حافظنا على مشروع الشوكولاتة، ليكون هناك مصنع دلمون للمخابز إلى جانب مصنع بن محمود للشوكولاتة.

 

كم كان حجم الاستثمار في المصنعين ومتى تم افتتاحهما؟

- تم استثمار نحو 12 مليون دينار في المصنعين اللذين تم افتتاحهما في العام 2016 بشكل تدريجي، بعد هذا الاستثمار تم إغلاق المصانع الأخرى، وأبقينا على مصنع واحد في فريج البوخميس بالمحرق كمصنع احتياطي.

 

كم يبلع إنتاجكم اليومي في مصنع دلمون؟

- المصنع حاليًّا يستهلك أكثر من 18 ألف طن من الطحين، لإنتاج مختلف أنواع المخبوزات كما أن هناك 2500 وجبة يوميًّا يتم طلبها للمناسبات، ونحن نوزّع حاليًّا منتجاتنا لأكثر من 450 برادة وسوبرماركت منتشرة في مختلف مناطق البحرين.

 

بعض من منتجاتكم يصل مدة استهلاكها لأسابيع لماذا لا توفرونها لمنافسة السوق؟

- أحب أن أشير هنا إلى أننا أبرمنا مبادرات مع وزارة الصحة من أجل توفير منتجات خبز صحية خالية من الدهون المتحولة وقليلة الصوديوم، فنحو 90 % من منتجاتنا خالية من الدهون المتحولة وقليلة الصوديوم، وذلك لوقاية المستهلكين من العديد من الأمراض.، فالخبز الطبيعي مثلا، لا أعتقد إنه يجب أن تتجاوز مدة استهلاكه ثلاثة أيام.

وأشير أيضًا إلى ضرورة وعي المستهلك بنوع الخبز الذي يستهلك، فقد توجد منتجات في السوق تستخدم فيها مواد حافظة أو بها دهون متحولة والتي يعتقد بأنها السبب للعديد من الأمراض، لذلك يمكن الاستفادة من قسم التغذية بوزارة الصحة التي تقدم المشورة والتوجيه في هذا السياق.

 

هل تنوون التصدير للأسواق الخارجية؟

- حاليًّا نقوم بتصدير منتجات الشوكولاتة للخارج ولبعض الدول الخليجية، ونتباحث مع إحدى الشركات السعودية لإيجاد فرص تصدير منتجات مصنع دلمون للمملكة العربية السعودية.

 

إذا تطرقنا لتجربتك الشخصية كيف بدأت العمل في الشركة العائلية؟

- بدأت مشواري في التجارة وبالتحديد في مجال الذهب والمجوهرات، وارتأيت فيما بعد أنه يتعيّن علي أن أعمل في الشركة العائلية وأقدم شيئًا لمجموعة بن محمود، فبدأت في التسعينات أنا وابن عمي عبدالعزيز بن محمود تولي الإدارة التنفيذية بشكل أساسي. في 2015 تم تحويل الشركة إلى شركة قابضة تضم مختلف الشركات تحت الشركة العائلية، بحيث يكون هناك مجلس إدارة وإدارة تنفيذية وتوزيع الملكية في  شكل أسهم، ما يضمن استمرار العمل بالشركة العائلية بطريقة سلسة.