+A
A-

نحو مدن بحرينية ذكية... الطاقة الذكية مثالًا

إن مفهوم المدينة الذكية هو مفهوم حديث يشير أساسًا إلى منطقة مدنية يتم فيها استخدام التقنيات الرقمية والهندسية لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لقاطني هذه المدن من خلال توفير وتسهيل حصولهم على الخدمات بكل سهولة ويسر. في المدن الذكية، يتم استخدام أنواع مختلفة من أجهزة الاستشعار والرصد الإلكترونية لجمع البيانات، وبالتالي تحليل ومعالجة هذه البيانات وتحويلها لمعلومات، والتي تستخدم بدورها لإدارة الأصول والموارد بكفاءة وفعالية. وبذلك تشمل تطبيقات المدينة الذكية مجالات التعليم والصحة والإسكان والطاقة وبقية القطاعات الأخرى. وانسجامًا مع مفهوم المدينة الذكية، تم تأسيس جمعية البحرين للمدن الذكية، وتهدف لدعم جهود الجهات الرسمية في المملكة ومؤسسات القطاع الخاص خصوصًا المطورين العقارين، من خلال التعاون للسعي على رفع الوعي في المجتمع وتقديم الإسناد الإرشادي في هذا المجال، وتشجيع الأجهزة الحكومية والمطورين العقاريين على تبني إنشاء المدن التي توفر حياة كريمة للمواطنين، عبر تلبية احتياجاتهم من البنية التحتية الأساسية ومن خلال تطبيق الحلول الذكية، التي تضمن توفير البيئة النظيفة والمستدامة كجزء لا يتجزأ في أي مشروع عمراني مستقبلي. وتهدف الجمعية أيضًا إلى بناء جسور التواصل مع الجهات الدولية المعنية بالمدن الذكية للاستفادة من تجارب تلك الجهات بما يصب في مصلحة مملكة البحرين.

