+A
A-

القصة في الخليج

   القصة في منطقة الخليج العربية فن من الفنون الحديثة ذات حالة إبداعية وخيالية، وذات ارتباط بالواقع المعيش في إطار إنساني، بل هو ضمن الفنون الإنسانية الأخرى التي تعبر عن تاريخ الإنسان والمكان والزمان، ويسعى إلى البحث عن جماليات فنية، وهي: توظف التقنيات القصصية لتحفر لنفسها (القصة الخليجية) بصمة في المشهدين الأدبي والثقافي بالمنطقة كما فعلت ذلك من قبل كل من القصة المصرية، والقصة العراقية، والقصة السورية، بالإضافة إلى دول المغرب العربي، وفي الوقت نفسه فإن هذا الفن لم يكن سهل التناول، وإنما هناك مخاطرة الولوج إليه لحداثته وتعقيد بنائه ومعرفة نماذجه المتعددة بين القصة الطويلة، والقصيرة، والقصيرة جدًّا التي بدأت في الانتشار حديثًا.

ظهرت القصة القصيرة قبل الرواية في عموم المشهد الأدبي الخليجي، ويعود هذا إلى معطيات اجتماعية وتطورية في بناء المجتمع مدينيًّا ومدنيًّا، وحال الوعي الثقافي المتسيدة آنذاك، وكذلك القدرات الفنية والتقنية لدى الكاتب وهو ينسج كتاباته السردية التي لا تتعدى الحديث عن بعض المشكلات الاجتماعية المحصورة في العلاقات بين المرأة والرجل كالزواج والطلاق والتعليم والعادات والتقاليد، إذ كانت القصص في عالم الحكاية البسيطة والمسطحة بعد تأثر أصحابها بما كان يكتب وينشر من قصص ومقالات وخواطر في المجلات والدوريات التي تصل إلى المنطقة، أو من خلال التواصل مع البعثات التعليمية التي تمثلت في المعلمين والمعلمات الذين حطوا رحالهم لتعليم أبناء المنطقة، بالإضافة إلى الصحافة ودورها في نشر المحاولات المتأثرة بما هو موجود في مصر والعراق وبلاد الشام، إضافة إلى ما يصل مترجمًا وإن كان متأخرًا.

ومن الطبيعي إذا كان المجتمع يؤمن بالتلاقي والتحاور والتواصل مع الثقافات الأخرى، فإن القصة أحد ملامح هذا التلاقي، لذلك ظهور القصة القصيرة في المنطقة لم يكن محض صدفة أو تبعًا لأهواء كاتب هنا أو كاتب هناك، وإنما نشأت في الخليج والجزيرة العربية تجاوبًا مع المرحلة الحديثة التي بدأ يتعرف عليها المجتمع بكل ما رافقها من عوامل التغيير الاجتماعي والاقتصادي، وبكل ما اقترنت به من نوازع في تمزيق جدار العزلة، لذلك نشأتها تعبير مؤثر ومهم في التجربة الثقافية والفكرية في الخليج العربي (1).

المصطلح:

في سياق الحديث عن القصة في المنطقة الخليجية، فإننا نعني جغرافيًّا دول مجلس التعاون الخليجي، أي الدول الست المنضوية تحت مظلة مجلس التعاون، وهنا نقول إن الكتابات النقدية والأدبية عادة ما تشير إلى ما نطلق عليه بالأدب الخليجي – الشعر الخليجي – الرواية الخليجية – القصة الخليجية – المسرح الخليجي – الدراما الخليجية – السينما الخليجية... أو نبتعد عن هذه المساءلة الفنية والمصطلحية فنذهب إلى ما يمكن أن نطلق عليه الأدب في الخليج – الشعر في الخليج – الرواية في الخليج – القصة في الخليج – المسرح في الخليج – الدراما في الخليج – السينما في الخليج، وهذا ليس بغريب في الثقافة العربية بل حتى العالمية، فهناك توزيع وتقسيم لتاريخ الأدب والإبداع والإنسان التصق بالحالة السياسية للمكان أو الظرف الموضوعي والتاريخي والثقافي لهذه الدول دخل فيه أيضًا، لذلك ظهرت لنا الدراسات التي تؤكد أن هناك آدابًا تسمى: الأدب الجاهلي – الأدب الأموي – الأدب العباسي بعصريه – عصر النهضة – عصر الانحطاط.

