+A
A-

عبدالعزيز المير... وحكاية بدايات “المنتزه” و”عمارة الحطب”

“المير” انطلقت من مؤسسة قومسيون صغيرة في الخمسينات

والدي مدرستي في التجارة وهو من علّمني أصول المحاسبة

عزيمة المرحوم جلال المير وراء أول سوبرماركت “المنتزه” في 1984

واكبنا طفرة العمارة في السبعينات مع دخول “درايش” الحديد

“المنتزه” كانت من أبرز خطوات المجموعة للتنويع ومستمرون بالتطوير

 

عبدالعزيز المير؛ الابن الأكبر لصاحب الأعمال المعروف المرحوم جلال المير، يتولى الآن دفة قيادة مجموعة المير التجارية إلى جانب أخويه عبدالحميد وعبدالمنعم، وتعتبر المجموعة  من أبرز الشركات البحرينية العاملة في قطاعات متعددة أبرزها قطاع الأغذية والبناء. عاصرت مجموعة المير على مدى عمرها الذي يناهز 70 عامًا، مراحل اقتصادية مختلفة في البحرين والمنطقة، ومعها حملت شهرتها في مجال التجزئة، من خلال علامتها التجارية “المنتزه” والتي تعد أكبر سلسلة متاجر سوبرماركت محلية بنحو 16 فرعًا متوزعة حول مناطق المملكة، مواكبة لتطور مفهوم السوبرماركت منذ ثمانينات القرن الماضي.

كان لـ “البلاد” فرصة الالتقاء مع رئيس مجلس الإدارة عبدالعزيز المير للحديث عن بداية انطلاقة المجموعة من مؤسسة صغيرة عائلية للقومسيون (تجارة بالعمولة) على شارع الحكومة إلى مجموعة أعمال متكاملة من مواد البناء إلى تجارة الأغذية وخدمات التعليم والسفر وغيرها.

عاد بنا عبدالعزيز المير بذاكرته حينما عمل مع والده في تجارة الخشب والحديد من خلال “عمارة الحطب” في السبعينات بمنطقة النعيم، حين كانت البحرين على موعد مع  نهضة عمرانية واكبت صعود النفط، واستذكر مسيرة الأب المؤسس المرحوم جلال المير الذي يعتبره الابن  مدرسة في الحياة، تعلم منها الكثير، فإلى نص اللقاء معه:

 

عرفتُ أنك وأشقاءك توليتم قيادة دفة مجموعة المير من الوالد جلال المير بعد وفاته قبل 18 عامًا، فكيف بدأ المرحوم مسيرة الشركة؟

بدأت المؤسسة قبل والدي جلال المير، إذ كانت الانطلاقة مع جدي الذي كان عمل مع صهره، حيث كانا يستوردان من عمان ودبي والبصرة، وحينها لم تكن هناك خطابات الضمان البنكية (LC) واتصالات وهواتف، فكانت البواخر القديمة (البوم) تصل إلى فرضة المنامة محملة بالسلع، وهي قادمة مثلا من البصرة محملة بالبضائع خصوصًا في مواد الدنجل والحطب.

الوالد جلال المير بدأ أعماله في سن صغيرة لم يتجاوز حينها نحو 14 عامًا في نفس عمل والده، وتحديدًا في العام 1939 بعد وفاة والده، من خلال تجارة البضائع التي تصل من عمان ودبي والبصرة، وهي فترة الحرب العالمية الأولى والتي كانت فترة تجارة صعبة، وكان يتم توزيع السلع بالبطاقات التموينية، لكن البداية الحقيقة لمؤسسة المير بدأت بعد هذه الفترة.

بعد ذلك، عمل والدي مع عبدالرحمن المير من خلال “شركة عبدالرحمن وجلال المير للقمسيون والتجارة” في شارع الحكومة مقابل “ستاندرد تشاترد بنك” حينها.

وفي العام 1952 بدأ نشاط المؤسسة، قبل أن تتحول إلى “مؤسسة المير التجارية”، لتركز أنشطتها على مواد البناء والأدوات الصحية والخشب والسيراميك والحديد والتي كانت تستورد من دول أوروبية مثل إيطاليا وبريطانيا وحتى الهند.

ما مميزات ومهارات الوالد ليتولى العمل في سن مبكرة؟

الوالد جلال المير درس بمدرسة الهداية الخليفية، وأصبح محاسبًا محترفًا في الحسابات، إذ كان يمسك الدفاتر بمفرده ودفاتر اليومية العامة أو الاستاذ العام، المعروفة في علم المحاسبة. وهذا ما ساعده في أن يُبرِع في مجال الأعمال. كان يجيد اللغة الإنجليزية بمهارة.