وترى جمعية البحرين للمدن الذكية أنه نظرًا لوجود البنية التحتية الحديثة والنسبة العالية للتشبيك في المملكة، فإن البحرين أكثر استعدادًا من دول أخرى لإنشاء مدن ذكية. كما ترى الجمعية أن أهم التحديات التي تواجه المدن الذكية في المملكة، تتمثل في الفراغ التشريعي الخاص بالمدن الذكية والتمويل الذي تحتاجه مشروعات المدن الذكية فضلًا عن الحاجة لتوفير الأمن السيبراني والمعلوماتي.  ولذلك فإن فرصة مملكة البحرين عالية لنجاح إنشاء مدن ذكية؛ نظرًا لما تتمتع به مملكة البحرين من شبكة اتصالات متطورة ونسبة انتشار عالية لمستخدمي الأجهزة الذكية، ووجود الموارد البشرية المؤهلة والقادرة على التعامل مع التكنولوجيا والتكيف مع سرعة وتيرتها، إضافة للخطة الوطنية الرابعة للاتصالات السارية والتي أقرتها الحكومة والتي حددت التوجيه الحكومي لقطاع الاتصالات لإنشاء شبكة موحدة متطورة تسعى إلى تشغيل الشبكة الوطنية للنطاق العريض والتي ستمكن المشغلين المرخص لهم من توصيل أحدث الخدمات عالية السرعة إلى نسبة 95 % من المساكن و100 % من الشركات والمؤسسات التجارية.  أول ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن الطاقة الذكية، هو وجود شبكات كهربائية يمكنها التواصل والتنسيق ذاتيًا من خلال قدرتها على الاتصال واستخدام البيانات التي تم الحصول عليها من خلال أجهزة الاستشعار والرصد لنمط الإنتاج والاستهلاك، لتكون هناك كفاءة أكبر وفاعلية أعلى في إنتاج الطاقة الكهربائية سواء من خلال الإنتاج التقليدي من مصادر الفحم والغاز الطبيعي وزيت الوقود أو من خلال المصادر المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وكذلك لتكون هناك كفاءة أكبر وفاعلية أعلى في الاستهلاك المنزلي أو التجاري أو الصناعي للطاقة. وتطبيقات الطاقة الذكية أكثر من أن تحصر، وتشمل الأنظمة الذكية التي تتحكم في استهلاك الطاقة في المباني، بما فيها التحكم في التكييف ودرجة الحرارة التي تتكامل مع أنظمة العزل الحراري، وتحليل نمط الاستهلاك من خلال العداد الذكي الذي يعمل بشكل ثنائي، إذ يقيس استهلاك الكهرباء بتكرارية زمنية معينة (كل ساعة أو كل نصف ساعة مثلًا)، وترسل هذه البيانات إلى نظام التحكم في شبكات الكهرباء على الأقل مرة واحدة في اليوم مما يفيد بتحديد أدق لاستهلاك المستخدم للكهرباء، وبالتالي تنسيق بين الإنتاج والاستهلاك. كما أن الطاقة المتجددة تنضوي تحت تطبيقات الطاقة الذكية، والتي يكون لها انعكاسات إيجابية ليس اقتصادية فقط، بل بيئية أيضًا.  ويعتبر الفرد في مملكة البحرين ومنطقة الخليج عمومًا من الأكثر استهلاكًا للطاقة الكهربائية، إذ إن بيانات المؤشرات الاقتصادية للبنك الدولي بالعام 2014 تشير إلى أن متوسط استهلاك الفرد في مملكة البحرين يعادل 19.592 كيلووات/ ساعة، مقارنة بـ 5.130 كيلووات/ ساعة للفرد في المملكة المتحدة، أي أن الفرد في البحرين يستهلك ما يقارب 4 أضعاف ما يستهلكه الفرد في المملكة المتحدة.  وتشير بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية إلى أنه يتوقع بحلول العام 2022 أن تكون كلفة إنتاج الطاقة من الغاز الطبيعي بمتوسط 58.6 دولار لكل ميغاوات/ ساعة، بينما ستبلغ كلفة إنتاج الطاقة من خلال الطاقة الشمسية ما متوسطه 73.7 دولار لكل ميغاوات/ ساعة، وأن الباحث يرى الهبوط الحاد في خط الرسم البياني لكلفة إنتاج ألواح الطاقة الشمسية،

وكل ذلك يدفعنا إلى التفاؤل بأن يكون مصدر الطاقة الشمسية منافسًا جديًا للطاقة التقليدية، حتى من جانب الكلفة. وهنا تأتي واحدة من أهم ميزات الطاقة الذكية، إذ إن التذبذب في الإنتاج يعتبر من أكبر التحديات التي تواجه الطاقة المتجددة، ويمكن التغلب على هذا التحدي من خلال تقنيات الطاقة الذكية؛ لتحقيق أعلى مستوى من التكامل والتنسيق والإدارة والكفاءة في إنتاج واستهلاك الطاقة. ولا يخفى على القارئ أن مصادر الطاقة التقليدية مثل الغاز الطبيعي وزيت الوقود، التي تعتمد عليها حاليًا منطقة الخليج العربي، بما فيها مملكة البحرين، هي مصادر ناضبة ومحدودة، وأنه ليس بالإمكان التأكيد أكثر على الأهمية القصوى لترشيد الاستهلاك للمحافظة على هذه الثروة الناضبة أطول وقت ممكن لنا ولأبنائنا، والإسراع بتنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة، والتي تأتي في مقدمتها الطاقة الشمسية. كما أن التحدي الوجودي للمنطقة، وهو توفير المياه الصالحة للشرب والاستخدام البشري بشكل مستدام، يدفعنا للعمل بجدية أكثر، إذ إن منطقتنا حاليًا تعتمد على محطات تحلية المياه بشكل كامل تقريبًا، وهذه المحطات تستهلك كميات متزايدة من الطاقة.

حسن الشيخ