+A
A-

بيت العمر.. التشطيبات “نص كم” ومن يردّ الحقوق؟

ضرب عبدالله مسّاد يمناه بيسراه، وبدا عاجزًا عن فعل شيء، والغضب يسيطر عليه، متسائلاً: من سيرد لي حقي، ومن سيحاسب صاحب العقار المحتال بعدما أخذ كامل سعر الشقة التي اتضح أن فيها أخطاء هندسية وتشطيباتها دون المستوى؟.

يقول عبدالله إنه اشترى شقته في منطقة الرفاع بـ 68 ألف دينار، حيث حصل على قرض إسكاني بنحو 40 ألفًا ووضع فوقه كامل مدخراته هو وزوجته مع قرض شخصي لإكمال المبلغ، وللأسف النتيجة شقة غير مريحة و”تلفانة” بحسب تعبيره، فالتشطيبات دون المستوى، وبعيدة عن الاتفاق الذي تم بينه وبين المالك.

وأضاف “بعد سكني بالشقة لنحو 6 شهور تقريبًا بدأت العيوب تظهر، فتمديدات المياه والكهرباء ليست بالجودة المطلوبة، الماء يخر من معظم “بيبات” الحمامات والمطبخ، وأسلاك الكهرباء وعلبة القواطع ضعيفة ولا تتحمل الأحمال خصوصًا عند تشغيل المكيفات”.

وتابع مسّاد “بعض الجدران تشققت بفعل تسرب المياه، (...) راجعت مالك العمارة الذي اشتريت منه، فأرسل العمال بداية الأمر في محاولة لتصليح الأضرار، لكنهم لم يستطيعوا عمل شيء، فالبينة التحتية سيئة بالكامل على حد وصفهم، وبعض الأشياء لا يمكن تصليحها في حين يحتاج بعضها الآخر إلى إعادة إنشائها من الصفر، فعاد وترك الأمر”.

وزاد “مع كثر الإلحاح والمناوشات بيني وبينه قالها صراحة: أنا بعتك الشقة منذ 6 شهور وليس لي علاقة الآن بها، فأنا لم أعطك كفالة، (...) وقالها بالعامية: أذلف.. وأعلى ما بخيلك أركب”.

وعبدالله واحد من كثيرين انخدعوا عند شراء بيت العمر، خصوصًا أن العيوب تظهر بعد فترة من الزمن وبعد الاستخدام، حيث لا يبقى أمامهم سوى الشكوى للقضاء وهو أمر يطول انتظاره، بحسب ما يقول الكثير من المتضررين، فضلاً عن أن عقود البيع عادة لا تلزم صاحب الملك بإعادة النقود، وفي نفس الوقت لا يمكن تصليح بعض الأخطاء في التنفيذ خصوصًا إذا كانت تتعلق بالبنية التحتية للعمارة.

 

القانون الجديد يحمي الجميع

ويجمع مختصون وعاملون في القطاع العقاري على أن قانون التنظيم العقاري الجديد الذي أقره مجلس الوزراء في شهر أكتوبر الماضي سيحمي جميع الأطراف من بائع ومشتر وعقاري ومطور ومستثمر، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ماذا عن الذين اشتروا بيوتهم قبل صدور القانون؟

وعن ذلك يقول المحامي سعد جابر الدوسري إن قانون التنظيم العقاري الجديد وضع حدًّا لهذه المشاكل، وسد فراغًا تشريعيًّا كبيرًا في هذا المجال، خصوصًا أن مواده جاءت تفصيلية وشملت كل شيء، مؤكدًا أن السوق ينتظر إصدار اللوائح التنفيذية التي ستصدر – بحسب اعتقاده – في شهر مارس المقبل.

وأضاف “ما يعني أن أي مشكلة تقع في القطاع العقاري من الآن وصاعدًا سيحكمها القانون الجديد والذي جاء متكاملاً لا سيما أنه جعل المسؤولية في هذا الجانب على المطور والمقاول والمهندس والاستشاري، عكس السابق حيث كانت بعض هذه الأطراف خارج الموضوع”.

