+A
A-

الصخر الزيتي... البحرين على أعتاب النفط الجديد

هل تستطيع البحرين فك “أحجية” الصخر الزيتي، على عكس بقية الدول العربية، وإنتاجه كما الولايات المتحدة الأميركية واستونيا وبعض دول العالم الأخرى.

تعوّل المملكة على التكنولوجيا الأميركية الحديثة في إمكانية استخراج بين 5 % إلى 15 % من الكميات الموجودة في الحقل المكتشف جديدا، والتي تصل إلى 80 مليار برميل.

لكن عملية الاستثمار في الحقل الجديد ستمر في العديد من المراحل والتفاصيل يأتي في مقدمتها مواصلة البحوث والدراسات، واستقدام شركات عالمية مستعدة للاستثمار، على أن يبدأ الإنتاج عقب 5 سنوات من الآن.

إذا المسألة معقدة، ومكلفة، وتحتاج إلى الوقت والمال والاستثمار، إلا أنها ستفتح باب الخير على المملكة. لكن ما هو الصخر الزيتي، وما هي إمكانية إنتاجه، ولماذا هناك صعوبة في ذلك؟

 

ما هو الصخر الزيتي؟

الصخر الزيتي (السِّجـِّيل الزيتي) ويسمى أيضا الصخور النفطية وصخور القار والطفلة الزيتية، مادة صلبة تحتوي على مواد عضوية نباتية وحيوانية تسمى الكيروجين، ويتحول بالتسخين إلى نفط غير تقليدي.

ويدخل في تركيبه معظم مكونات النفط بدءاً من الغاز وانتهاءً بالبيتومين، ويعتبر من أهم البدائل المستقبلية لإنتاج الطاقة وقيام الصناعات البتروكيماوية.

وبحسب “ويكيبيديا” لم تتحول هذه المواد إلى نفط تقليدي سائل بفعل الطبيعة بسبب عدم تعرضها للحرارة لفترة كافية. وعلى هذا الأساس تحتوي هذه الصخور على مواد طاقة غير متكاملة التكوين يمكن تسخينها فينفصل الكيروجين عنها ليصبح مادة طاقية سائلة أو غازية.

 

الدول الغنية بالصخور الزيتية

وتتواجد هذه الصخور في 38 دولة حول العالم (المكتشف إلى الآن) لديها 4786 مليار برميل من النفط الذي يمكن استخراجه من تلك الصخور، أي ما يعادل أربعة أضعاف الاحتياطات المؤكدة للنفط التقليدي.

وتحتل الولايات المتحدة الأميركية المرتبة العالمية الأولى بحجم الكميات، حيث بلغت احتياطياتها 3706 مليارات برميل أي 77 % من الاحتياطات العالمية، تليها الصين وروسيا والكونغو والبرازيل وإيطاليا ثم المغرب.

وتكاد تنحصر الاحتياطات العربية بـ 4 بلدان، هي مصر (6 مليارات برميل) وسوريا (20 مليار برميل) والأردن (34 مليار برميل)، والمغرب والسعودية، في حين يضيف الكشف الجديد البحرين للقائمة بـ 80 مليار برميل.

طرق استخراج النفط

ويمكن الاستفادة من الصخور النفطية بطريقتين:

- الحرق المباشر: حيث يتم اقتلاعها وتكسيرها وإحراقها مباشرة كما هو حال بالفحم الحجري لتوليد الطاقة الكهربائية. وتستوجب هذه الطريقة محطات كهربائية ملائمة تختلف عن تلك التي تعمل بالوقود الإحفوري. وتتبع هذه الطريقة في البرازيل والصين وألمانيا واستونيا التي تعتمد عليها اعتماداً كليا لتوليد الكهرباء.

- إنتاج النفط، والذي يمكن إنتاجه بأسلوبين، الأول الاستخلاص السطحي، حيث تستخرج الصخور النفطية من مناجمها ثم تكسر وتنقل إلى مراكز للمعالجة. وتتكون هذه المراكز من أفران أسطوانية الشكل خالية من الهواء توضع بداخلها الصخور، وتتراوح حرارة الفرن بين 480 و540 درجة مئوية التي تؤدي إلى انفصال الكيروجين عن الصخور فيتحول إلى نفط ومن ثم يتم تكريره.