مع البداية المبكرة للمؤسسة ما طبيعة عملها حينها؟

في الخمسينات والستينات، كان العمل وفق نظام “القمسيون” خصوصًا من تجار العمولة، لم يكن حينها يتم شراء البضاعة، فكان نفس الوسيط، يتولى توزيع البضائع للتجار مقابل عمولة، وكان عامل الثقة هو الأهم في هذه التجارة، مع غياب أي دفوعات نقدية مقدمة. إذ كان يتم استلام البضاعة بدون مقابل من الفرضة وتوزيعها على التجار، ثم يقوم الوالد بإرسال الأموال إلى تجار البصرة، وهذه العملية قد تستغرق أشهرًا، وكان الأمر برمته يتطلب ثقة عالية.

وفي الستينات والسبعينات، كان النشاط في مجال أنابيب الماء النحاس أو “الكلفنايز”، ومع دخول التلفزيونات وانتشار الهوائيات ارتفع نشاط الأنابيب التي تثبت عليها هوائيات لالتقاط إشارات التلفزيون.

كما كان هناك نشاط البلاط، وأتذكر أن الوالد أدخل عددًا من المنتجات للبحرين مثل “الموزاييك” الياباني والسيراميك الإيطالي. وما يميز والدي حضوره للمعارض العالمية خصوصًا في إيطاليا والدول الأوربية، وهو ما ساعده على جلب منتجات جديدة إلى السوق. في الخمسينات والستينات كانت السوق ضعيفة نسبيًّا، لكن الطفرة في مجال البناء بدأت بشكل لافت في السبعينات من القرن الماضي.

وكيف ساهمت مجموعة المير في طفرة السبعينات؟

أسعار النفط ارتفعت في السبعينات، والطفرة العمرانية بدأت بالسبعينات، وتأقلم الوالد مع هذا التطور بقوة، من خلال مخازن الحديد ومخازن الخشب بمختلف أنواعها، كما كانت لدينا وكالة منتجات خلاطات الأسمنت والتي كان لها أهمية في هذه الفترة.

ومتى بدأ توسع الشركة؟

أول توسعة تم فيها تغيير المكتب القديم في شارع الحكومة، بفتح مكتب ثان بالقرب من بوخماس في بداية الستينات وكانت هناك مخازن، وفتحنا فرعًا في شارع القصر القديم، وفي العام 1976 دشنّا أول معرض على شارع سترة، والذي لا يزال موجودًا إلى يومنا هذا.

في الستينات كانت لدينا عمارة الحطب والحديد، والعمارة كانت تطلق عادة على المعرض الكبير والتي تشتمل على مخازن ويتم من خلالها البيع المباشر في فترة الستينات والسبعينات، إذ ظهرت حينها نوافذ الحديد والتي بدأت الانتشار في حقبة الستينات.

بدأتم في الدخول بقوة في تجارة التجزئة والمواد الغذائية عبر “المنتزه”، حدثنا عن انطلاقته؟

الوالد كان له طموح كبير وتفكير مستمر في توسعة النشاط والتنوع فيه، وكانت هناك حاجة في السوق لوجود سوبرماركت، وأنا واكبت هذه المرحلة بعد أن عملتُ مع والدي في نهاية السبعينات.

كان عدد محلات السوبرماركت قليلة في السوق، ويوجد نقص بها، ورغم أن المحيطين بوالدي لم يشجعوه في الدخول في مجال الأغذية أو الأنشطة الجديدة، بل بالعكس كانوا يحذرونه من الفشل خصوصًا أن هناك من دخل في مجال السوبرماركت وخرج من السوق، إلا أن طموحه كان كبيرًا ويتسم بالإصرار.

وأتذكر أن هنا جرأة للوالد في التجارة، فحينما كان يشارك في أحد المعارض بإيطاليا، جلب شحنة كبيرة من البلاط وملأ بها المخازن. في العام 1984 أُفتتح أول فرع للمنتزه بالمحرق، وهو موجود إلى اليوم، وحرصنا أن يكون السوبرماركت متكاملاً مع معظم المنتجات المطلوبة.

ما الذي ميّز “المنتزه” حينها عن بقية الأسواق وما الأمور التي ساعدتكم على النجاح؟

كانت قدرتنا على استيراد مواد البناء في المجموعة قوية قبل بداية “المنتزه”، وبحكم علاقتنا التجارية الواسعة والشبكة التي نمتلكها شرقًا من اندونسيا وماليزيا والهند وسنغافورة إلى الغرب في ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا، هذا ما ممكن من جلب سلع غذائية من الخارج، ومكنا من بيعها بأسعار تنافسية.

ومع بداية “المنتزه”، بدأنا نشاط استيراد المواد الغذائية حتى أن بعض المعدات غير الغذائية مثل محلات  تشغيل الثلاجات والأرفف وعربات التسوق ومعدات تجهيز الأغذية حصلنا فيها على وكالات تجارية.

وأتذكر أن دراسة إنشاء سوبرماركت “المنتزه” استمرت قرابة السنتين قبل الافتتاح، وقمنا بالاتصال بشركات عالمية للحصول على المنتجات، حتى أن بعض منتجات الأحذية كنا نجلبها من الولايات المتحدة الأميركية. وحسبما أذكر، كنا أول من يستخدم البيع بالمسح الإلكتروني “الباركود” من خلال فرع “المنتزه” في الحورة.