دوامة المحاكم

وبيّن الدوسري أن “القواعد العامة بالقانون بأن يضمن البائع جودة المنتج وهذا يشمل كل المنقولات سواء عقار أو سيارة .. إلخ، لكن للأسف عادة ما تدخل هذه القضايا دوامة المحاكم المعتادة وبالتالي تطول المدة ويستمر الضرر على المشتري لحين الحصول على الحكم”.

وعاد الدوسري ليؤكد أن المنظومة التشريعية بالبحرين ممتازة والقوانين تضمن الحقوق لكن المشكلة تبقى بالجانب العملي، حيث يطول أمد التقاضي.

واعتبر القانون الجديد متطورًا ومتفوقًا على الكثير من القوانين المطبقة في بلدان أخرى، مشيرًا إلى أنه فتح المجال للتسوية، الأمر الذي يسرّع حل النزاعات، فقد سمح بتسوية القضايا التي تفوق قيمتها النصف مليون دينار عن طريق غرفة البحرين لتسوية المنازعات، لكن المشكلة تبقى في تلك العقارات التي تقل قيمتها عن هذا الرقم.

وتابع الدوسري وهو أيضًا وسيط تسوية معتمد، أن أصحاب الدخل المتوسط والمحدود يشترون عقارات بأسعار قليلة وبالتالي لا تشملهم هذه الخاصية، إلا أن القانون أوجد حلاً أيضًا من خلال استحداث وسيلة الوساطة لكن لم تصدر قواعدها إلى الآن.

 

المطور والمقاول والاستشاري تحت القانون

من جهته، قال الرئيس التنفيذي لمؤسسة التنظيم العقاري، الشيخ محمد بن خليفة بن عبدالله آل خليفة إن القانون الجديد وضع آلية لحماية جميع الأطراف.

وأكد أن “هناك حساب ضمان مراقب من قبل المؤسسة، وعلى المطور العقاري إيداع كل المبالغ التي يحصل عليها من جراء البيع في هذا الحساب قبل أن ينتهي المشروع، مع إدراج اسم المشتري”.

وتابع “وعليه يتم تشكيل وتفعيل اتحاد الملاك مباشرة بعد البيع، وبالتالي يأخذ الاتحاد دور المطور، الأمر الذي يحمي حقوق جميع الأطراف ويمنع وقوع المشاكل”.

وبين الشيخ محمد الذي تحدث لـ “البلاد” على هامش الإعلان عن فوز الشركة الأيرلندية بعقد إدارة وتشغيل مؤسسة التنظيم العقاري مطلع ديسمبر الماضي أن “هناك اشتراطات قانونية للعمران ينظمها قانون آخر، وبالتالي فإن أي عيوب جوهرية تظهر بالمبنى يتحمل مسؤوليتها المطور والمقاول والاستشاري”.

وأوضح أن “القانون الجديد نظم هذه العملية بعد البيع، حيث هناك التزامات على المطور والمقاول والاستشاري، وهذا ينطبق على جميع العقارات والمباني والعمارات السكنية”.

 

مؤسسة التنظيم العقاري

وأُعلن في مطلع ديسمبر الماضي عن فوز الشركة الأيرلندية الدولية للتطوير (I.D.I) بعقد إدارة وتشغيل مؤسسة التنظيم العقاري الجديدة، ولمدة 3 سنوات تبدأ من مارس المقبل بقيمة 3.6 مليون دينار، بواقع 1.2 مليون سنويًّا.

وستقوم الشركة بموجب اتفاقية وقعت بهذا الخصوص بصياغة الأدوات القانونية اللازمة لتنفيذ قانون تنظيم القطاع العقاري، وإعداد معايير وترخيص الأنشطة العقارية، والهيكل التنظيمي للمؤسسة.

