+A
A-

أموال المغتربين.. كيف تساهم في إعاشة أسر وبناء اقتصادات؟

 في سبعينيات القرن الماضي، ومن أجل معالجة معدل البطالة المرتفع وأزمة ميزان المدفوعات، اعتمدت الحكومة الفلبينية مجموعة شاملة من السياسات التي شجعت بشكل منهجي حركة تصدير العمالة المحلية إلى جميع أنحاء العالم.

وبرنامج تصدير العمالة الذي أسس في البداية كتدبير مؤقت لمعالجة مشاكل الفلبين، تم تطويره على مدار العقود الأربعة الماضية، ليصبح ضلعًا رئيسيًّا بهيكل الاقتصاد. فعلى سبيل المثال، صدرت الفلبين في العام 2013 وحده 1.8 مليون عامل مؤقت إلى أكثر من 190 بلدًا حول العالم، يحمل كل منهم عقدًا أصدرته واعتمدته الحكومة الفلبينية.

ويشغل الفلبينيون مجموعة واسعة من الوظائف في أسواق العمل الأجنبية. والتحويلات المالية التي يرسلها هؤلاء إلى وطنهم تشكل جزءًا معتبرًا من الناتج المحلي الإجمالي للفلبين.

وفي الحقيقة، إن الحركة القانونية للعمال المؤقتين على هذا النطاق لا مثيل لها تقريبًا في دول العالم النامي. وبالنسبة لكثير من المراقبين الدوليين يعتبر النظام الفلبيني لتصدير العمالة لا مثيل له في تطوره، مما يجعله نموذجًا للبلدان النامية الأخرى.

خطة مؤقتة تتحول إلى إستراتيجية

قبل السبعينات، لم تضطلع الحكومة الفلبينية بدور كبير في تنظيم أوضاع مواطنيها بالخارج، ولم يكن هناك سوى شركات التوظيف الأميركية التي كانت تعمل على تسهيل هجرة العمال الزراعيين للعمل في مزارع الأناناس والسكر في هاواي منذ أوائل القرن العشرين وحتى الحرب العالمية الثانية.

لكن في أوائل السبعينات، ازداد الطلب على العمالة المؤقتة بدعم من الازدهار الاقتصادي في الشرق الأوسط، وخاصة في الدول الخليجية. وسرعان ما استغلت الحكومة الفلبينية سوق العمالة المؤقت الناشئ في هذه المنطقة، واعتمدت في عام 1974 قانون العمل في الفلبين، والذي نظم بشكل كبير وضع العمالة الفلبينية بالخارج.

وتحت ظل هذا القانون تم إنشاء ثلاث مؤسسات حكومية تعمل على تطوير سوق العمالة الفلبينية بالخارج، وتأمين أفضل شروط العمل الممكنة للعمال في الداخل والخارج، وتقوم كذلك بالإشراف على عمل وكالات ومكاتب التوظيف الخاصة.

وفي أوائل الثمانينات، أنشأت الحكومة الفلبينية مجموعة واسعة من المؤسسات هدفها تشجيع وإدارة صادرات البلاد من العمالة. ولكن تجربة المهاجرين لم تكن دائمًا إيجابية. ففي عام 1995، واستجابة لتقارير متزايدة حول سوء معاملة الفلبينيين بالخارج، أُنشئت هيئة أخرى تابعة لوزارة الخارجية، تعمل على تقديم المشورة القانونية والدعم القضائي للفلبينيين العاملين بالخارج.

تعزيز حماية العمالة الفلبينية

تتلقى الحكومة الفلبينية باستمرار شكاوى تتعلق بسوء معاملة الفلبينيين بالخارج، واستغلالهم بصورة غير قانونية تؤدي إلى وفاتهم في بعض الأحيان.

كما يعاني العديد من المهاجرين الفلبينيين ولا سيما العاملين بقطاعات لا تحتاج إلى مهارات، من رسوم استقدام مفرطة يتقاضها بعض مسؤولي مكاتب التوظيف عديمي الضمير، ومن احتمال مصادرة جوازات سفرهم، وسوء ظروف العمل والمعيشة، وأحيانًا لا يحصلون على الأجر الذي يستحقونه أو لا يحصلون على أجر على الإطلاق.

واضطرت الفلبين إلى القيام أكثر من مرة بعمليات إجلاء واسعة النطاق لعمالها الموجودين بالخارج من مناطق عانت من عدم الاستقرار السياسي. ففي عام 2011، على سبيل المثال، تمت إعادة حوالي 10 آلاف فلبيني إلى وطنهم معظمهم من ليبيا، على خلفية التطورات السياسية المتلاحقة التي شهدتها المنطقة.

وفي محاولة لمعالجة هذه المشاكل، اتخذت الحكومة الفلبينية في السنوات الأخيرة تدابير مختلفة لتحسين أوضاع العمال الفلبينيين بالخارج، مثل اشتراط استخدام عقود عمل موحدة، وحظر تصدير العمالة إلى البلدان ذات السجل السيئ في حماية العمالة المهاجرة، وخفض رسوم التوظيف.

وكما كانت الحكومة نشطة بشكل خاص في التفاوض على ظروف أفضل لعمالها في البلدان التي يقصدها أكبر عدد منهم. على سبيل المثال، نجحت الفلبين في عام 2012 في التفاوض على مذكرة تفاهم مع السعودية تنص على أن الحد الأدنى للأجر الشهري الخاص بالعمال المنزليين الفلبينيين يساوي 400 دولار، وهو الاتفاق الأول من نوعه بالمنطقة.

أرباح الفلبين من تصدير العمالة

رغم الظروف القاسية التي يواجهها في بعض الأحيان المهاجرون وخاصة أولئك الذين يعملون في قطاعات متدنية المهارات وغير محمية مثل العمل المنزلي، استفادت الفلبين بشكل كبير من إرسال عمالها إلى الخارج.

وأصبحت التحويلات المالية للفلبينيين العاملين بالخارج، مصدرًا رئيسيًا من مصادر تدفقات النقد الأجنبي للبلاد، وبلغ متوسطها خلال السنوات الخمس الممتدة بين عامي 2010 و2015 حوالي 8.9 % من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، كما شكلت نحو 23 % من إجمالي إيرادات صادراتها. وفقًا للبيانات الصادرة عن البنك المركزي الفلبيني، بلغ إجمالي التحويلات المالية التي قام الفلبينيون العاملون في الخارج بإرسالها إلى وطنهم في عام 2014 فقط، حوالي 27 مليار دولار، وهو ثالث أعلى مبلغ سجل في العالم خلال ذلك العام، بعد الهند والصين.