ويتبع هذا الأسلوب على نطاق ضيق في البرازيل واستونيا والصين التي تنتج على التوالي 3.8 و6.3 و7.6 ألف برميل في اليوم على التوالي.

أما الأسلوب الثاني فهو الاستخلاص الموضعي، حيث تسخن الصخور في مكامنها أي دون أن تنقل إلى سطح الأرض. وتتراوح الحرارة بين 340 و370 درجة مئوية لمدة تصل أحياناً إلى أربع سنوات متواصلة. عندئذ يتحول الكيروجين إلى نفط قابل للتكرير. ومن الناحية الصحية والبيئية يعد الأسلوب الثاني أقل ضرراً من الأول، كما تشير التجارب إلى أن درجة كثافة النفط المستخرج بواسطة الأسلوب الثاني (38 درجة حسب مقياس المعهد الأميركي للبترول) أعلى من درجة كثافة النفط المستخرج بواسطة الأسلوب الأول (21 درجة). والنفط عالي الكثافة غني بالمواد البيضاء كوقود السيارات وبالتالي فهو أغلى من النفط منخفض الكثافة.

 

كلفة الإنتاج.. مرتفعة

ولا توجد معلومات دقيقة حول كلفة إنتاج برميل النفط من الصخور النفطية بسبب اختلاف طبيعة هذه الصخور وتباين أساليب الاستخلاص، إلا أن الأميركان استطاعوا تخفيض كلفة إنتاجه إلى 40 دولارا تقريبا.

ومن المعلوم أن كلفة إنتاج النفط التقليدي تتراوح في دول الخليج العربي بين دولارين وخمسة دولارات للبرميل.

وبحسب دراسات معلنة فأن كمية الكيروجين تتراوح بين 70 و85 لترا للطن الواحد في المغرب، فيما ترتفع في الأردن إلى 80 لتراً تصل إلى 105 لترات في بعض المناطق، وتبلغ 90 لتراً في البرازيل و120 لتراً في الولايات المتحدة.

ولم تذكر الجهات البحرينية المعنية كميات الكيروجين في الحقل الجديد.

 

المعوقات والتحديات

إضافة إلى ارتفاع كلفة إنتاجه قياسا بالنفط التقليدي، وصعوبة إقناع الشركات العالمية بالاستثمار، فإن هناك مشاكل أخرى يواجهها منتجو الصخر الزيتي، بحسب مجلة “إيكونوميست” تتعلق بكون عمر الحقل قصيراً، وينخفض إنتاجه في العام الأول بنسب تتراوح بين 60 % و70 %، وعليه فأي بطء في الاستثمار سينعكس سلباً على انخفاض مستويات الإنتاج.

يضاف إلى ذلك المشاكل البيئية والتلوث واستهلاك المياه، فقد أثبتت الدراسات العلمية أن جميع صور استغلال الصخور النفطية تقود إلى نتائج صحية وبيئية وخيمة.

وتشير التقارير في استونيا إلى أن 23 % من تلوث الماء و86 % من النفايات و97 % من تلوث الهواء يعود إلى استغلال الصخور النفطية.

كما أن استخلاص برميل من النفط من الصخور النفطية، في طرقه التقليدية المتبعة سابقا وحاليا في بعض الدول، يحتاج إلى حوالي 5 براميل من الماء.

التكنولوجيا الأميركية (التكسير المائي)

ارتفع إنتاج أميركا من النفط الصخري خلال شهر يناير الماضي بحوالي 199 ألف برميل يوميا بنسبة تصل إلى حوالي 3.1 % مقارنة بمستويات شهر ديسمبر ليسجل 6.537 مليون برميل يوميا.

ويشرح تقرير لمجلة “إيكونوميست” أن تكنولوجيا تكسير الزيت الصخري، من خلال حقنه بمزيج من الماء والمواد الكيماوية والرمل من أجل استخراج النفط منه، تعد حديثة، ولا تزال تحقق مكاسب كبيرة من ناحية القدرات.

ومع تطور التكنولوجيا فكلفة الإنتاج ستقل، كما ترى شركة أي أتش أس، التي تقوم بأبحاث في هذا المجال، حيث انخفضت كلفة مشروع عادي من 70 دولاراً إلى 57 دولاراً للبرميل في العام 2013 مثلا، لتصل إلى 40 دولارا في أميركا حاليا.