وتتضمن الاتفاقية 7 بنود رئيسة تشمل كل ما يتعلق بعمل وهيكلة وإدارة المؤسسة، وهي الجانب القانوني، والتنظيمي والإستراتيجي والمالي والتقني والتشغيلي والإعلامي.

وستقوم الشركة بصياغة 66 أداة قانونية لازمة لتنفيذ قانون قطاع التطوير العقاري بما في ذلك معايير ترخيص الأنشطة العقارية، وتنظيم عمل المهن المتعلقة بالتطوير العقاري.

ومن المعلوم أن إنشاء مؤسسة التنظيم العقاري جاء بناءً على القانون رقم 27 لسنة 2017 والمتعلق بتنظيم القطاع العقاري، حيث جاء في المادة الثالثة أنه تنشأ مؤسسة تسمى مؤسسة التنظيم العقاري تكون لها الشخصية الاعتبارية، وتلحق بجهاز المساحة والتسجيل العقاري، ويصدر مرسوم بتنظيم المؤسسة وتشكيل مجلس إدارتها وتحديد اختصاصاته وأداة تعيين الرئيس التنفيذي وتحديد اختصاصاته وكافة المسائل المتعلقة بالمؤسسة، على أن يكون من ضمن مجلس الإدارة ممثلين عن القطاع العقاري والمرخص لهم بموجب القانون.

والمؤسسة معنية بوضع الأنظمة وإصدار اللوائح التنفيذية والقرارات اللازمة لتنفيذ القانون، والمتعلقة بمنح وتجديد تراخيص أنشطة القطاع العقاري ومشاريع التطوير وتراخيص مزاولة الأعمال وفتح وإدارة حساب الضمان لمشروع التطوير العقاري واعتماد أمين حساب الضمان.

وتتولى كذلك اقتراح وتحصيل الرسوم المفروضة على تراخيص أنشطة القطاع العقاري والتطوير العقاري ومكاتب الوساطة والشركات العاملة في إدارة وصيانة العقارات ورسوم تجديدها.

 

تفعيل اتحاد الملاك

إلى ذلك، قال رئيس جمعية العقاريين البحرينية ناصر الأهلي إن القانون البحريني نظم هذه المسألة وضمن للناس حقوقها، حيث ألزم المالك والمكاتب الهندسية والمقاولين بتحمل المسؤولية في حال كان هناك أخطاء في التنفيذ وظهور العيوب والمشاكل كالتشققات وسوء التمديدات الصحية والكهربائية.

لكنه عاد ليؤكد بحكم خبرته وعمله في السوق أن المشكلة تكمن في طول فترة التقاضي، حيث يضطر المشتري المتضرر بالذهاب إلى المحاكم عندما لا يعترف البائع بالمشكلة وقد تستمر القضية سنوات، وبطبيعة الحال لا يستطيع الشخص البقاء في البيت أو الشقة مع هذه العيوب ما يدفعه إلى تصليحها على نفقته الخاصة انتظارًا للحكم.

وتابع الأهلي “المشاكل ليست فقط عند ظهور العيوب، فهناك مشكلة متأصلة تتعلق بعدم عمل اتحاد الملاك في العمارات والتي تتسبب في الكثير من المشاكل”.

وبيّن أن قانون التنظيم العقاري الجديد عالج كل هذه المسائل ونظمها، مشيرًا أن السوق العقارية تنتظر إصدار اللوائح التنظيمية المتعلقة بهذه الأمور.

وأشار إلى أن الجمعية تقدمت بمقترح ليتم شموله في اللوائح التنفيذية للقانون يتعلق بإلزام المقاول (المطّور) بإدارة المبنى لمدة سنتين كاملتين على أن يؤسس اتحاد الملاك عقب بيع جميع الوحدات السكنية، مهما كان حجم البناء.