وهناك فرق كبير بين المصطلحين أو بين المفهومين، بين القصة الخليجية، والقصة في الخليج، وهو ما ينطبق على الأدب بشكل عام، فالأول يعني إلصاق الفعل الإبداعي إلى المكان وهويته هي الفاعل الأساس، بمعنى كل هذا الإبداع من صنع الفرد الخليجي، أي الأدب والفعل الإبداعي وحالة الكتابة خليجية بحتة، أما الثاني فيشير إلى أن ما نتج من إبداع في المنطقة هو منتج لكل كاتب في المنطقة سواء أكان خليجيًّا أم عربيًّا أم أجنبيًّا، وهنا إبعاد هوية المكان ونسبته إلى هوية النص لا غير. وهذا يعني أننا لا يمكن أن نتجاهل الكاتب غير الخليجي ودوره في المنجز الإبداعي والثقافي بالمنطقة، لذلك هل سألنا أنفسنا أيهما نأخذ من هذين المفهومين تجاه ما ينجز بالمنطقة؟، فضلا عن أن بعض المنجزات الكتابية، وبالأخص النقدية هي دراسات لنقاد وكتاب عرب اشتغلوا على منجز أبناء المنطقة كما هو واضح وجلي في الكتابات النقدية التي كتبت عن الأدب في الإمارات العربية المتحدة، حيث كرس عدد من الأكاديميين والباحثين والنقاد جل عملهم في دراسة أعمال أنتجها كتاب إماراتيون.

وهذا يجعلنا عدم تجاهل هذا الدور الفاعل -حضورًا وتواصلا ونقدًا- الذي يقومون به هؤلاء وغيرهم، فضلا عما يقدم من منجز إبداعي أيضًا في القصة والرواية والشعر، لذلك نحن نستعمل هذه المصطلحات التي ربما ليست دقيقة نقديًّا وعلميًّا، وإنما توافق عليها المشتغلون بالدرس الأدبي والنقدي من أجل الوصول إلى صيغ الكتابة النقدية المحصورة في مكان جغرافي معين، بل ذهبنا أكثر من تعميم المنجز الأدبي إبداعًا ونقدًا من كونه خليجيًّا إلى الحدود الجغرافية الأكثر حصرًا، فنقول: القصة العمانية – القصة السعودية – القصة الكويتية – القصة القطرية – القصة الإماراتية – القصة البحرينية، وربما أخذنا هذه التسميات من العالم العربي الذي يؤكد وجود القصة المصرية – القصة السورية – القصة العراقية – القصة المغربية كما تعلمنا في مدارسنا وجامعاتنا.

وإن كانت هذه المصطلحات يجانبها بعض الغموض فنيًّا، إنما حضرت في المشهد الأدبي عامة والنقدي على وجه الخصوص بغية الدرس بعد ما اتفق عليها المشتغلون للوقوف على حالة الإبداع والكتابة وخصوصية هذا المكان ومنجزه الذي قد يتباين مع الآخر، ثم دخلنا في تجزئة هذا الفن أو ذاك عبر بعض المكونات السردية، والتقنيات الجمالية، فذهبنا إلى عناوين نطيعها للدرس والتحليل، مثل: البحر في القصة العمانية – المكان في القصة السعودية – الزمن في القصة الكويتية – الهوية في القصة الإماراتية، أدب الصحراء، العلاقة بين الريف والمدينة، وهكذا نسير إلى جزئيات العمل.

 

1 - إبراهيم غلوم، القصة القصيرة في الخليج العربي – الكويت والبحرين، ص27-28.