ومع ذلك فإن تطوير حقل الصخر الزيتي لا يحتاج سوى أسبوعا بحسب “إيكونوميست”، ولا تتعدى كلفته 1.5 مليون دولار في الظروف المتوسطة، إلا أن السؤال يتعلق بعدد الآبار التي يجب الحفر فيها.

وتصور المجلة الوضع بأنه مثل تصنيع المشروبات، فحيثما يشعر العالم بالعطش فإنك تقوم بحفر بئر للتعبئة.

وتتطلب عملية التكسير كميات كبيرة من المياه، حيث تحتاج بعض الآبار إلى نحو 4 ملايين غالون.

وتجرى الآن أبحاث للوصول إلى وسائل بديلة للاستخراج تتطلب كميات أقل من المياه، وتعد الطريقة الواعدة، باستخدام ثاني أكسيد الكربون بدلاً من المياه، في ظروف الغلاف الجوي العادية، بحيث يكون ثاني أكسيد الكربون غازاً محفزاً يسمح من خلاله باستخلاص النفط الخام.

ومن أهم الشركات الأميركية العاملة في المجال: بيرمي، باكن، إيغل فورد أو هينزفيل.

 

وضع الحقل البحريني

قدّر وزير النفط الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة كميات النفط والغاز المصاحب في الحقل النفطي الجديد بنحو 80 مليار برميل، يمكن استخراج ما بين 5 % إلى 15 % منه.

والـ 5 % تساوي 4 مليارات برميل، و15 % تعادل 12 مليار برميل.

ويقع الاكتشاف النفطي الجديد وهو من نوع النفط الصخري في منطقة خليج البحرين الواقعة بالمنطقة الغربية من حدود المملكة، بمساحة تقدر بـ 2000 كيلو متر مُربع.

وأشار الشيخ محمد إلى توقيع مذكرة تفاهم مع شركة هيليبرترون الأميركية للتحضير لعمليات حفر آبار إنتاجية في الحقل الجديد، فيما أشار على هامش مؤتمر “بوابة الخليج” الذي استضافته المنامة مطلع الشهر الجاري أنه تم استقدام عروض من شركات عالمية ترغب بالاستثمار من بينها أميركية.

وبين الوزير أن عملية الحفر ستبدأ هذا العام بواقع بئرين ليتم بعدها تقييم الوضع، (...) بناء عليه يتم معرفة جميع التفاصيل والمعلومات والنتائج وبالتالي إمكان استقطاب الاستثمارات.

واعتبر ارتفاع أسعار النفط التي لامست الـ 70 دولارا للبرميل، مشجعة لعودة المستثمرين (...) نحن نقوم بعمل إضافي لاستقطاب الشركات.

 

التكنولوجيا والجدوى الاقتصادية

أشار مدير الاستكشاف بشركة نفط البحرين “بابكو” يحيى الأنصاري خلال المؤتمر الصحافي الذي عقد في مارس الماضي للإعلان عن الكشف الجديد، إلى أن الطبقات الصخرية في الحقل تتميز بمواصفات جيولوجية ذات قابلية لإنتاج النفط، والتي بدورها ستساعد في رفع معدلات الإنتاج لكل بئر، ما يعني أن هناك جدوى من الناحية الاقتصادية.

وبين أن كلفة استخراج برميل واحد من النفط من حقول شبيهة في أميركيا يصل إلى 40 دولارا، ما يعني جدواه اقتصاديا قياسا بالأسعار العالمية، (...) نأمل أن تكون الكلفة في البحرين أقل من ذلك خصوصا أن المياه ضحلة ومواصفات الحقل أفضل من تلك التي في أميركا.

وأضاف “نتواصل مع الأميركان بخصوص التكنولوجيا المتبعة، كونه لديهم خبرة في إنتاج هذه النوعية من النفط”.

وأكد أن الكميات المكتشفة تقع على أعماق تتراوح بين 9 و10 آلاف قدم، ما يعني تعقيد عملية الاستخراج، (...) التقنيات متوافرة وهناك تجارب في أميركا وتم استخراج كميات تجارية، ونحن نسعى للاستفادة من التكنولوجيا المتوافرة.