واتفق الأهلي مع ما جاء به المحامي الدوسري بضرورة إحالة مثل هذه القضايا إلى غرفة تسوية النزاعات بغض النظر عن قيمة العقار، كونه فيه مصلحة للجميع وإنهاء الخلافات سريعًا.

وكان الأهلي قال في تصريحات لـ “البلاد” عقب إقرار القانون في أكتوبر الماضي، إن القانون يشمل جميع تفاصيل القطاع العقاري، ويندرج تحت مظلته الكثير من القوانين الحالية المنفصلة مثل قانون التطوير العقاري والوساطة والتثمين العقاري وإدارة الأملاك وغيرها.

واعتبره النواة الحقيقية للعمل العقاري إن كانت تنظيمية أو إدارية وجميع المهن المختصة بالعقار في البحرين مستقبلا، لافتًا إلى أن القانون القديم يفصل معاملات بطاقة الدلالة في وزارة والمعاملات الأخرى في جهات أخرى وجاء المرسوم الجديد لتكون تلك القوانين تحت مظلته.

وأضاف الأهلي أنه سيتم تفعيل قانون اتحاد الملاك وتنظيم العمل نفسه، وسيغلق الثغرات القانونية الموجودة حاليًّا، ووجود مؤسسة التنظيم العقاري سيرسم خارطة طريق للقطاع، وستكون المؤسسة مهمة للقطاع العقاري لتأخذ الدور المنوط بها بكل ما يخص التطوير والشراء والوساطة وغيرها.

من جانبه، قال الوسيط العقاري فهد حميدان إن السوق شهدت العديد من المشاكل بين المشترين والمقاولين بسبب التشطيبات، حيث يكتشف المشتري بأن شقته ليست كما اتفق عليه وبالتالي تنشب الخلافات، وعادة لا يتم التوصل لحلول ويضطر المتضرر الذهاب إلى المحاكم التي يطول وقتها.

وأوضح أن القانون القديم لم يكن يحمي جميع الأطراف بنفس المستوى خصوصًا أنه لا يوجد مبلغ تأمين، فعادة لا يعترف المقاول (المطور) بالمشكلة ويقع المشتري في دوامة، على عكس الآن حيث ضبط القانون الجديد المسألة برمتها.

وتابع حميدان “سد مشروع القانون الجديد جميع الفجوات في قطاع التطوير العقاري بالبحرين بما يحفظ حقوق المستثمرين والمساهمين على حد سواء، ويضمن العدالة للأطراف كافة، ويدعم ثقة المستثمرين في هذا القطاع، وينشّط السوق العقارية بالمملكة”.

وكان رئيس مجلس إدارة جمعية البحرين للتطوير العقاري عارف هجرس أكد في حديث سابق مع “البلاد” أن “ القانون الجديد سينظم القطاع ويعطيه وزنًا وينهي المشاكل التي كانت تنشب بين المشترين والمطورين في السابق”.

وبيّن أنه “سيحفّز المطورين والمستثمرين سواء المحليين أو الخارجيين، لأن الجميع – بالسابق - كانوا متخوفين بسبب عدم وجود مظلة تشريعية توضح الحقوق والواجبات”.

وقدّر هجرس قيمة المشروعات العقارية في البحرين بنحو 30 مليار دولار، وهو رقم قابل للزيادة كون الكثير منها ينفذ على مراحل.

 

محاكم عقارية لسرعة البت في النزاعات

ودعا محامون إلى إنشاء محاكم عقارية لسرعة البت في النزاعات العقارية أسوة بلجنة تسوية المنازعات العقارية التي تختص في نظر المنازعات الإيجارية.

وتشترط هيئة الكهرباء والماء منذ الأول من سبتمبر الماضي على كل عقار يطلب خدمة المياه بضرورة تقديم ختم سباك معتمد لديها، حيث لن تقبل أي استمارة طلب لخدمة المياه بدون هذا الختم.