وما خطتكم بالنسبة للتوسع في سلسلة متاجر المنتزه؟

نحن في تطور دائم، وعملية افتتاح الفروع أصبحت عملية سهلة مع امتلاكنا الخبرة والطاقم، وأينما وجد الطلب والحاجة فنحن على استعداد لتلبية هذا الطلب.

وقبل ثلاث سنوات تم افتتاح متاجر “المنتزه اكسبرس” ونحن نعمل على توسعة التجربة.

ألا تشعرون بأن المنافسة أثرت على توسعكم؟

زبائننا موجودون، كما أن الطلب يرتفع مع زيادة عدد السكان، ولذلك نحن مستمرون في خطط التوسع لمواكبة التطور، و أدخلنا الكثير من عمليات التجديد، ونجد الكثير من الفرص مع ارتفاع حجم السوق.

ما الشركات التي تعمل حاليًّا تحت مظلة المجموعة؟

إلى جانب مؤسسة المير التجارية، توجد هناك أنشطة تحت المجموعة، شركة المير للتوزيع، وأسواق “المنتزه”، ومعهد المستقبل للتدريب والتطوير، ومصنع السيد للألمنيوم، وقرطاسية المنتزه، وسفريات المنتزه، إضافة إلى مقهى “سيجافريدو اسبريسو” الإيطالي.

إذا عرّجنا قليلاً على شخصك، عبدالعزيز المير، كيف كانت بداية مشوارك العملي؟

أثناء دراستي في المرحلة كانت ميولي نحو العلوم، ولم أكن أهوى الدراسات التجارية، وكان تفكيري بسيطًا حينها، لكن الوالد وجهني نحو دخول مجال التجارة، كما حدثني خالي بشأنها، وقال لي: إذا كان والدك تاجرًا فلماذا لا تدرس التجارة؟.فدرست المحاسبة وهي ذات علاقة بالرياضيات، وذلك من خلال كلية التجارة والاقتصاد في جامعة الكويت، وكان تخصصي الفرعي في إدارة الأعمال.

هل انخرطت مبكرًا مع الوالد المرحوم، في مجال التجارة؟

الوالد كان لديه دفاتر محاسبية جيدة، وحين كنت في مرحلة الدراسة، كان المغفور له بإذن الله يوكل لي بعض الأعمال، وأتذكر مثلا أنه كان يطلب مني تسعير بعض المنتجات، وكنت أجهد نفسي  في إجراء الحسابات، ورغم أن الوالد في اعتقادي لم يكن يأخذ بتسعيرتي في النهاية، لكنه أراد مني أن أتعوّد على جو العمل وأن أخوض هذه التجربة.

وفي الصيف، كنت أتولى بشكل كامل “عمارة الحطب” وأنا في العشرينات من عمري، وكانت تحتوي على البلاط والحديد، وحينها كان شخص بحريني من أصدقاء الوالد يدير هذه العمارة وعندما يخرج في إجازة الصيف ويسافر، كنت أتولى إدارتها في إجازاتي الصيفية، وقد يكون هذا أول عمل حقيقي لي مع الوالد وله ذكريات جميلة.

كان مفتاح العمارة عندي وكنت أفتحها في وقت مبكر من الصباح، وأغلقها في الظهيرة قبل أن أستأنف افتتاحها في المساء، وتعلمت الكثير حينها، وكيف أتحمل مسؤولية العمل.

ورغم كوني ابن صاحب الشركة، لم أكن أشعر بأنني كذلك، بل شعرت بأني موظف بل حتى أقوم في بعض الأحيان بتحميل البضائع بنفسي.

وفي العام 1978 تخرجت من الجامعة وانضممت إلى الشركة بصورة دائمة، ومسكت الحسابات والتي كانت مضبوطة، وأول ما قمت به هو إدخال أعمال المدقق الخارجي.

ألم يعارضك الوالد وأنت شاب صغير على أن تقوم بتغيير في آلية العمل؟

لا، الوالد كان يستمع ومنفتحًا على الآراء التي تطور العمل، وكان مرنًا جدًّا وهو يمثل مدرسة كبيرة وقدوة ويعلمنا كيف نتخذ القرار ونأخذ مسؤوليته، وعلمنا كيف نقرأ المستقبل.

لم نكن ملزمين بمدقق خارجي حينها مثلا، وكان قصدي منه تطوير آلية العمل مع زيادة حجمه، وأتذكر أننا جلبنا شركة “كي بي أم جي فخرو” وتعلمنا إعداد ميزانية، وقبلها كان تعلمنا دفتر الذمم والدفتر الأستاذ العام بشكل محترف. وكانت هناك ذمم تجارية ضخمة وكان لدينا زبائن كبار مثل يوسف بن أحمد كانو وغيرهم.

وفي الثمانينات أدخلنا الكمبيوتر في الحسابات، وكانت الأجهزة في حينها كبيرة ليست كما هو الحال الآن.